
صبحى شبانة
التعليم.. من التخريب إلى التطوير «9»
يظل التعليم هو رافعة المجتمع لتحقيق التنمية الشاملة فى عصر تحول فيه معيار النجاح والتقدم فى العالم إلى أرقام محايدة تعبر عن الواقع بتجرد تام يعكس خطوط الشكل البيانى صعودًا وهبوطًا، وما حققته الدولة المصرية مؤخرًا فى مجالات البنية التحتية والتنمية الاقتصادية من نجاحات مشهودة واستثنائية تحتاج إلى أن يواكبها عملية تعليمية جادة ومتطورة تنفض ما علق بها من تشوهات ومساوئ، وتخلصنا من ركام العقود الماضية التى أفرزت لنا جيلًا، أو ربما أجيالًا تعانى من أمية مفرطة وعجز معرفى مخجل، إذ ليس بوسع أى مجتمع تحقيق أهدافه التنموية، ومواجهة متطلباته المستقبلية إلا بالعلم والمعرفة، فلم يعد التعليم ترفًا أو محل جدل، بل يحدونا الأمل فى ألا يقف التعليم الأساسى عند حد انتهاء مرحلة التعليم الثانوى بل يمتد ليشمل التعليم الجامعى،فكثيرمن الدول المتقدمة بات فيها التعليم الأساسى الإلزامى هو الجامعى لأن مواكبة عصر التكنولوجيا المتغيرة فائقة القدرة والمعلوماتية المتسارعة يتطلب بناء وتكوين وتشكيل مكونات شخصية الإنسان العقلية والوجدانية، وتأهيله للتعامل مع مستحدثات العلم والمعرفة، واستيعاب آليات ومعادلات التقدم، وتفهم لغة العصر، فالثروة البشرية هى الأهم وهذا هو ما تدركه وتسعى إليه القيادة السياسية وتوليه اهتمامًا بالغًا.
وها نحن على أعتاب عام دراسى جديد مازال بارونات وأباطرة الدروس الخصوصية يرفعون رايات التحدى، ولا يعبأون بالقوانين، ويسلكون منهج أباطرة المخدرات فى بعض الأحياء القديمة لأزمنة قريبة سجلتها السينما المصرية فى أكثر من عمل فنى فى الوقت الذى تتجاهل فيه بارونات الدروس الخصوصية الذين يمتد خطرهم إلى الملايين، فهم يبددون موارد الدولة، ويهدرون قدراتها، ويفرزون تعليمًا مشوهًا، ويستنزفون ملايين الأسر المصرية نظير ما يقدمونه من أوهام وجهالة باسم التعليم.. وردتنى فى الآونة الأخيرة أساطير تحكى عن بعضهم لم أكن لأصدقها بسهولة فكثير منهم حول «السنتر» إلى ما يشبه السيرك، يقدم فيه فصولًا من الدجل، ووصلات من الرقص، ولا بأس فهناك متسع من الوقت للتخميس والتعاطى لإغراء المزيد من المراهقين الطلاب الذين يحشرونهم بالمئات فى أماكن غير آدمية لا يتسع الواحد منهم بالكاد إلى أكثر من عشرين طالبًا، ونجد من يلوم الفصل المدرسى أن به 50 طالبًا! وتناسوا أن المدرسة ليست مكانًا للتعليم فقط، بل هى منظومة تعليمية وتربوية وتأهيلية متكاملة فإلى جانب فصول الدراسة توجد الوسائل التعليمية والمكتبات والمعامل والمختبـرات، والأفنية لممارسة الأنشطة الرياضية والفنية والاجتماعية والثقافية وجميعها على جانب كبير من الأهمية تساهم فى تنمية الطالب وتأهيله بدنيًا ونفسيًا وعقليًا وعلميًا.
إن أخطر أنواع الاقتصاد هو ما يسمى بالاقتصاد الأسود وهذا النوع من الاقتصاد الحرام هو الذى يمارسه بارونات وأباطرة الدروس الخصوصية جهارًا نهارًا ويتجاوز حجمه أكثر من 100 مليار جنيه وفق أقل التقديرات تذهب جميعها إلى جيوبهم فى ظل غياب الرقابة والمحاسبة الحكومية والتهرب من دفع الضرائب، مثلهم فى ذلك مثل تجار المخدرات، والأسلحة، والاتجار فى الأعضاء البشرية والأموال المزيفة وغيرها من كل أنواع التكسب غير المشروع، السؤال الذى يطرح نفسه بقوة فى ظل تفشى وباء الدروس الخصوصية، أين موضوع تحريم الدروس الخصوصية فى خطب الجمعة؟، ألا يستحق الموضوع أن تخصص له وزارة الأوقاف خطبة الجمعة المقبلة خصوصًا ونحن على أبواب عام دراسى جديد حشدت له الدولة كل إمكانياتها؟.
لن تفلح محاولات تطوير التعليم مالم يتم القضاء على مافيا الاقتصاد الأسود من بارونات الدروس الخصوصية.