زواج «المحلل».. باطل شرعًا

صبحى مجاهد
أثار ظهور مواطن مصرى قال «إنه تزوج 33 مرة «محلل شرعى» من أجل إعادة الزوجات إلى أزواجهن بعد أن طلقن ثلاث مرات كـ»عمل خيرى لوجه الله»، نوعا من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعى، لا سيما بعد تعليل هذا المحلل زيجاته بقوله: «أقوم بهذا الأمر لوجه الله كعمل تطوعى بدون أى مقابل لله فقط؛ ولا أتقاضى أموالا من أجل حماية البيوت من الخراب وانفصال الأزواج».
المواطن المصرى اعتبره البعض أنه يطبق فتوى سابقة نشرتها دار الافتاء المصرية عبر صفحتها عبر الفيس بوك فى فبراير 2021 وقامت بحذفها بعد اثارتها للعديد من الجدل تفيد أن زواج المحلل، إذا كان بشرط التحليل فهو حرام شرعا باتفاق الفقهاء؛ أما إذا كان منويا فقط من غير اشتراط فى العقد أو عنده، كأن يتطوع شخص من نفسه وبدون اشتراط فى العقد ويتزوج المطلقة ليطلقها بعد ذلك، لتعود لزوجها الأول، فإنه جائز ويكون العقد بذلك صحيحا، والشخص مأجورا بذلك لقصده الإصلاح.
ومع تأكيد المواطن بأنه إذا قالت لى دار الإفتاء المصرية أن هذا العمل خطأ فإنه سيتوقف هذا التصرف قامت دار الافتاء صباح امس الخميس بإصدار بيان بتحريم زواج المحلل (زواج شخص من امرأة بقصد تحليل عودتها لزوجها الأول بعد الطلاق للمرة الثالثة).
وقالت الإفتاء المصرية فى تدوينة نشرتها عبر صفحتها الرسمية بموقع التدوينات القصيرة «تويتر» «زواج المرأة المبتونة_إى المطلقة ثلاثًا؛ لكى تحل للزوج الأول_ حرام شرعًا بإجماع الفقهاء».
وأضافت الإفتاء فى منشورها بأنه: «روى عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لعن المحلل والمحلل له»... كما «روى عن ابن عمرو رضى الله عنهما، أنه سئل عن تحليل المرأة لزوجها؛ فقال ذاك السفاح، أى الزنا».
المحلل ملعون
من جهته يوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن فى جامعة الأزهر وعضو الهيئة الاستشارية للفتوى بالأزهر الشريف، إن عقد الزواج مبنى على المودة والرحمة، مستشهدا بقوله خلق لكم من أنفسكم أزواجًا، مؤكدا أن الزواج أساسه السكن والمودة والرحمة، وليس مسألة التحليل.
وقال الدكتور أحمد كريمة: إنّ زواج المحلل أمر محرم بإجماع الآراء الفقهية، مضيفا: «نكاح المحلل ذكره الفقهاء فى الأنكحة المنهى عنها، أيا كانت صورته، فلعن رسول الله المحلل والمحلل له».
وتابع كريمة : «حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه، قال رسول: (ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له)، أخرجه ابن ماجة والحاكم، وروى قبيصة بن جابر عن عمر رضى الله عنه أنّه قال: (لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما)»، لافتا إلى أنّ كل الصور المعتمدة المعتبرة لنكاح المحلل «باطلة» ومن الأنكحة الفاسدة التى لا يترتب عليها بعض الأثر.
وأضاف أستاذ الفقه المقارن، أنّ بعض الآراء المبيحة لا نفتى بها، لأننا نأخذ بالراجح لقوة الدليل، واتجاه الفقهاء هو بطلان نكاح المحلل وانه من المخالفات الشرعية.
وأشار كريمة إلى أنه مع ان نكاح المُحلل باطل شرعًا وموضوعًا، إلا أن الزوج الثانى إذا كان لا يعلم بأنه محلل ليس عليه إثم، لكن تبقى الإشكالية فى من يعلم، لافتًا إلى أن الله لعن الحال والمحلل له.
