الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 93

لغة الجينات 93

الهروب والمواجهة... ظاهر وباطن.. وجهان لعملة واحدة.. وجه لا يعرفه إلا أصحاب الجينات الأصلية والثانى يحتكره أصحاب الجينات الخبيثة.. الهروب من المسئولية... إدمان.. مزاج.. كيف بيتحكم فى أصحاب الجينات الخبيثة..  فى الظاهر بياخدوا كل المزايا.. وجاهة المنصب.. فلوسه الكتيرة.. وضعه الاجتماعى المتميز.. ما بيتحملوش المسئولية وبيهربوا منها وبيرموا الأخطاء على اللى تحت إيديهم.



 “صاحب الجينات الخبيثة” فى الظاهر بيبان محرك الأحداث.. متواجد فى بؤرة الضوء.. وفى الباطن.. مدمن تبريرات.. راعى رسمى لمنظومة القيم المتخلفة.. موهوب فى التنصل من المسئولية والهروب منها.. بيحتمى ببيئة تشجع على التخلف وعدم التفكير.. بيترعب من أى جديد أو تطوير أو رؤية مختلفة... يفتقر للإرادة، ولا يجد نفسه فى العمل والإنتاج والتطور، بل على العكس يجد نفسه فى الخمول والكسل والتشتت فى مساحة الفراغ الواسعة التى يتسكع فيها.

“أصحاب الجينات الأصلية “ أصحاب همم بيخوضوا معركة الحياة بصدق.. مابيدوروش على أعذار ولا بيختلقوا أسباب للهروب من المسئولية.. روضوا أنفسهم على النهوض بواجباتهم.. مابيترددوش فى الاعتراف بخطئهم واستعدادهم لتحمل المسئولية... مابيعرفوش غير  الالتزام والجهد والجدية... مهما كانت المغريات لايتراجعون عن مواقفهم.. ثابتين على مبادئهم..

“الشيخ عبدالباسط عبدالصمد” واحد من أصحاب الجينات الأصلية الذين تعرضوا لإغراءات لاحصر لها.. لكن الرجل ظل على وقاره.. ظل متمسكًا بمبادئه.. منذ صغره ونفسه تواقه إلى العمل والاجتهاد.. حفظ القرآن عندما كان عمره 6 سنوات، ذهب إلى كتاب الشيخ الأمير فى مركز أرمنت فرحب به الشيخ، لأنه رأى فيه كل المواصفات التى تؤهله ليكون قارئ قرآن بشكل جيد، لاحظ شيخه أن تلميذه موهوب وله موهبة متميزة فى سرعة الحفظ وتركيزه واهتمامه بمتابعة الشيخ بحب وشغف، مع الدقة ونطق مخارج الألفاظ بشكل صحيح.

وكان بعد عودته إلى بيته يرتل ما سمعه من شيخه بصوت قوى ومتميز بأداء جيد يجذب كل من يستمع إليه.

الشيخ عبدالباسط لم يتردد فى حمل المسئولية منذ صغره.. فى العاشرة من عمره طلب من والده الذى كان يعمل موظفًا فى المواصلات أن يتعلم القراءات، وأن يذهب إلى طنطا لكى يدرس القراءات وعلوم القرآن ،لم يخش الغربة أو بعد  المسافة بين أرمنت وطنطا فقد  كان مستعداً للسفر لأن الأمر كان يتعلق بمستقبله.

“تحمل المسئولية” وعدم التردد  ظلا طريق الشيخ عبدالباسط طوال عمره.. ففى عام 1950 جاءت نقطة التحول فى حياته وتحديدًا فى مولد السيدة زينب، حيث ذهب إلى القاهرة ليحتفل بالمولد وهناك كان يحييه العديد من المشايخ الكبار، وفى آخر ليالى المولد تعب القراء الكبار من التلاوة فدعا البعض الشيخ عبدالباسط حتى يتلو القرآن فى وقت استراحتهم، لم يتردد وتصدر المشهد وتحمل المسئولية وجلس ليقرأ سورة الأحزاب، انتهى عبدالباسط من التلاوة وقت الفجر وكان المسجد قد امتلأ بالناس وضاق بهم.

خرج الشيخ عبدالباسط من المسجد فى الصباح وفى يديه أكثر من عقد لإحياء الليالى، وقتها أخذ قرارا شجاعا آخر.. قرر أن يترك الصعيد ويستقر فى القاهرة.

اشتهر الشيخ عبد الباسط عبد الصمد كأحد أهم قراء القرآن الكريم فى العالم العربى والإسلامي، وبسبب هذه الشهرة والشعبية الجارفة أطلق عليه الكاتب الصحفى الكبير أحمد رجب لقب “عبدالباسط براندو” لقرب الشبه بينه وبين الممثل العالمى مارلون براندو.

وقال عنه أحمد رجب فى مقال نشره فى مجلة الجيل، إن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد معبود النساء الجديد فى مصر.. وأنه شديد الشبه بمارلون براندو معبود النساء فى العالم شكلًا وموضوعًا... وبعدها كثرت الحكايات عن الخطابات الغرامية التى تصل للشيخ وعروض التمثيل التى تنهال عليه.. وحكاية عن سيدة حلبية جاءت من سوريا لترى الشيخ وطاردته حتى فى بيته .. كل ذلك لم يشغل الشيخ عبدالباسط عبدالصمد عن الاستمرار فى طريقه .. لم يتخل عن مسئولية القراءة والالتزام بوعوده وتعهداته .. بالعكس تجاهل كل ذلك وكلما سأله أحد عن المعجبات رد بالاستغفار.

شهرة الشيخ عبدالباسط وصلت لحد أن صنع له المصريين تماثيل صغيرة أطلقوا عليها الشيخ براندو وكانت تباع بقرش وانتشرت فى الأسواق وكان ينادى عليها البائعون: الشيخ عبد الباسط براندو بقرش.. معبود الستات بقرش حتى نفدت تلك التماثيل.

وانهالت الرسائل الناعمة على الشيخ عبدالباسط.. وكلها تلعن صناع التماثيل الذين شوهوا فتنة الشيخ عبد الباسط.. الأصلى! ومزق الشاب التقى الورع رسائل الجنس الناعم وهو يستغفر الله ويعوذ به من الشيطان والنساء!..

وإن كان فضول الشيخ عبدالباسط ـ بعد هذا كله ـ قد استبد به ليرى هذا التمثال حتى رآه فى مكتب صديق.. ولم يستطع أن يتمادى نفسه من الضحك.. ثم جلس يتأمله.. مستعيذًا بالله ومستغفرًا.

تماثيل عبدالباسط كانت تباع أيضًا فى سوريا، وحين سافر  الشيخ عبدالباسط إلى دمشق لإحياء إحدى الحفلات، كان يجد استقبالا حافلًا من النساء فى المطار، فحزن وقال مرافقوه وقتها إنه كان سيلغى الرحلة لو التزامه بتعهداته وعقوده التى وقعها للقراءة وحتى لا يحرم أهل سوريا من صوته…

اعلم أن الهروب والمواجهة نقيضان يعكسان حالة الإنسان مع نفسه، فالإنسان الواثق من نفسه يتجه تلقائيًا إلى مواجهة الواقع بحلوه ومره ومواجهة الحياة بكل ما فيها من مواقف وأحداث.. بينما الإنسان المتردد.. ضعيف الشخصية الجبان الخجول وغير الواثق من نفسه يلجأ دائمًا  للهروب من المسئولية..