الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 77

لغة الجينات 77

«يقينا».. ليس كل ما تتمناه قد يكون فيه سعادتك.. ويقينا ما قد تراه فى الظاهر خيرا كثيرا تقدمه لأحد.. فى الباطن قد لا يكون خيرا وما تقدمه قد يكون فيه النهاية..أو شرا مستترا.



«يقينا».. ما يسعد غيرك فى الظاهر ليس بالضرورة أن يسعدك والعكس.. سعادة صاحب الجينات الأصلية تأتى من التسليم بأن كل شيء هو فى مكانه الصحيح..وكل شئ سيأتى فى وقته الصحيح.

«يقينا».. صاحب الجينات الخبيثة يتكالب على الأشياء..صاحب الجينات الأصلية يترفع..يسلك طرقا ودروبا فى ظاهرها شر وباطنها خير كثير.. فيقينه لا شيء يتأخر ولا شيء يتقدم... قد يسلك طريقًا لم يختره، ولا يدرى كيف سلكه، ثم يجد فى نهايته ما كان يتمنى.

«يقينا».. لن يستمر ستر صاحب الجينات الخبيثة طويلا.. ينكشف الستر لأسباب واهية.. حتى لو فى الظاهر ظن صاحب الجينات الخبيثة أن الأمور استقرت ففى الباطن هناك تدابير أخرى.

«يقينا»..الكثير منا لا يعرفون «أمينة ذهنى».. هى سيدة عادية تتعب وتشقى تبيع الخضار لتربى حفيدتها الصغيرة.. فى الظاهر فقيرة بائسة.. وفى الباطن تمتلك عزة النفس وجينات أصلية تجعلها ترفض الصدقات.. لم تمد يدها يوما لأحد.. تكتفى بما تكسبه حلالا رغم عيشتها الصعبة.

«يقينا».. ظهرت أمينة ذهنى على الشاشة مرة واحدة فى حياتها.. وباطنا ظلت بطلة لفيلم طويل جدا ومؤثر فى كل من عرفها وكل من لم يعرفها.. فحلمها فى امتلاك فلوس كثيرة من عرقها وكدها وعملها وشقاها.. كان هو نفسه بداية نهاية حياتها بطريقة مأساوية.

«يقينا».. فى الظاهر أمينة ذهنى طارت من السعادة لامتلاكها مبلغا ضخما من شقاها وعملها.. وفى الباطن كان نفس المبلغ هو السبب فى قتلها بطريقة بشعة.. وإلقاء جسدها النحيل الضعيف من فوق جبل وتركها للضباع لتنهش لحمها فتضيع معالمها للأبد.

«يقينا».. فى الظاهر القاتل ظن أن الحكاية انتهت.. فهو لا يعرف من هذه السيدة.. وبعد جريمته بأيام عاد ليطمئن أن الجثة لم يكتشفها أحد فوجد الضياع أكلتها ولم يبق منها سوى ملابس ممزقة غارقة فى الدماء.. وفى الباطن استمر السر 27 عاما أو يزيد قبل أن يعترف هو نفسه بجريمته.

«يقينا».. الآن تريد أن تعرف من هى أمينة ذهنى وماذا حدث معها؟.. أمينة ذهنى هى «ستوتة» والدة فردوس محمد وحماة نجيب الريحانى فى فيلم سلامة فى خير والذى كتبه بديع خيرى عام 1937... ومثلما كان هذا الفيلم هو باب سعادتها.. شعورها أن الدنيا ضحكت لها.. فتحت ذراعيها لتحنو عليها وتطبطب على قلبها المرهق المتعب.. كان هو الطريق إلى مأساتها الغامضة والتى استمرت 27 عاما.

