بين الأنشطة الموسيقية للأطفال والمهارة اللغوية
المتتبع لنشأة الفنون يجد أن مصطلح الصناعة قد أشير به إليه، من حيث ما تنطوى عليه الصناعة من كونها فنًا أو حرفة مورست من قبل الإنسان حتى برع فيها بحسب المتداول فى المعاجم والقواميس. واللافت أن الفن والصناعة كليهما يشتركان فى كونهما يتحريان دقة العمل الفنى وإتقانه بشكل منضبط ومحكم فعلى سبيل المثال نجد المؤرخين ينظرون للموسيقى بوصفها أحد أنواع الصناعة؛ فهى تتمثل فى صناعة الألحان وتلحين الأشعار الموزونة لتقطيع الأصوات على نسب منتظمة ومعروفة. كما تم استخدام العرب المسلمين مصطلح الفنون للإشارة إلى أنواع العلوم المختلفة.
أما فيما يتصل بالتفكير فى فلسفة الفن وتاريخها، للوقوف على مكامن القوة ساعة أن كان فيها الفن موضوع دراسة للفلسفة ومباحثها. والتفكير الفلسفى فى الفن، هو تفكير يتمحور حول كيفية تكوين أى عمل فنى، والضوابط والمعايير الفنية المشتمل عليها.
وعليه تعد الموسيقى من أقدم الوسائل العلاجية التى لجأ إليها الإنسان للقضاء على بعض الأمراض، بدءًا من الإنسان البدائى الذى مثلت جانبًا مهمًا فى الاستعانة بها على طرد الأرواح الشريرة من الأجساد العليلة بحسب المعتقد السائد لديه. واستمر الاعتماد عليها فى شفاء الأمراض على مر العصور والحقب؛ وبخاصة إسهامها فى علاج المرض النفسى كبديل فعال للعقاقير الكيميائية. وقد انصب اهتمام المختصين بالأثر الذى تحدثه الفنون فى النهوض بالقدرات الذهنية والحركية والوجدانية للأطفال وتم اكتشاف صلة وثيقة بين التنشئة الفنية وإنماء القدرات العقلية للأطفال فالنشاط الموسيقى يساعد الطفل على التحلى بحزمة من الفوائد وقبل أن نلمح إليها نسوق للأنشطة الموسيقية مفهومًا ينطوى على كونها تعنى كل عمل موسيقى يستخدمه المعلم كوسيلة من وسائل تنمية مهارات الطفل من استماع وتذوق للموسيقى والغناء والعزف والقيام بالألعاب الموسيقية والتعليمية والقصص الموسيقية من خلال عناصر محددة وضعت وفق صيغ وقوالب فنية محددة: اللحن- الإيقاع-التوزيع الموسيقى (الهارمونى).
وتعد الموسيقى من أقرب الفنون إلى الطفل لتأثيرها الإيجابى عليه فمن خلالها يسهل عليه التعبير عن مكنون ذاته ومايكتنف وجدانه البكر.
ويؤدى القيام بالنشاط الموسيقى بما يمارسه الطفل من ألعاب مختلفة إلى إكسابه مهارات حركية وموسيقية وتمثيلية يعتمد فيها على التقليد والمحاكاة كطبيعة يتميز بها الطفل بفطرته،وأكثر ما يقوم بمحاكاته هو الكلام الدائر على ألسنة المحيطين به فينضاف إلى قاموسه اللغوى فترتفع حصيلته ويسهم فى ارتفاعها مايردده من أغانٍ وأناشيد ذات المقصد الاجتماعى ليتعلم كيفية التعامل مع ما يدور حوله فى مجتمعه بجانب المنحى الدينى الذى يوجهه إلى أدبيات السلوك الصحيح ابتغاء مرضاة الله والبعد عن المذموم منها.
واللافت هذه العلاقة الوثيقة بين فن الغناء واللغة؛ حيث يساعد ترديد الطفل للأغانى والأناشيد إلى رفع المهارات التى تسهم فى علاج بعض الأمراض التى تصيب جهاز النطق وتؤثر إيجابًا على تحسين مخارج الألفاظ وسلامة الكلام واختفاء عيوبه. إن للغة جرسًا كما للموسيقى،فاللغة تتميز بإيقاعها الذى تتحد فيه مع الألحان فيشكلان سويًا لغة جديدة محببة يشغف بها المستمع العادى فما بالنا بالطفل؟! فالطفل يعى بفطرته كنه اللغة فى كونها مجرد أصوات تتردد وإيقاعات فهو بعيد كل البعد عن استنباط ما تمثله اللغة فى جوهرها من معان ودلالات وأفكار،فعلاقة اللغة بالموسيقى علاقة تبادلية نجدها فيما ينطوى عليه الشعر من موسيقى مثلا؛وفن الغناء الذى يزاوج بين الكلمة والنغم.
إن الطفل فى حاجة منذ نعومة أظفاره إلى الدربة والمرانة على شتى أنواع التواصل التى تمده بمهارات تبنى شخصيته.لذا كثر النداء مؤخرًا من المختصين للاهتمام بجميع أنواع الأنشطة الفنية عامة والموسيقية بخاصة، واستغلالها كأحد طرائق الإصلاح اللغوى والتغلب على عيوب النطق جنبا إلى جنب مع تحقيق نجاحات ملموسة فى السيطرة على عدد من الأمراض النفسية والجسدية وبخاصة حالات الأطفال المعاقين عقليا أو من المصابين باضطراب التوحد فتوضع لهم خلفيات موسيقية مواكبة لما يؤدونه من أنشطة مختلفة أثناء تدريبهم.
للموسيقى سحرها الذى يجذب الطفل ويحفز جهازه الصوتى لمحاكاة ما تلتقطه أذنه من أصوات وتنشط لديه القدرة على حفظ الكلمات المغناة،كما يدفعه حبه لها على الارتباط بأصوات الطبيعة من حوله فيقلد أصوات الطيور والحيوانات وحفيف الشجر وغيرها. فالموسيقى هى لغة الطفل التى تتصدر معارفه ومنها تتوالى المعارف لديه.
وعلى الرغم من قيام بعض المؤسسات التعليمية فى التنبيه إلى هذه الأهمية الفائقة التى تحتلها الأنشطة الموسيقية من ربطها بالمهارات اللغوية؛ واعتمادها عددًا من الأبحاث والبرامج التى من شأنها تنمية بعض مهارات التواصل اللفظية والمهارات غير اللفظية بحسب الطفل السليم أو مريض التوحد للوقوف على مدى فاعلية هذه الأنشطة الموسيقية مع غيرها من الأنشطة فى تقديم توصيات علاجية ناجعة للقضاء على العيوب الخلقية لدى بعضهم وما يعانيه عدد منهم من اضطرابات نفسية وجسدية_ لكن مازال الطفل المصرى والعربى فى حاجة إلى المزيد من العناية به على جميع الأصعدة.
أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر