الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التعليم.. من التخريب إلى التطوير (3)

التعليم.. من التخريب إلى التطوير (3)

قدسية التعليم وتقدير المعلم وأهميته لا خلاف عليها ولا جدال فيها، لكن أى تعليم نتمناه لصياغة مستقبلنا، وأى معلم نريده لصناعة أجيالنا؟، الحقيقة أن الفجوة واسعة بين عملية تعليمية متطورة، وبين معلم يتشبث بنظام تعليمى عقيم يحقق مصالحه الذاتية، كثيرًا من المعلمين من شتى أنحاء الجمهورية تواصلوا معى خلال الأيام الماضية جميعهم ناقمون، رافضون، مجادلون بلا منطق، القاسم المشترك بينهم جميعًا أنهم من بارونات الدروس الخصوصية، الذين أصيبوا بالتخمة المالية، حججهم واهية، منطقهم ضعيف، أجزم لو أن الدولة ضاعفت من رواتبهم مرات ومرات فسوف يظلون على مواقفهم الرافضة لتطوير التعليم، لأن مكتسباتهم من الدروس الخصوصية لا يمكن أن يعوضها سخاء الدولة، معادلة صفرية لا يمكن تحقيقها، ووضع يستحيل استمراره، أو تقبل تبريراته، سياسة فرض الأمر الواقع التى يمارسها بارونات الدروس الخصوصية لا يمكن الخضوع لها، أو القبول بها فى ظل دولة قوية تنطلق بلا تردد نحو المستقبل وفق خطط واستراتيجيات طويلة الأمد ترتفع بكل عناصر ومستويات العملية التعليمية، المدرسة، المنهج، المعلم، الطالب، منظومة متكاملة حققت فيها دول كنا نسبقها بسنوات ضوئية نتائج مبهرة ، لابأس  نحن نستطيع ، نمتلك تراكمات من الخبرة تؤهلنا لاختصار الزمن والعودة مجددًا، بشرط أن نعلى من المصلحة العامة، وأن نضبط إيقاع العملية التعليمية من خلال مدرسة تعمل بكامل طاقتها وفق ضوابط حاكمة لامجال فيها للتراخى، كنا نطبقها فى السابق، لازال جميعنا يتذكرها، وله معها ذكريات.



من الأهمية أن أؤكد على أننا فى «روز اليوسف» مواقفنا مبدئية وواضحة ألا وهى الانحياز التام للدولة الوطنية، والدفاع عن حقوق ومكتسبات شعب يريد أن يحصل على حقوقه الدستورية كاملة فى تعليم مجانى جيد خصصت له الدولة 256 مليار جنيه فى ميزانيتها  للعام الحالي، زادت فيها البدلات والحوافز للمعلمين بـ 9.6 مليار جنيه، ليزيد متوسط استفادة المعلم بنحو 1500 جنيه شهريًا فوق راتبه الأصلى،  وسوف تحسن كل ميزانية جديدة من أوضاع المعلمين المالية أكثر فأكثر، لدى الرئيس عبد الفتاح السيسى والحكومة المصرية إيمان عميق بضرورة تحسين أوضاع كل فئات الشعب المصرى وفى طليعتهم المعلمون، الدولة تضع تحقيق رفاهية الشعب ضمن أولوياتها، والحكومة تكد من أجل ذلك. الإحصائيات تشير إلى أن الإنفاق على الدروس الخصوصية فى ظل الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا تجاوز حاجز الـ 100 مليار جنيه فى عام 2020، ومثلها فى العام الحالى، ذهبت كلها الى جيوب بارونات الدروس الخصوصية فى ظل غياب تام بسبب الإجراءات الاحترازية التى طبقتها الدولة لمنع تفشى فيروس كورونا، أو ربما يعود لتقاعس أو تراخى من بعض أجهزة الدولة فى مقدمتها أجهزة الحكم المحلي!، هذا فى الوقت الذى تندر فيه الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام احتفالية أبواب الخير مطلع الأسبوع الجارى قائلا (الـ 100 مليار جنيه اللى كنا بنحلم بها منذ سنوات لقافلة الخير مجتش لحد دلوقتى)، أليست مفارقة تثير التعجب!؟، الدولة تعجز عن جمع مبلغ هكذا لتوظيفه فى أعمال الخير، فى الوقت الذى يبتز فيه بارونات الدروس الخصوصية المجتمع بمثله فى عام واحد!، هل حرام على الدولة، حلال على بارونات الدروس الخصوصية!؟،  السؤال الذى يفرض نفسه، هل ذهبت أموال الدروس الخصوصية التى تزيد على ميزانية عدد من الدول الى جيوب بارونات الدروس الخصوصية فقط؟، وهل لعبت هذه الأموال الضخمة دورًا فى تحريك عجلة الاقتصاد المصرى؟، أم أن بعضا منها ربما قد تسرب الى تمويل الإرهاب الذى يقتلنا ونحن نموله!؟،

مجرد أسئلة مشروعة فى ظل دولة يعانى شعبها، وتكافح حكومتها من أجل رفع معدلات التنمية، وردم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية التى جاءت نتاج سياسات اقتصادية خاطئة فى ظل عهود سابقة.

لقد لفت نظرى حكم أصدرته المحكمة الإدارية العليا منتصف يوليو العام الماضى بعد أن قبلت طعنًا قدمه محافظ المنوفية ضد معلمة إعدادى بإدارة منوف التعليمية ضبطت متلبسة بارتكاب جريمة الدروس الخصوصية أكدت فيه المحكمة بكامل هيئتها على أن الدروس الخصوصية أزمة تربوية ضد النسق الاجتماعى أدت إلى تسرب التلاميذ من المدرسة، وأن الدروس الخصوصية قضية جوهرية تمس حقوق الأجيال ولها انعكاسات ثقافية سلبية تلحق الضرر بالجانب الاقتصادى والنفسى والاجتماعى وتؤدى إلى إرهاق ميزانية الأسرة المصرية، وناشدت المحكمة المشرع بوضع العقاب الرادع للدروس الخصوصية فى التعليم المدرسى، وشددت على ضرورة تطبيق عقوبة العزل من الوظيفة على غرار ما نص عليه قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، إذن فماذا ننتظر بعد؟.

الدولة تجند كل طاقاتها لتصحيح مسارات التعليم المعوجة، وها هى قد حسمت أمرها وفعلت، فهل يستجيب أولياء الأمور، ويتوقفوا عن الزج بأولادهم فى غرز الدروس الخصوصية؟

(للحديث بقية)