«يقينا»...لم يكن نجيب الريحانى يضمر لـ«ستوتة» شرا وهو يذهب إليها كل فترة يطمئن على جارته فى باب الشعرية حيث تربى وعاش.. يعرض مساعدتها وهى ترفض بعزة نفس أن تمد يدها... فقط فى كل مرة ذهب إليها كانت تطلب منه أن يربى حفيدتها الصغيرة إذا ماتت.. فى الظاهر نجيب الريحانى قدم لها عرض أن تمثل معه فى فيلمه الجديد.. طلب من بديع خيرى أن يضيف لها 4 مشاهد... وفى الباطن قدم لها 50 جنيها أجرا وهو مبلغ كبير جدا بمقاييس العام 1937 ولم يكن يحصل عليه إلا نجم كبير.. لم يكتفى الريحانى بذلك... أنهى تصوير مشاهدها سريعا وقال لها شكرا يا ست «أمينة» دورك انتهى.. وخرج معها إلى باب الأستديو بعد منتصف الليل..أوقف لها تاكسى وطلب منه أن يوصلها لباب الشعرية ودفع له حسابه.

«يقينا».. السائق لم يخطط لقتل العجوز النحيلة الضعيفة.. ففى الظاهر هو بائس آخر يعيش حياة بائسة.. لكن فى الباطن وكما بؤساء كثيرون يتوهمون أن سعادتهم هى فى خطف السعادة من بؤساء مثلهم... فبمجرد أن جلست ستوتة فى الكنبة الخلفية وتحرك السائق.. أخرجت الفلوس لتعدها بسعادة بالغة غير مصدقة أنها امتلكت هذا المبلغ الكبير الذى سيحل لها مشاكلها كلها دفعة واحدة.

«يقينا» فوجئ نجيب الريحانى بعدم وصول أمينة لمنزلها واختفائها تماما.. وظلت حادثة اختفائها لغزًا كبيرًا حير الوسط الفنى وجهاز الشرطة، وفى الباطن عمل الريحانى بوصيتها وتكفل بالصغيرة التى تركتها حتى تخرجت طبيبة وتزوجت وسافرت إلى ألمانيا وعاشت هناك.

فى الظاهر ظل كل شيء مستورا ونسى الجميع «ستوتة».. لا يتذكرها أحد إلا مع كل عرض لفيلم «سلامة فى خير».. وفى الباطن ظلت الست «أمينة» تطارد بديع خيرى فى أحلامه.. تأتى له باكية كل ليلة.

قى الظاهر السائق البلطجى عاش حياته وصرف الفلوس على المخدرات.. وفى الباطن ظلت «ستوتة» تطارده فى كوابيسه كل ليلة ويصحو مذعورا.. وبعد ٢٧ سنة البلطجى اتخانق مع جيرانه وقتل أب وابنه وتم الحكم عليه بالإعدام وصباح يوم الإعدام كان يبكى بكاء شديدا.. وطلب تسجيل اعترافه بقتل سيدة لا يعرفها.. قال إن الممثل نجيب الريحانى أو واحد شبهه ركبها معاه من أمام الاستديو..وشافها بتعد فلوس كتير فقرر سرقتها.. ذهب بها الى مكان مقطوع وقال لها العربية عطلت.. انزلى أركبك تاكسى تانى.. نزلت فضربها على رأسها وخنقها..وبعد أيام رجع يطمن أن الجثة لم يكتشفها أحد فوجد الضباع أكلتها ولم يبق منها سوى ملابس ممزقة... واعترف أن هذه السيدة ظلت تطارده فى أحلامه طول عمره.

ظابط حضر اعتراف البلطجى وكان صديقا لبديع خيرى ويعرف حكايته مع الست أمينة ذهب له وحكى له الحكاية.. بعدها بديع خيرى رآها فى حلم ترتدى فستانا أبيض ولها جناحات وتطير فى السماء سعيدة.. ولم يحلم بها ثانية.

ألم أقل لكم إن المستور لا يظل مستورا طويلا.. ألم أقل لكم أن كشف صاحب الجينات الخبيثة قادم لا محالة.

ألم اقل لكم إن ستر صاحب الجينات الخبيثة لن يستمر طويلا.. سينكشف لأسباب واهية.. حتى لو فى الظاهر ظن أن الأمور استقرت فى الباطن هناك تدابير أخرى.