الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صانع البهجة

إعادة إحياء أعمال نجيب الريحانى المسرحية بالأبيض وأسود

«أريد مسرحا بطعم الفول والطعمية».. كان أحد آمال وأحلام الفنان الراحل نجيب الريحانى صاحب الريادة فى صناعة الكوميديا فى عصر مضى مع صديقه الراحل بديع خيري، اتخذ من هذا الأمل منهجا فى غزل أعماله المسرحية على اختلاف تنوعها حيث ترجم العديد من المسرحيات الفرنسية واستطاع بحرفة وذكاء شديد مع توءمه بديع خيري، أن ينسج منها أعمالا مصرية للغاية متلاحمة فى نسيج البيئة الشعبية فلا يمكن أن تشعر بأن هذا العمل او ذاك يقترب من ثقافة أخرى غير أرض وتراب مصر، وبالتالى أسس ومازال قاعدة جماهيرية شعبية كبيرة رغم تعاقب الأجيال وتفاوتها فى مدى الإطلاع على أعماله ونوع الكوميديا الخاص به.



مازال يحبه ويتذكره الكبار، ويتحسس خطاه ويتعقب أثره جيل الشباب الذى لم يعهد الإطلاع على تراث السينما والمسرح المصري، فى عرض «صانع البهجة» لمس المخرج المسرحى ناصر عبد المنعم حالة الحنين إلى الماضى ولهذا النوع الفخم من الكوميديا الشعبية، مزج فى عمله المسرحى بين استعراض بعض المشاهد من مسرحيات الريحانى من شخصية «كشكش بك»، «عسل وطحينة»، «استنى بختك»، و»جنان فى جنان»، فى اسكتشات متفرقة قدم عبد المنعم أجزاء من هذا التراث الفنى العظيم لمسرح نجيب الريحانى الذى لم نطلع عليه لعدم وجود نسخ مصورة من هذه الأعمال.

وفى أحد مشاهد تلك العروض يأتى مشهد ضياع «الأسورة» وبحث الفتاة «بنانة» عنها لرجل جاء للبحث عن عمل وهو ما يذكرنا جميعا بمشهد فيلم «غزل البنات» مع ليلى مراد وبحثها عن اسورتها الضائعة واتهام الأستاذ حمام بها، عن هذا التشابه وتلك المفارقة تبين أن الريحانى وبديع خيرى كانا يستعينان بنفس المواقف الدرامية أحيانا ويتم تبادلها بين المسرحيات والأفلام بإعادة صياغتها فنيا حتى تناسب الموقف سواء فى العمل المسرحى أو السينمائي، وعلى ذكر هذا الموقف أكد المخرج ناصر عبد المنعم أنه اثناء بحثه قرأ أن الفنانة ليلى مراد جمعتها مصادفة بالفنان نجيب الريحانى فى مصعد العمارة، وقالت له إنها تتمنى العمل معه فوافق فورا لكنه اشترط أن يكتب السيناريو والحوار بديع خيرى وليس أنور وجدى كان هذا شرطه الوحيد حتى ينسجان معا من ابداعهما ما اعتادا عليه فى المسرح وبالتالى تتماس بعض مشاهد السينما مع أعمالهما المسرحية بشكل كبير لكن بطعم ومذاق مختلف.

كما كان يراقب الريحانى سلوكيات الناس بالحارة الشعبية ويستعين بانماطهم السلوكية لتقديم أشكال متنوعة يصنع من خلالها كوميديا تعبر عن واقع المجتمع المصري، وذلك على حد قول الناقد على الراعى الذى أكد أن الريحانى اتخذ من «الردح» نمطا صنع منه كوميديا بأعماله الفنية وهو ما قدمه العرض المسرحى الذى قدم فى مشهد جماعى بين نساء قررن زجر وتوبيخ رجل شامى وآخر مصرى بعد أن سكبت إحداهن المياه عليه عن طريق الخطأ، ثم تبادل العرض فى مشاهد جماعية منسجمة ومتلاحمة بين الرجال والنساء تقديم مشاهد متفرقة من عروضه المسرحية، تبادل فيه الرجال دور الريحانى فى أكثر من موضع، بجانب تسجيل فيديو مع الجمهور المصرى فى الشارع كنوع من استطلاع الرأى عن كوميديا الريحانى بين الناس واتضح أن الرجل مازال فى وجدان الجميع سواء كبار السن أو الصغار.

