
صبحى شبانة
التعليم.. من التخريب إلى التطوير (11)
تظل المدرسة هى أفضل صيغة توصلت إليها البشرية طيلة تاريخها لتحقيق معادلة التربية والتعليم بعد قرون طويلة من المحاولات المستمرة التى اخذت أشكالًا متنوعة لتطوير العقل الإنسانى، وإعادة إنتاج المجتمع الحضارى، ومن ثم تشكيل الوعى المجتمعى للشعوب بغية الحد من التشوهات التى لازمت الإنسان طوال مسيرة تطوره، والتى ارتبطت فى أزمنة سحيقة بالبدائية والهمجية والعشوائية وفى عصور وسيطة لاحقة بالإغارة والحروب والفتن والقبلية، فالتعليم والتربية هما عصبا الحضارة الحديثة والتركيز على التعليم دون التربية يخل بالقيم الاجتماعية المشتركة والمسئوليات الأخلاقية التى يجب أن نتخندق لحمايتها ورعايتها وتنميتها وتطويرها.
ليس لدى أدنى شك فى أن التشوهات التى حاقت بالعملية التعليمية بعد أن تخلت المدرسة عن دورها التربوى والتعليمى فى الأربعة عقود الماضية هى التى أفرزت لنا كل ما نراه ونتعايش معه من سلبيات اجتماعية مثل: الإرهاب، الفساد، الرشوة، إعلاء القيم المادية والفردية، وتعميق الطبقية بين أبناء المجتمع الواحد فضلا عن كل السلوكيات التى تضر بكل من الاقتصاد والامن القومى والإحصائيات التى تشير الى ذلك صادمة ولا تحتاج إلا إلى إعادة تصويب الدور التربوى والأخلاقى الذى كانت تضطلع به المدرسة بالتعاون مع الأسرة فى تنشئة أجيال تنصهر لإعلاء شأن الدولة المصرية والهوية الوطنية.
فى استطلاع أجراه البنك الدولى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2017، سِئل آلاف الشباب هل التعليم يحسن من فرصهم فى سوق العمل فى بلادهم؟ أجاب 92 % منهم بلا وألف لا، وكتب أحدهم إن ما يتم تعليمه فى المدارس والجامعات ليس له أية علاقة بالخبرة العملية أو بالواقع الراهن، الوقت ضائع فى نظام تعليمى فاشل، فيما قال آخر التعليم فى بلادنا هو مجرد وسيلة للحصول على شهادة، وينتهى بك الحال جالسًا فى المقاهى أو على أرصفة الشوارع دون عمل، وأعرب آلاف آخرون عن استياء مشابه إزاء وضع التعليم فى بلادهم، هذا الإحباط يعكس واقع الحال الذى يعيشه ملايين الشباب وهو أمر يمكن تغييره، بل يجب تغييره، وها هى الدولة المصرية أخذت على عاتقها تطوير منظومة التعليم للخروج من هذا المأزق واستعادة مكانتها القيادية فى التعليم والابتكار وإطلاق العنان لإمكاناتها وثروتها البشرية وإرساء مجتمعات مزدهرة تتبنى ثقافات العمل والتعايش.
لذا من الأهمية التأكيد على أن الطريق الى إعادة دور المدرسة التربوى والتعليمى يستلزم من أجهزة الدولة ضرورة القضاء التام على ظاهرة الدروس الخصوصية التى أسهمت فى نشر كل السلبيات التى أضرت بأخلاقيات المجتمع وباقتصاديات الدولة، فليس من المقبول أن ننادى بتطوير التعليم بينما الملايين من الطلاب لازالوا يتلقون دروسًا خصوصية فى أوكار تعف عنها الحيوانات تحت سمع وبصر أجهزة الحكم المحلى فى المدن والمحافظات، وليس من المعقول أن تنفق الدولة مئات المليارات من الجنيهات على تنشئة وتربية وتعليم الأجيال فيما بارونات الدروس الخصوصية يحشون عقول أبنائنا بما يقدمهم فريسة سهلة للانضواء فى براثن جماعات الإرهاب والتطرف أو فى أفضل الأحوال يشوهون جماجمهم بما يتنافى مع اخلاقيات المجتمع وقيمه، شتان بين ما تقدمه المدرسة من قدرة على التفكير والتعبير والإبداع وبين ما يقدمه أباطرة الدروس الخصوصية من حفظ وتلقين وتسطيح، الفرق هائل والمقاربة لا تجوز، العصر الذى نعيشه يستلزم إعداد أجيال أكثر وعيًا وأنضج عقلًا.