
سامح فايز
القائم بأعمال المرشد يحاول إحياء ما أسماه ملف المعتقلين وعودة الإخوان إلى المشهد السياسى
الإفراج عن المعتقلين فريضة بعد الصلاة والصوم .. ماذا يريد إبراهيم منير؟!
استكمالا للحديث عن مضامين اللقاء الذى أجراه القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير مؤخرا على قناة الحوار الإخوانية فى لندن، ظهر جليا من خلال مؤشرات مختلفة أن ما يحدث على الساحة الإخوانية الآن هو تدشين لمرحلة جديدة للجماعة تسعى من خلالها للعودة إلى المشهد السياسي، بعد تراجع تكتيكى يهدف إلى لم شمل الجماعة والحفاظ عليها من الاندثار!
فى حواره أبرز إبراهيم منير مسألة ملف المعتقلين، وقال بشكل لافت: إن ذلك الملف يأتى فى وجوبه عند الإخوان بعد الصلاة والصيام، والكلام نصا للقائم بأعمال المرشد والمذاع على جميع القنوات الفضائية الإخوانية، وأعاد تكراره أيضا المتحدث الرسمى باسم الجماعة أسامة سليمان:»ملف المعتقلين يأتى فى وجوبه لدى الجماعة بعد الصلاة والصيام»، والحديث ضمن مداخله على قناة الجزيرة مساء الأحد 17 أكتوبر الجاري!
يعود تنظيم الإخوان مرة أخرى للتلاعب بالألفاظ وتقديم سلمية وهمية، مصطنعة، للمجتمع الدولي، للضغط على مصر فى تقبل عودة الإخوان من جديد، بعد أن ردد التنظيم مرارا وتكرارا خلال الساعات الماضية أنه مستعد لتقديم أى تنازلات أيا كانت فى مقابل الإفراج عن المعتقلين والتخفيف عن ذويهم.
فى البداية من الضرورى أن نتحفظ على لفظة معتقلين، لأن جميع من فى السجون هم على ذمة قضايا متداولة أو تم الحكم فيها بالفعل، ضمن قضايا إرهاب هددت أمن الدولة المصرية خلال سبع سنوات عجاف على الأمن والهوية والثقافة المصرية!
لكن مع التسليم جدلا بمصطلحات الإخوان عن ملف المعتقلين، فالرفض من قبل النظام المصرى يعنى أمام المنظومة العالمية رفض للسلمية والتصالح. إلى جانب ذلك استطاع تنظيم الإخوان تمرير مسألة تقديم أى تنازلات للنظام المصرى أمام صفوف الإخوان فى مصر والعالم، التى تعتبر حكم الرئيسى السيسى غير شرعى من الأساس، إلى أنها فرض يأتى بعد الصلاة والصيام، وأنها مسألة من أجل التخفيف عن المعتقلين وعائلاتهم، وظهرت الجماعة كأنها تضحى من أجل عائلات الإخوان، كأن الصلح جاء رغما عنها، وتراجعا أمام القضية الأبرز لدى التنظيم، وهى أستاذية العالم!
وفى الساعات الأخيرة أيضا وجه تنظيم الإخوان تهديدات غير مباشرة للنظام المصرى والمجتمع الدولى أيضا؛ من خلال الإشارة إلى أن التنازل المقدم من الإخوان هو الفرصة الأخيرة من أجل تجنب عنف شباب الجماعة المنتظر، مسألة قالها القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير فى فضائية الحوار ورددها بعده المتحدث الرسمى للجماعة أسامة سليمان على فضائية الجزيرة، لافتين انتباه المجتمع الدولى إلى أن الشباب الثائر الذى احتواه التنظيم خلال سبع سنوات أصبح قاب قوسين أو أدنى من استخدام العنف أمام النظام المصري.
ولا أعرف أى دعوة للسلمية جاءت من قبل بعد تلويح بالعنف، إلى جانب أن شباب الإخوان مارسوا العنف بالفعل بعد عام 2013 واستمر حتى عام 2019، والذى انتهى بسبب الضربات الأمنية القوية للنظام المصري، وليس بسبب تراجع شباب الإخوان عن فكرة العنف. واستخدام العنف المسلح ضد النظام المصرى بعد عام 2013 أكده بشكل مباشر دون مواربة القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، فى مداخلة لقناة الجزيرة، سبتمبر من عام 2020، عندما قال إن بعض شباب الإخوان الغاضب مارس العنف بدافع وطني، فى إشارة إلى مجموعة محمد كمال عضو مكتب الإرشاد، أو الكماليون، والمسئول عنهم حاليا المتحدث الإعلامى السابق لوزارة الصحة فى حكومة الإخوان دكتور يحيى موسى، وهى شخصيات قدمتها الدراما المصرية فى الجزء الثانى من مسلسل الاختيار، ضمن وقائع حدثت بالفعل طبقا لحديث مرشد الإخوان نفسه، وليست مجرد خيال درامي، وقدم شخصية دكتور يحيى موسى الفنان تامر نبيل، وجسد شخصية عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، الفنان سامح الصريطي!
