الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
لغة الجينات 85

لغة الجينات 85

فيه مواقف لو ما اتحركتش فيها وأخدت خطوة، هتفضل طول عمرك تندم.. وفيه ناس بتحركها جيناتها الأصلية دائمًا حتى لو التحرك ده هيكون فيه نهايتهم.



«أصحاب الجينات الأصلية» يعلمون أن الدفاع عن الوطن شرف وفرصة لا ينالها إلا القليل أو ذوو الحظ العظيم، الشهيد طيار أحمد عصمت واحد من أصحاب الجينات الأصلية ممن قدموا حياتهم فداءً لوطنهم.

الشهيد أحمد عصمت فى الظاهر اسم شارع كبير ومهم فى منطقة عين شمس.. وفى الباطن قصة نضال حقيقى بتظهر معدن هذا الشعب الذى ظل صامدًا فى وجه الكثير والكثير من الأحداث.

«الشهيد أحمد عصمت» فى الظاهر شاب مدلل ثرى يعيش مع والده الثرى والذى يعمل وكيل مديرية بنى سويف حياة رائعة.. درس فى الجزويت والتحق بالجامعة الأمريكية عام 1940 يمارس لعبة التنس مع أولاد الذوات، وأخير يعمل طيارًا فى شركة مصر للطيران.... وفى الباطن روحه التواقة للحرية ودفاعه عن أهل بلده وناسه يجعله يترك كل ذلك ويقرر أن ينضم للفدائيين فى القنال.

قرار غريب من شاب لاينقصه شىء.. متزوج ولديه 3 أطفال ومستقر فى حياته العملية كطيار.. قرار جعل الجميع يحاول إثناءه عن الخطوة التى سيدفع ثمنها حياته لا محالة.

«الشهيد أحمد عصمت» وقتها أصر على الانضمام للفدائيين والدفاع عن الوطن.. فهو ليس أقل من ضباط وجنود الشرطة ممن يدافعون عن الإسماعيلية فى العام 1952 بصدر عارٍ.

«الشهيد أحمد عصمت» كتب وصيته وسلمها لصديقه ونسيبه طالبًا منه أن يفتحها إذا استشهد.. وجاء فيها :«إن حبى لوطنى مصر هو الذى حبب إلى مقاومة المستعمر الغاصب البغيض فقد ذهبت إليهم غير منتمى إلى هيئة أو جماعة وذهبت إليهم بدافع إلهى وإيمان قوى وذهبت إليهم مسرورًا فرحًا وكأنى ذاهب إلى رحلة صيد مثل الرحلات الطيبة التى كنا نقوم بها فإن مت فأعلن إلى كل مصرى أنى شاب ولى ثلاثة أطفال وأبى وأمى وزوجتى وأخوتى ومع ذلك فقد ضحيت بنفسى ليعيشوا هم أحرارًا فى بلدهم، فالحرية لا تمنح ولكن تؤخذ بأعز التضحيات، فإلى اللقاء فى كلتا الحالتين إن مت أو عدت».. وبعد أن ترك الوصية لصهره انصرف وذهب بسيارته.

«الشهيد أحمد عصمت فى الظاهر كان يمكنه أن يشارك فى تسليح الفدائيين بالقناة بإمدادهم بالمال ويظل بعيدًا هو فى القاهرة.. لكن فى الباطن كان يعلم أن هناك خطوات إذا لم تأخذها ستظل تندم عليها للأبد.... لم تتحمل روحه الحالمة بالحرية أن يظل بعيدًا وهو يسمع عن مجاز الإنجليز البشعة ضد الفدائيين المصريين فى يومى 12و13 يناير 1952 فى منطقة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية.. فوقتها كل يوم يستشهد عدد كبير من بينهم الطالب أحمد فهمى المنسى بكلية الطب وعمر شاهين بكلية الآداب.

«الشهيد أحمد عصمت» تطوع بنفسه لمواجهة المحتلين.. ودع زوجته السيدة فردوس عباس الهراوى وأولاده الصغار فاطمة الزهراء وبهى الدين وأحمد وذهب إلى منطقة القتال فى التل الكبير حيث المقاومة وشرف الدفاع عن الوطن.

