الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إليزابيث جيرشو باومان أم البورتريه النسائى وعبقرية الاستشراق

إليزابيث جيرشو باومان أم البورتريه النسائى وعبقرية الاستشراق

فى العديد من الأوقات ليس عليك أن تكتشف بسهولة، أن البعض الفنانين قد خرجوا عن أطار التاريخ الفنى، وأصبح ذكرهم قليل فى المحافل الفنية، على الرغم من مسيرتهم القوية والخلاقة فى الفن، بعضهم تم إسقاطه من السير الفنية عن عمد وبعضهم لأسباب سياسية أو عرقية على أى حال نستطيع أن نقول إن الفنانات النساء كانوا أقل حظًا بكثير من الرجال فى الذكر والتخليد، ونحن لا نكاد نسمع إلا بعض الأسماء القليلة من بينهم اليزابيث فيجيه بحكم نشاطها فى البلاط الفرنسى، لكن فى المقابل هناك العديد من الفنانات لم يحتف بهم النقاد بقدر ما أحتفى بالرجال بل على العكس تظل سيرتهم الفنية منقوصة ومحل للجدل الدائم وذلك بسبب أن المعاصرين لهم أيضا كانوا غير مهتمين بتسجيل حياتهم وفنهم، وربما كان ذلك مقصودا لكن على أية حال، فالفن يرفع صاحبه لمرتبة الخلود وخصوصا إذا كان فنا راقيا وهادفا وفيه تطوير وإضافة، وهذا بالفعل ما قامت به أحد عباقرة الفن التشكيلى فى القرن التاسع عشر الفنان الكبيرة إليزابيث جيرشو باومان، والتى لم تحظ بالقدر الكافى من الاهتمام على الرغم من أنها كان أحد الرواد فى عدة مناحى أهمهم الاستشراق، والذى لم تأخذ حجمها الحقيقى فى قوائمه، بل تكاد تكون لا تذكر فى معرض الحديث عن الاستشراق إلا لماما مما جعل لوحاتها لفترة طويلة لا ترقى لمستوى الأسعار الفلكية التى تصل إليها لوحات الاستشراق على الرغم من أن لوحاتها تتفرد بمنهج خاص وتيمة خاصة لم يصل إليها غيرها، ومن ثم وكما سنذكر لاحقا أن اليزابيث جيرشو كانت أحد أهم فنانى الأستشراق بدون منازع.



الحقيقة أن أحد أهم أسباب قلة ذكر إليزابيث جيرشو بجانب قامات الفن الكبيرة هى أنها مارست معظم نشاطها الفنى فى عاصمة من العواصم التى ظلت تعامل كثيرا من أنواع الفن التشكيلى بتحفظ شديد، وهى الدنمارك فلقد كان المجتمع الدنماركى متحفظا لدرجة كبيرة ومن ثم كان يتعامل بحساسية مع العديد من مواضيع الفن التشكيلى، وعلى رأسها الموضعات التى بها عرى أو فكرة إيروتيكية، وهكذا ظلت معظم لوحات أليزابيث جيرشو حبيسة مخازن المتاحف فى كوبنهاجن لفترة طويلة وحتى الحرب العالمية الثانية، حينما قام هتلر بعمليته الشهيرة فى السطو على معظم الأعمال الفنية الكبيرة من كل متاحف المدن الأوربية ولم يكن يجهل إليزابيث جيرشو، بل كان مفتونا بها حتى إنه أطلق عليها أم البورترية النسائى من هنا وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان على المتاحف أن تتعامل مع أعمال جيرشو على أنها من القطع النادرة، بل وبعض النقاد أخذ على عاتقه تحليل أعمال جيرشو بجدية وحيادية لكن معظم هؤلاء النقاد أصابهم الفتور بعد فترة لتنوع وغزارة أنتاج إليزابيث جيرشو، كما أن فكرة الفن الأنثوى أيضا ظلت تحكم الأفكار النقدية بشكل طقسى وخفى نستطيع أن نضيف إلى ذلك سببا مهما وهو أن جارشو كانت دائما بعيدة عن الرؤية الشعبية فى المتاحف والمحافل الفنية حتى إن بعض أحد العرض فى سويسرا فى الستينيات، عرضت لها لوحتين فلم يكد الجمهور يعرف عنها شيئا بل اعتقد البعض أنها فنانة معاصرة حتى أن الصحف السويسرية كتبت على صفحاتها فى هذه الفترة أن الجمهور الأوروبى يجهل أم البورترية النسائى فى القرن التاسع عشر، وهذا هو اللقب الذى أطلقه عليها هتلر كما ذكرنا.