التصريح بممارسة الإخوان للعنف لم يقتصر على حديث القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، بل منشور أيضا منذ عام 2017 على موقع المعهد المصرى للدراسات، وهو مركز أبحاث تابع للتنظيم فى اسطنبول، نشر عدة أبحاث لعضو الجبهة السلفية أحمد فريد مولانا، رصد فيها بشكل واضح وكاشف ما نفذته تنظيمات إرهابية تابعة للإخوان، واصفا إياها بأنها مقاومة مسلحة للانقلاب العسكرى فى مصر، تلك الدراسات تناولت تنظيمات حسم، ولواء الثورة، والعقاب الثوري، وكتائب حلوان، وأنصار بيت المقدس، وأنصار الشريعة، ويستطيع أى قارئ أن يجرى بحثا سريعا على محرك البحث جوجل باسم فريد مولانا ملحقا بأى من تلك التنظيمات، إلى جانب أن المعهد مسئول عنه عضو تنظيم الإخوان عمرو دراج، أمين عام حزب الحرية والعدالة بمحافظة الجيزة السابق، ووزير التخطيط والتعاون الدولى فى حكومة الإخوان، عام 2012 – 2013.
للأسف الشديد يراهن الإخوان على ذاكرة السمك للعامة، والنخبة أيضا، وأن الجميع سينسى عدو الأمس. ويراهنون أيضا على مصطلحات فى ظاهرها إنسانية، مثل الحديث عن معتقلين (غير موجودين بالمرة)، والتخفيف عن عائلات المعتقلين، الهارب أغلبهم إلى دول قطر وتركيا ودول أوروبا بالفعل، وهم يعيشون الآن فى خيرات الغرب الكافر (من وجهة نظر التنظيم)، غير أن فقه الضرورة لدى الإخوان يستدعى التعامل مع ذلك الغرب فى الوقت الحالي، حتى يتمكن من الوصول إلى سدة الحكم مستقبلا فى تلك الدول، وهى مسألة مطروحة بالفعل فى كتابات غربية، تتحدث عن تناسل متزايد للجاليات المسلمة فى فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى، وأن ذلك التكاثر سيعطى غلبة للأصوات المسلمة فى المستقبل، وذكر كاتب فرنسى بشكل واضح أن استمرار ذلك الوضع يجعل من فرص وصول رئيس مسلم إلى سدة الحكم فى فرنسا عام 2050 مسألة متوقعة، وهى رؤية قدمها فى كتابه، (وهم صاغرون – حكايات عن أقباط مصر)، الروائى والمترجم عن الفرنسية عادل أسعد الميري، والكتاب صادر عن دار ميريت للنشر قبل عامين، وفيه قدم الميرى مشاهدات حية من زيارته الأخيرة إلى فرنسا عام 2019، وهى زيارة دورية يجريها كل عام طوال ثلاثة عقود، شاهد فيها التطور السريع للجاليات المسلمة الواقع أغلبها تحت سيطرة تنظيم الإخوان، الرافضون لأى اندماج داخل المجتمع الفرنسى رغم كل ما قدمته الدولة لهم، المنتفضون ضد مبادئ الجمهورية الفرنسية التى أعلنها ماكرون عام 2020، فى محاولة منه للحفاظ على علمانية الدولة الفرنسية ضد التوعل الإخواني!
المسألة أعقد من تصريح مقتضب واضح ومباشر عن ملف المعتقلين، فالجماعة حتى اللحظة تصفهم بالمعتقلين وليس المسجونين فى قضايا إرهاب اعترفت الجماعة نفسها بتنفيذها ضمن عمليات حسم ولواء الثورة، وفض اعتصام رابعة العدوية المسلح أغسطس 2013. أضف إلى ذلك أن الحديث عن تنازلات من الجماعة مقابل الإفراج عن المعتقلين، يعنى جلوس على طاولة التفاوض بين النظام المصرى وتنظيم إرهابي، طبقا لأحكام المحاكم المصرية، وبعض الدول العربية الأخرى، ودول أجنبية أيضا، مثل النمسا وبلجيكا وألمانيا.
فى النهاية يتضح أن الحقيقة الكاملة لم يقدمها التنظيم للميديا والإعلام، فقط اكتفى التنظيم بالحديث عن ملف المعتقلين، ثم التلويح أن عنف الشباب هو البديل، لكنهم لم يتحدثوا عن فرض سياسة الأمر الواقع على النظام المصري، من أجل قبول عودة الجماعة مرة أخرى، وفتح مؤسساتها للعمل من الجديد، وعودة أعضائها إلى وظائفهم، ومراكزهم، فى الهيئات والمؤسسات والجامعات، والإفراج عن الأموال المتحفظ عليها، رغم ثبوت تلطخها بدماء الجنود المصريين فى سيناء وغيرها، ثم انتظار صعود جديد للإخوان، ربما ينتهى بحكم مصر مرة أخرى، عن طريق ديمقراطية إخوانية مصطنعة، هى ديمقراطية المرة الواحدة، تأتى بهم للسلطة، ثم يغلقون الباب خلفهم دون رجعة!