«الشهيد أحمد عصمت كتب اسمه بحروف من نور إلى جوار شهداء الشرطة فى 25 يناير بالإسماعيلية ،القيادة السرية للفدائيين.. ففى هذه الفترة.. كانت الخسائر البريطانية نتيجة العمليات الفدائية فادحة.. معسكرات ذخيرة سرقت ومعسكرات تفجرت.. وضباط إنجليز تم اختطافهم.. وشغل احترافى عالٍ جدًا.. أوجع القيادة البريطانية.

زاد على كل ذلك أن الحكومة المصرية فتحت الباب للعمال اللى بيشتغلوا فى خدمة القوات البريطانية إنهم يسيبوا الشغل... و يلتحقوا بالعمل لدى الحكومة المصرية بأجٍر المثل.. ووقتها سجل أكثر من 91 ألف عامل اسمه.. فى الفترة من 16 أكتوبر 1951 وحتى 30 من نوفمبر 1951.. يعنى فى شهر ونصف فقط.

«الشهيد أحمد عصمت» سجل اسمه بجوار الخالدين من شهداء الجمعة 25 يناير 1952.. الأبطال الذين رفضوا تسليم أسلحتهم ومبنى محافظة السويس وقرروا وهم 130 ضباطًا وجنديًا يحملون أسلحة خفيفة التصدى لـ 7000 جندى إنجليزى بكامل أسلحتهم ودباباتهم.

وقتها استدعى القائد البريطانى بمنطقة القناة البريجادير «كينيث أكسهام «، ضابط الاتصال المصرى المقدم «شريف العبد».. وسلمه إنذارًا بأن تسلّم قوات البوليس المصرى بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وتجلو عن دار المحافظة والثكنات، وترحل عن منطقة القناة كلها.. وتنسحب للقاهرة.

الأبطال وقتها رفضوا الإنذار وقرروا الدفاع عن وطنهم لآخر نقطة دم..اتفقوا على إنهم مش حايستسلموا ولا يسيبوا سلاحهم.. حتى لو كان الثمن هو الموت.

وقف الأبطال للنهاية حتى انتهت خيرتهم..وعندما دكت الدبابات الإنجليزية مبنى المحافظة لم يستسلموا فضلوا الشهادة على العيش بمهانة.

بعد ساعتين من القتال المستمر تنفد ذخيرة القوة المصرية.. ويدخل الجنود البريطانيون ويفاجأوا بخمسين شهيدًا و 80 جريحًا.. كلهم فى مواقعهم.. حاضنين أسلحتهم ففيها شرفهم حتى لو كانت بلا ذخيرة.

وعندما خرج الجرحى وخلفهم طابور جثث الأبطال.. قدم لهم البريجادير «كينيث إكسهام» تحية عسكرية ويأمر جنوده بتحيتهم.. قائلا : «لقد قاتل هؤلاء الرجال بشرف.. و قضوا نحبهم بشرف.. ووجب علينا جميعًا احترامهم».

وفى صباح يوم 14 يناير عام 1952 ،كان الموعد ليكون الشهيد البطل أحمد عصمت واحدًا من هؤلاء الأبطال الأفذاذ.. كان الشهيد فى طريقه من الإسماعيلية إلى بورسعيد واستوقفته دورية إنجليزية فى التل الكبير بهدف تفتيش سيارته ضمن حملة مكثفة لوقف الإمدادات والعتاد إلى الفدائيين ورفض أحمد عصمت النزول للتفتيش.

تصاعد النقاش بين البطل أحمد عصمت وأفراد نقطة التفتيش.. وفوجئ الجميع بأحمد عصمت يخرج مسدسه وأطلق النار على قائد نقطة التفتيش الإنجليزى فأرداه  قتيلًا، ثم أطلق النار على حارسه فأرداه قتيلًا هو الآخر فى نفس اللحظة ، فأطلق باقى أفراد نقطة التفتيش النار على جسد ورأس الشهيد ،فاستشهد على الفور.