لم يكد العقد الرابع من القرن التاسع عشر ينصرم إلا وكانت المدرسة الكلاسيكية الحديثة والرومانسية قد أصبح لها شكلا محددا وأسلوب خاص بها وكانت أيضا قد طبقت الآفاق فى أوروبا، ولعلنا نستطيع أن نقول بقة أن مدرسة الإستشراق كان نتيجة طبيعية لهذا الانتشار بالإضافة لنشاط الترحال الذى كان قد أنتشر بكثرة فى هذا العصر، بعد أن عدة حملات استعمارية على الشرق وتبعها حملات تدرس، وتستطلع هذا العالم الذى يسكن خيال أوروبا منذ ترجمة ألف ليلة وليلة ورحلة الإسراء والمعراج للغة اللاتينية من هنا ولد الاستشراق فى الفن التشكيلى على أية حال فإن جيرشو لم تكن فى بدايتها فنانه أستشراقية بل كانت من رواد الرومانسية مع مسحة واضحة للكلاسيكية الجديدة لكن على أية حال كانت جيرشو أيضا مغرمة بتصوير الحياة اليومية والمشاهد الأسرية، وربما كانت هذه المشاهد الأسرية والخاصة بها أيضا كانت تستعين عليها بالملل الذى صاحب انتقالها إلى كوبنهاجن، بعد أن التحق زوجها بالأكاديمية الملكية للفنون فى ستوكهولم؛ لأنه كان دنماركيا كما نعرف حيث استقبلها المجتمع الفنى فى الدنمارك بفتور لأهم كما قلنا تعاملوا بتحفظ مع بعض قضايا الفن، لكن أيضا إليزابيث جيرشو لم تكن تضحى بموهبتها بسبب هذه العقليات الرجعية ففرضت نفسها على المجتمع الفنى بموهبتها وعبقريتها الفطرية فى الفن التشكيلى، مما لفت نظر الملك لويز ملكة الدنمارك لها وكلفتها بإنجاز عدة بورتريهات لها ولبناتها أيضا مما كفل لجيرشو مكانة مميزة فى المجتمع الفنى الدنماركى مع استمرار الحذر فى التعامل مع بعض الطرح الفنى الذى تقدمه جيرشو، ونذكر هنا موقفا شديد الدلالة فحينما قدمت عملها الشهير العذراء والطفل أنبرى العديد من النقاد للنقد والتجريح مع أشاعة أن اليزابيث يث جيرشو حطمت الكثير من القواعد الفنية والمقدسة فى اللوحة على الرغم من أن اللوحة تتشابه مع مئات اللوحات التى تشكل العذراء والطفل، ومع أن الموضوع دينيا بحتا إلا أن جيرشو أضافت عليه حيوية جعلت منه عملا يتفوق على معظم اللوحات التى تعالج هذا الموضوع، وهناك رأى مفاده أن الأستاذ والفنان الكبير وليام بوجيرو تأثرا كثيرا بهذه اللوحة فى عمله الشهير العذراء والطفل.

ولدت إليزابيث جيرشو فى نوفمبر 1819فى زولبورتس فى وارسو ببولندا واسمها الحقيقى هو أنا ماريا إليزابيث باومان واحبت فن الرسم من والدها الذى تخص فى رسم الخرائط وفى عام 1838 أرسلها والدها لتكمل دراستها فى أكاديمية دوسولدورف وهناك تفوقت فى دراسة الفن، حيث كانت دوسولدروف عاصمة الأكاديمية فى الرسم فى هذه الفترة وتعرفت على زوجها الدنماركى جين أولف جرشو والذى تزوجته ورحلت معه لكوبنهاجن حيث كان يقوم بالتدريس فى الأكاديمية الملكية وأنجزت أعمالا كثيرة هناك منها لوحة هانز كريستيان أندرسون يحكى حكايات للأطفال، ذهبت فى رحلة للشرق زارت اليونان ومصر وأقاليم تركية كثيرة، أنجبت خمسة أبناء كان معظمهم فنانين مشاهير لكنهم ماتوا فى سن صغيرة، ماتت إليزابيث جيرشو فى كوبنهاجن عام 1881.