الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 84

لغة الجينات 84

النور والظلام، الحق والباطل، الجمال والقبح، كل واحد فينا لديه النقيضين، يعيش بهما، أصحاب الجينات الخبيثة بيتحكم فيهم الظلام والقبح والباطل، وأصحاب الجينات الأصلية بيعيشوا بالنور والجمال والحق.



اختياراتك وقراراتك هى التى تعلن عن جيناتك.. الجينات ليست قدرًا محتومًا.. سعيك للتغيير والتوافق والرضا عن ومع نفسك هو الطريق للتخلص من الجينات الخبيثة.

الأمر أشبه بمعركة حقيقية... تستسلم للجينات الخبيثة تتحكم فيك للأبد.. تقاوم وتسعى نحو النور والحق والعدل والخير، تنجو.

«الجينات الخبيثة « بتظهر فى تصرفات تبدو عادية جدًا.. الإساءة للآخرين، الكيل بمكيالين، التجريح فى ناس لا تستطيع الدفاع عن نفسها لأنهم رحلوا..ركوب الموجة واصطناع بطولات وهمية على حساب من لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.

تصرفات كثيرة فى الظاهر قد تمر مرور الكرام على الكثيرين.. لكن فى الباطن تكشف حقيقتك وزيفك وكذبك وادعاءك البطولة والشرف.

«الإساءة للآخرين».. هدفها فى الظاهر كسب الود، عقد مقارنة سريعة بينك وبين شخص تانى على أمل أن تظهرك أقوى وأفضل.. تبدو كأنك تسعى للخير والحق والعدل حتى لو جاءوا على حساب نفسك.. وفى الباطن ضعف ومهانة وقلة حيلة، سموم تبثها فتكشف ما فى داخلك من خواء ومذلة وعدم رضا بما وصلت إليه وبما أنت فيه لأنها جاءت كلها على باطل وزيف..

«الإساءة للآخرين» جينات خبيثة لأسافل الناس وأجهلهم، تكشف دناءتهم وحقارتهم، تكشف حقدهم الدفين.

«صاحب الجينات الأصلية» يقابل الإساءة بالإحسان، مساعدة الناس، اعتراف بالفضل لأهل الفضل، عرفان بالجميل، قيام بالواجب، صفاء، ووفاء.

«الاحسان» فى الظاهر يبدو ضعفًا.. وفى الباطن قوة، رأفة، كياسة، رحمة، احترام، طيبة حقيقية غير مصطنعة. 

«نقولا الترك « واحد من أصحاب الجينات الخبيثة.. يبيع نفسه وأهله وناسه لم يدفع أكثر..أساء للمصريين ومدح نابليون بونابرت على أمل الكثير من العطايا.

«نقولا» ليس مصريًا فهو من أصول قسطنطينية، فى الظاهر جاء من لبنان وعاش فى دمياط وقال إنه شاعر.. وكتب عدة قصائد.. وفى الباطن.. خواء روحه ودناءة نفسه صورت له أن مدح نابليون والإساءة للمصريين سترفعه درجات.

«نقولا» فى الظاهر عاش جياة عادية جدا وبدا اختياره لمدينة دمياط اختيارا عشوائيا أو جاء مصادفة.. وفى الباطن كان الاختيار مدروسا بدقة فهى أفضل المواقع لمراقبة ما سوف تسفر عنه الحملة الفرنسية على مصر.. فالرجل جاسوس مكلف من الأمير بشير الشهابى للتواصل مع الفرنسيين والاتفاق معهم لإزاحة أحمد باشا الجزار والى عكا.

«الجاسوس نقولا» سجل اسمه فى التاريخ كأول خائن يمدح المحتل الفرنسى بقصيدة شعر مجد فيها نابليون وانتصاره وسخر من المصريين وهزيمتهم.. فعبر 30 بيت شعر كال المديج والتمجيد لنابليون والفرنسيين وأسهب فى الشماتة بالمصريين، ليسجل موقفًا من مواقف «العار الأدبى» كما يقول الكاتب رجاء النقاش.. والذى وصف قصيدته بالركيكة.

«نقولا» بينما كان المصريون يقاومون الغزاة الفرنسيين ويموتون دفاعا عن أرضهم، كان هو يقدم كل غالٍ وثمين من أجل الحصول على رضاء المستعمر الجديد، متصورا أن نابليون سيستقر فى مصر والشرق العربى، وأنه سيحكم هذه البلاد إلى الأبد.