وفى نفس سياق الرفض لمسألة المحلل أكد د.مبروك عطية عميد كلية الدراسات الاسلامية السابق بجامعة الأزهر رفضه لاتخاذ المحلل بابا خلفيا لحل أزمة الطلقة الثالثة وإعادة الزوجة لزوجها الأول، وقال أن «الزواج فى الإسلام شرطه التأبيد بدون مدة معينة، وأنه حال طلاقهما أجاز الشرع للزوج أن يراجع زوجته، وأن يفعل ذلك مرة أخرى لو طلقها للمرة الثانية، أما إذا طلقها للمرة الثالثة لا تحق له حتى تنكح زوجا غيره».
كما استند د.مبروك فى رفض للمحلل إلى حديث: «لعن الله المحلل والمحلل له، قائلا: رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له»،وعليه فعلى من يتخذ مسألة المحلل على أنها حل لمشاكل الطلاق ابتغاء وجه الله ويلزم موافقة شريعته، والا يعتبر ان فعله كمحلل هى لوجه الله، حيث لا يمكن ما يكون لوجه الله مخالفا للشريعة، خاصة أن مسألة المحلل الشرعى غير موجودة فى الشرع على الإطلاق، وبالتالى فهذا الفعل هو لوجه الشيطان وليس لوجه الله.
ويذهب د.مبروك عطية إلى ما هو أبعد من تحريم المحلل حيث يؤكد أن زواج المحلل بكونه باطلا، فإن عودة الزوجة عند زواجها من محلل شرعى باطلة أيضا»
شروط المحلل
وبالرجوع إلى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف تبين صدور فتوى توضح زواج المحلل فى الإسلام قائلة إن الشرع الحنيف وضع قواعد شرعية ملزمة فى شأن الزواج والطلاق فإذا طلق الزوج زوجته ثلاث تطليقات، فقد بانت منه بينونة كبرى؛ أى أنه لا يملك مراجعتها لا فى عدتها ولا بعد انتهائها؛ إلا إذا انقضت عدتها، فتزوجت زوجا آخر، ودخل بها الزوج الجديد، ثم طلقها، فتحل للزوج الأول بعد انتهاء العدة.
أضافت الفتوى: تحل الزوجة للزوج الأول نكاحها بعقد ومهر جديدين، وتعود إليه بثلاث طلقات جديدة؛ حيث قال الله عزل وجل فى كتابه الكريم «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، ثم قال سبحانه وتعالى «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون».
وحددت فتوى الأزهر ثلاثة شروط لنكاح التحليل كى لتعود الزوجة للزوج الأول، وتشمل تلك الشروط أن يكون نكاحا صحيحا مستوفيا أركان انعقاد عقد الزواج وشروط صحته، فلو كان العقد فاسدا، كالنكاح دون شهود أو نكاح المتعة، لم يحصل به التحليل وإن دخل بها؛ لأن النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة، ومطلق النكاح ينصرف إلى ما هو نكاح حقيقة على الراجح من أقوال الفقهاء.
كما شددت لجنة الفتوى على ضرورة الخلوة الشرعية بين الزوج الجديد والمطلقة، بأن يدخل بها الزوج دخولا حقيقيا: فلا يكفى مجرد العقد الصحيح دون الدخول؛ لما ثبت عن عائشة رضى الله عنها، قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظى النبى صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فأبت طلاقى، فتزوجت عبدالرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب، فقال: «أتريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك».
زواج باطل
واكدت فتوى الأزهر أن هناك شرطا ثالثا لنكاح التحليل وهو أن يكون النكاح الثانى بنية استدامة العشرة بينهما، وخاليا من التأقيت والتحليل؛ لأن الأصل فى عقد الزواج فى الشريعة الديمومة والاستمرار، ويظهر هذا واضحا من خلال تحريم الإسلام لكل زواج مؤقت، فقال الإمام النووى «النكاح المؤقت باطل، سواء قيد بمدة مجهولة أو معلومة، وهو نكاح المتعة»، وعليه فزواج المحلل بنية الطلاق زواج باطل لا يحل، وبالتالى لا تحل للمرأة بهذا الزواج وطلاقها منه العودة لزوجها الأول؛ لأن ما بنى على باطل فهو باطل.