باسم توفيق
برسى ويندهام.. فيلسوف الرسم الإنجليزى
(اعطنى الريشة أيها الملاك الصغير ودعنى أبحر بعيونى فى تضاعيف الدومات اللونية التى تشكل هذا الجسد المسجى.. لعلك أستخدمته مرارًا ليكون قناعًا لهذه الروح).
هذه الشذرة الصغيرة لرائد الحداثة فى الشعر الإنجليزى إزرا باوند كان قد كتبها ليصف بها إحدى لوحات فيلسوف الرسم الإنجليزى برسى وايندهام لويز فإذا أردنا أن نستكشف بعضًا من عوالم ويندهام علينا أن نحلل هذه الشذرة التى تحمل مفاتيح كثيرة لفك شفرات هذا الفنان الكبير.
فى المقدمة ربما يجب أن نلفت النظر لعلاقة ويندهام بالفلسفة ما جعل العديد من النقاد يطلقون عليه (فيلسوف الرسم الإنجليزى) حيث نرى تأثر ويندهام الكبير بنيتشة لكن على عكس ما يذكر بعض النقاد أنه تأثر بهنرى برجسون فهذا غير صحيح لأن هناك فرقًا كبيرًا بين برجماتية برجسون ونظرة ويندهام من ناحية تطوير الفن كما أنه من غير الممكن أن يكون قد تأثر ببرجسون إذا كان برجسون نفسه قد وجه نقدا لاذعا لأعمال ويندهام فى مرحلة لاحقة من ثلاثينيات القرن العشرين.
لكن ما يؤكد أن ويندهام لم يكن فنانا تشكيليا فقط وكانت له وجهة نظر فلسفية بل ورؤى ذاتية خالصة أن ويندهام كانت له أعماله الأدبية والفكرية الخاصة بها على الرغم من شططها أحيانا إلا أنها تعبر عن ذاتية خصوصية ما يكتب.
تعتبر شخصية ويندهام من أكثر الشخصيات التى تحتاج لدراسة نفسية مستقلة عن أعماله الفنية رغم أن أعماله الفنية تعتبر مرآة سهلة وجلية لاستشراف أفكاره إلا أن انقطاعه عن ممارسة الرسم لمدة قد تصل لعقد من الزمان قد باعدت بشكل ما بين أعماله الفنية وقناعته الفكرية نوعا ما.
إن ويندهام لويس تلك الفنان النصف أمريكى والذى تربى وتربع فى إنجلترا فى أواخر القرن الـ19 وبدايات القرن العشرين كان حبة للفن طاغيا فدرس فى باريس ولندن وكان من مؤسسى أهم حركات الحداثة فى إنجلترا وهى حركة (الفورتكزم) أى الدائرية والتى يعتبر البعض أنها نشأت تأثرا بالتكعيبية الباريسية التى أسسها بابلو بيكاسو بل أحيانا يؤكد بعض النقاد مثل بيل رايان أنها إحدى فروع التكعبية ومع أنها كحركة فنية لم تعش طويلا بشكل فعلى لكنها أثرت بشكل ما فى كل مدارس الفن التشكيلى الإنجليزى التى انتهجت فكر المستقبلية فى الفن التشكيلى.
كان ويندهام صاحب رؤى خاصة فى الفن التشكيلى كما قلنا وبعد أن أنتج العديد من الأعمال على نهج مدرسة الدائرية إلا أنه أيضا كان يقوم بأعمال تتسم بسمات كلاسيكية من آن لآخر مثل مجموعة البورتريهات التى كان يرسمها من لأشخاص بعينهم والتى تجلت فيها جذور مدرسة البورترية الإنجليزى.
فى عشرينيات القرن العشرين وبعد أن خدم ويندهام فى الحرب العالمية الأولى على الجبهة الإنجليزية والكندية حيث أختير بجدارة ليكون رسام الحرب رسميا من قبل الجبهتين وقام بأعمال عن الحرب ذاع صيتها فيما بعد مثل لوحة (معركة يبرس الثالثة) والتى تجلى فيها تلك الإيحاء برعب الحرب وسوداويتها.
على ما يبدوا أن تأثر ويندهام بالحرب كان شديدا حتى أنه بدأ فى كتابة مجموعة من الأعمال التى عالجت الحرب والسياسة فى وقته والتى ربما أثارت جدلا على مستوى واسع وخصوصا تلك العملين الذى كتبهم عن الزعيم الألمانى أودلف هتلر فبعد أن أصدر كتابه (هتلر رجل السلام) فى بداية الثلاثينيات صعد نجم هتلر وتولى زمام قيادة الرايخ الألمانى فأصدر كتابه (عبادة هتلر)، وهذان العملان جعلا منه هدفا لنقد الشيوعيين والمناهضين للفاشية والنازية بل جعلت منها أحيانا هدفا لبعض ردود الفعل العنيفة لكن على أى حال فإن قناعة ويندهام بأنه رجل فى أقصى اليمين الأرثوذوكسى أدت لأن يظل على رأية حتى بداية الحرب العالمية الثانية.
من وجهة نظرنا الشخصية يعتبر ويندهام أيضًا من الذين كانت لهم خطوات تطويرية فى مسألة التشخيص التشكيلى ففى معرضة الشهير (تايورز) أى الحمقى أو البدائيين أو السذج أذا شئت التدقيق فى هذا المعرض قدم تناول كوميدى وكاريكاتيرى جديد فى قضية البورتريه فهو قد تخيل أشخاص بعينهم فى انماط مفرطة السذاجة والبساطة حتى أنه رسم لنفسة بورتريه كأحد هؤلاء الشخصيات وهذه الطريقة استهوت فيما بعد عظماء الرسم الصحفى والكاريكاتير فى إنجلترا والعالم.
يعتبر ويندهام عالما خاصًا من الفكر والثقافة غزير فى أعماله من هنا فإن إلقاء الضوء عليه بطل مكثف وعرضى من المستحيل لكننا أيضا نقول إن هذا الفنان الإنجليزى الذى ولد عام 1882 ومات عامل 1957 كان بحد ذاته حقبة ثرية ومتلونة من الفن التشكيلى والفكر الغربى.