استخدم المخرج فى تصميم الملابس والديكور ألوان الأبيض والأسود حتى يخرج العرض وكأنه مستدعى من الذاكرة وكأنك تشاهد هذه الأعمال المسرحية مصورة بالأبيض وأسود لكن فى صورة حية على خشبة المسرح، حرص على هذا التقليد طوال العرض سواء فى خلفية خشبة المسرح والإستعانة بديكورات بنفس اللون أو فى تصميم الملابس وبالتالى خرج العرض كما أراد حتى يعيش الجمهور معه هذه اللحظة من استدعاء الذكريات لزمن الفن الجميل، حالة من البهجة والمرونة قدم بها ابطال العرض مقتطفات من أعمال الريحانى فى عذوبة وسلاسة وخفة حركة اتسم بها الجميع فى أداء شخصيات مسرحياته سواء فى مشاهدهم الجماعية او الثنائية أو الفردية كان على رأسهم محمود الزيات فى تقمصه لأكثر من شخصية بالعرض وكذلك سيد الرومى الذى قدم الريحانى فى أكثر من موضع وسامية عاطف وريم أحمد تمتعنا معا بخفة حركة وظل وحضور كبير، وكذلك خضر زنون ومحمد حسيب وهايدى بركات وأشرف عبد الفضيل فى دور المخرج، العرض مكياج إسلام عباس الذى اكتملت به صورة الأبيض واسود بالعرض وديكور محمد هاشم إضاءة عز حلمى وملابس سماح نبيل.

ولد نجيب الريحانى عام 1889 ألحقه والده بمدرسة الفرير لتعلم الللغة الفرنسية والتى أعانته فيما بعد على ترجمة أعمال موليير وغيرها من أعمال المسرح الفرنسي، التحق‏ ‏بوظيفة‏ ‏كاتب‏ ‏حسابات‏ ‏في‏ ‏البنك‏ ‏الزراعي‏، والتقي‏ ‏هناك‏ ‏الفنان‏ ‏ عزيز عيد، ‏وكان‏ ‏عيد‏ ‏أنهي‏ ‏دراسته‏ ‏ ‏  الفرنسية ‏ ‏علاوة‏ ‏علي‏ ‏أفكاره‏ ‏المتقدمة‏ ‏فكان‏ ‏معروفا‏ ‏في‏ ‏الأوساط‏  ‏الفنية‏ ‏في‏ ‏مصر‏، ‏وبسبب‏ ‏ميل‏ ‏نجيب‏ ‏الفطري‏ ‏إلي‏ ‏الفن‏ ‏وجد‏ ‏ضالته‏ ‏المنشودة‏ ‏في‏ ‏زميله‏ ‏عزيز‏ ‏عيد‏ ‏وانضم‏ ‏إلي‏ ‏فرقته‏ ‏واستيقظ‏ ‏الفن‏ ‏في‏ ‏عروقه‏ ‏وتفتحت‏ ‏الموهبة‏. ‏مما اضطره‏ ‏ ‏‏إلي‏ ‏السهر‏ ‏والتأخر‏ ‏في‏ ‏النوم‏، ‏والغياب‏ ‏عن‏ ‏العمل‏، ‏وكانت‏ ‏النتيجة‏ ‏أنه‏ ‏تم‏ ‏فصله‏ ‏من‏ ‏البنك‏، ابتدع الريحانى عام 1916 شخصية وثيقة الصلة بالواقع «كشكش بك» ذلك العمدة الريفى المحب للحياة وعاشق النساء الذى يفد إلى القاهرة ليقضى سهراته بدور اللهو منفقا أمواله على الحسان ثم يعود إلى قريته نادما تائبا. 

كان العرض الأول الذى قدمه بكازينو آبيه دى روز هو «تعاليلى يا بطة» ثم عروض «كشكش بك فى باريس»، «أحلام كشكش بك» كما قدم بدءا من 1917 بعض الأعمال الاستعراضية من بينها «أم أحمد»، أم بكير»، «حماتك بتحبك» كتب هذه النصوص مع أمين صدقى ثم كتب عروض الأوبريت والزجل مع بديع خيرى من كتاب «فرقة المسرح الكوميدى» للدكتور عمرو دوارة، من أعماله المسرحية «الجنية المصري»، «الدنيا لما تضحك»، «الستات ما يعرفوش يكذبوا»، «الدلوعة»، «لو كنت حليوة»، «الدنيا بتلف»، «حسن ومرقص وكوهين»، «وصية كشكش بك»، «الفلوس»، «لو كنت ملك»، «مجلس الأنس»، «قنصل الوز» وغيرها الكثير.