الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
«كلنا مرضى نفسيين»

«كلنا مرضى نفسيين»

الحياة ليست وردية دائمًا، ولا يمكن أن تكون كذلك، ولكن الإنسان خُلق ليحارب الصعاب ويتغلب عليها، ورغم فشله فى كثير من الأحيان، فيجب أن يعلم كيف يحاول من جديد أن يكون متمسكًا بالأمل فى التغيير، ورغم العزيمة القوية وقصص النجاح التى يحققها كثيرون، إلا أن البعض يستسلم لليأس ويقع ضحية لبراثن الاكتئاب الذى ينهش فى النفس ويمرض الجسد، فيكون الانتحار هو الحل الأسهل والأسلم، ولكنه الأقسى والأصعب نفسيًا للمجتمع وللآخرين.



أدهشنى تبرير البعض لما أقدمت عليه أم مصرية طاوعها قلبها الجاحد، وسولت لها نفسها بهتانًا وظلمًا، ولم تتردد يداها فى الإمساك بالسكين وذبح أطفالها الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و3 أشهر، فلذة كبدها، أغلى ما لديها فى الوجود، من الوريد إلى الوريد، تاركة رسالة لزوجها المكلوم وحاولت الانتحار، بحجة أنها مصابة باكتئاب ما بعد الولادة، فأى سبب يشفع لها جريمتها الشنعاء، هى تعتقد أنها بذلك حمتهم بقتلهم، ولكنها تسببت بفعلتها البشعة فى أذى نفسى ودمار معنوى للمجتمع بأكلمه قد تظل آثار ندباته عالقة فى الروح لم ولن تختفى آثارها حتى مع مرور الوقت. 

يرى علماء النفس أن وراء كل منتحر أهل لا ينتبهون لهم، ولا يعلمون كيفية احتوائهم كما يجب، أو يضغطون عليهم وقد يكونون يعاملونهم بقسوة، وقد تبدو بعض حوادث الانتحار غريبة مجهولة السبب لثراء فاعليها أو ظاهر العلاقات الأسرية الطبيعية، أو عدم ظهور مقدمات من اكتئاب أو أزمات سابقة قبل الانتحار فيما يُعرف بالاكتئاب المبتسم، وكمبدأ علمى لا توجد ظاهرة وحيدة السبب.

 غياب الثقافة الدينية قد يساهم بشكل أو بآخر فى زيادة معدلات الانتحار، وأوجه أصابع الاتهام إلى الدراما والسوشيال ميديا وما تقدمه من عنف وتسويق لدراما الموت بكل أشكاله، ثم طرق تناول وطرح حوادث العنف والانتحار وفكرة الترند والشهرة، التى تسيطر على عقول الكثيرين لدرجة الهوس، وكذلك التهميش لبعض فئات المجتمع، كل هذا بالطبع قد يسهم فى زيادة الميول الانتحارية للشخص.

المانشتات والتقارير الإعلامية المثيرة عن حوادث ومحاولات الانتحار بطريقة ما، دون قصد وبلا وعي، تؤدى إلى زيادة معدلات الإقدام على الانتحار من ذوى الاستعداد الشخصى والميول الانتحارية، ولذلك فقد أوصت المنظمات الدولية المعنية بتوخى الحرص فى عرض ومعالجة هذه الحوادث بشكل لا يوحى بأن الانتحار كان الحل السحرى والراحة الأبدية، بل يجب عرض الانتحار كسلوك مُحرم وآثم وليس حلًا”.

وطالبت بعدم نشر الرسائل التى تركها المنتحر قبل وفاته لعدم تصدير التعاطف والأسى له ووضعه فى دور الضحية وإن كان بالفعل ضحية، “ما يحفّز الميول الانتحارية لدى المهيئين وحاملى الاستعداد الجينى والمحفّز البيئى”.

وللحدّ من حالات الانتحار المتزايدة بمعدل 800 ألف منتحر سنويًا، ووفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية، هناك منتحر كل 40 ثانية، وأكثر من 20 شخصًا حاولوا الانتحار ولم يتم، لا بد من نشر ثقافة الصحة النفسية ووعى طلب المساعدة النفسية، والتنويه المكثف لكل أشكال الدعم النفسي، كما يجب تعميم فكرة العيادة النفسية فى كل حى، فالمرض النفسى لا يقل خطورة عن المرض البدنى، وفى الوقت نفسه يختلف المرض النفسى عن المرض العقلى، فالأخير يستلزم الذهاب إلى المستشفى، والمرض النفسى ليس شتيمة ولا سبة.. يا عزيزى “كلنا مرضى نفسيين” ولكن بدرجات متفاوتة.