«نقولا» فى الظاهر عمل مترجما مع الفرنسيين وفى الباطن، كان كاتبا مرتزقا، لم يترك فرصة للتقليل فيها من شأن المصريين إلا واستغلها أملا فى المزيد من المناصب والمكاسب.. يبحث عن المال والثروة والنفوذ.

فى الظاهر احتفى الفرنسيون بقصيدة «نقولا» التى مجد فيها نابليون، وترجموها إلى الفرنسية، ونشرتها جريدة الحملة فى مصر فى عددها الثانى الصادر سنة 1800، وقالت إن القصيدة لشاعر من بيروت هو نقولا الترك بن يوسف الاسطنبولي.. وفى الباطن كان الهدف استمالة آخرين للخيانة ودعم الحملة الفرنسية والعمل معهم كجواسيس وهو مالاقى آذانا لدى البعض منهم الجنرال يعقوب والذى انضم للفرنسيين وأذاق المصريين ألوانا من العذاب وهو يجمع الضرائب فى الصعيد وحول مسكنة فى القاهرة لسكنة عسكرية وشارك فى عقاب من قاموا بثورة القاهرة الثانية.. ومنهم أيضا «بارثلميو ينى الرومى» الذى قاد فيلقاً من الأروام لدعم الاحتلال الفرنسى لمصر، واشتهر لدى العامة بـ»فرط الرمان» لشدة احمرار وجهه- والذى لم يملك المؤرخ الفرنسى «بريجون» إلا أن يصفه بأنه وحشٌ آدمى، فى حين وصفه الجبرتى بأنه من أسافل الأروام المقيمين فى مصر.

قصيدة « نقولا « ولأنها كانت هى القصيدة العربية الوحيدة التى قيلت فى نابليون والحملة الفرنسية، اعتبرها مترجمها إلى الفرنسية «ج. ج. مارسيل» عملاً مهمًا، وقال فى مقدمته للترجمة: «كان العرب القدماء يفتخرون بالانتصارات الحربية وكرم الضيافة والمواهب الأدبية لا سيما موهبة التفوق فى نظم الشعر الذى اتخذوه أداة للتفاخر بأنسابهم وشجاعتهم فى الحرب وانتصاراتها فى ميادينها، كما جعلوه تعبيرًا عن أنسابهم وقبائلهم واعتزازهم بإكرام الضيف وإغاثة الملهوف، وكان العرب القدامى يعقدون ندوات كسوق عكاظ وغيرها لإلقاء روائع قصائدهم على المحكمين وتلقى الجوائز عليهم».

«المصريون» فى الظاهر لم يهتموا بنقولا و«بارثلميو ينى الرومي» و«الجنرال يعقوب» وفى الباطن لم ينسوا لهم مافعلوه، أصروا على المقاومة للنهاية حتى طردوا الفرنسيين بعد 3 سنوات احتلال.. ومه خروجهم تيقن الخونة الثلاثة أن لاعيش لهم فى مصر.. عاد نقولا إلى «دير القمر»، وأخذ ينظم شعرا قميئا رديئا مثل جناته الخبيثة حتى فقد بصره ومات وعمره 65 عاما.

«أما المعلم يعقوب» ففضل الذهاب إلى فرنسا على نفس الباخرة التى ستقل الفرنسيين، حمل أمواله ومعاونيه معه، وبعد يومين من إبحار السفينة أصابته الحمى ومات فى عرض البحر واختلفت الروايات فمنهم من قالو إنهم ألقوه فى البحر ومنهم من قال إنهم حفظوا جثته فى برميل خمر ودفنوه حسب وصيته بجوار صديقه الفرنسى «الجنرال ديسيه» والذى كان قد غادر مصر فى عهد كليبر مع بونابرت لينضم إليه فى حربه مع النمساويين وهناك لقى مصرعه، فلما وصل إلى يعقوب هذا الخبر حزن وكتب إلى الجنرال «مينو» يعرض عليه دفع ثلث تكاليف النصب التذكارى المزمع إقامته تخليدا لذكراه.

«برتلميو» أو فرط الرمان أيضًا خرجوا من ذاكرة التاريخ مع خروج الحملة الفرنسية بعض المؤرخين قالوا إنه خرج مع الفرنسيين وبعضهم قال إنه هرب على الشام.. والأغلبية تقول إنه قتل على يد بعض القادة الفرنسيين عندما طلب منهم الحماية وأن يصطجبوه معهم.