الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

قمة بمنتصف الطريق

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد…



أنا أب لطالب منقول العام القادم بمشيئة الله للصف الثالث الثانوى، أمتلك مشروعًا بأحد أهم الشوارع التجارية بوسط القاهرة، وحاصل على مؤهل فوق المتوسط، زوجتى ابنة عمى وجذورنا صعيدية.. مشكلتى أستاذ أحمد أن ابنى دخل طرفًا فيها رغمًا عنه، فهو متفوق دراسيًا، وملتزم دينًا وخلقًا - إلا أن والدته تُصر على إقحامه فى مقارنات مستمرة، مع أبناء أشقاءها وأشقائى بالصعيد، معظمهم متفوقون، تخرجوا من كليات قمة مثل الطب والهندسة، لكنها دأبت على خلق هذا الصراع المحموم بصفة مستمرة والضغط الرهيب عليه، كى يتفوق عليهم ويحقق أعلى الدرجات.. مع العلم أنه منذ التحق بالتعليم وهو يغلق غرفته على نفسه بالساعات - ليس من أجل التفوق كهدف - لكن إرضاءً لوالدته تحديدًا، ومحاولة إثبات اجتهاده بتجاوز أقاربها تعليميًا، الآن بلغ تلك المرحلة الفارقة وهى الشهادة الثانوية، ومنذ أن كان بالصف الأول وهو يكثف جهوده، يعود منهكًا بعد يوم دراسى طويل بالمدرسة ثم دروس  خصوصية “بالسناتر”، يتناول خلالها بعض وجباته السريعة بالقرب منها، ثم يرجع لغرفته أو “صومعته”،، رحلة طويلة من البحث عن الذات،، لا نخشى عليه من رفقاء السوء، لأنه بلا أصدقاء، كذلك لا نقطع عليه خلوته إلا لتقديم الطعام فقط، والخروج سريعًا مع بضع كلمات من التشجيع، يعجبنى فيه ذكاءه وفطنته لمكر بعض أبناء أقاربنا الخبثاء، حين يطالبونه بضرورة تخصيص جزءً من وقت مذاكرته للترفيه، ويدعونه للخروج فى “عزومات” خارج البيت، لحضور بعض العروض المسرحية، إلا أنه يرفض بشدة، مع كل ما سبق - أصبحت أخشى عليه من تلك العزلة. تولد هذا الشعور بالخوف لديَّ، حين رأيت رد فعله بعد ظهور  نتيجة العام الماضى بالصف الثانى الثانوى، وحصوله على تقدير لا يعبر عن المجهود المبذول فى بعض المواد، استيقظت لأداء صلاة الفجر، وكان هو بغرفته، يهمس بصوت منخفض لكنه مسموعًا، يناجى ربه وهو ساجد، أو ربما بعد أداء صلاته، لا أدرى، صوته مخنوق يقترب من البكاء، يطلب التوفيق من الله فى امتحان الثانوية قبل أن يبدأ بعام كامل، وألَّا يخذلنا كما خذلنا وأبكى والدته، بسبب تقديراته التى لم تصل للامتياز ببعض المواد، كلماته جعلتنى أندم بشدة، فكرت لحظة أن أفتح باب غرفته لأخفف عنه - لكننى فضلت عدم تسريب ذلك الإحساس الخاطئ، بأنه مراقب، خصوصًا أن استيقاظى فى هذا التوقيت ليس عادة يومية بالنسبة لى، قررت أخيرًا إسناد بعض مهام العمل إليه، وإرساله لجلب بضاعة جديدة كلما اختلى بنفسه كثيرًا، نسقت مع ابنتى الصغرى بضرورة اطلاعى على أخباره وتصرفاته بالبيت، طوال مدة مكوثه بغرفته، وكما أشرت لكم سيدى الفاضل بأن زوجتى إنسانة أنانية، لا تفكر إلا فى وجاهتها وانتشائها بتفوق ابنها، حاولت أن أشرح لها أن الحياة لا تستحق هذا الصراع، وهى مقتنعة بأن أقاربها كانوا يتبعون نفس الأسلوب مع أبنائهم، حتى تفوقوا فى النهاية، يفعلون مثلما تفعل بملاحقة المدرسين، لمعرفة مستوى أبنائها، والضغط عليهم لبلوغ الهدف المنشود، طريقتها دفعتنى لصدام كنت أتلاشاه معها، اتهمتنى بأننى أب ضعيف الشخصية محدود الطموح، وأكدت بأنها لن تقف عاجزة أمام هذا الضعف، صفعتها على وجهها وضربتها أمام أبنائى، بكت بشدة وطلبت الطلاق بعد عشرة دامت ١٦ عاما، ثم أصرت على الذهاب لبيت أهلها بإحدى المدن الجديدة، أوصلتها لهناك وفضلت تأجيل الحديث حتى تهدأ الأمور، حاول ابنى أن يثنيها عن مغادرة المنزل - لكنها رفضت بشدة، وقالت بتهكم “ اشبعوا ببعض”، ورغم بكاءه أثناء تحضيرها للخروج، إلا أنها لم تحرك ساكنًا ولم تتأثر، لا أعرف سيدى الفاضل ماذا أفعل مع زوجة لا تناسب شخصيتى، أكره الصراعات، أحب الهدوء وعدم التكالب على الدنيا بهذه الطريقة، دفعتنى لعدم الاستمتاع بالحياة معها - ولا يربطنى بها غير تأدية استحقاقات عاطفية زائلة، أشعر معها كأن روح علاقتنا فاضت إلى بارئها،، فبماذا تنصحني!؟ 

إمضاء و. ث

 

عزيزى و. ث تحية طيبة وبعد…

مما لا شك فيه أن التفوق العلمى هو أمنية تراود الجميع - ولا يجب أن تتخطى هذا الحاجز من السعى المشروع والقناعة الراسخة بحكمة القدر، حتى لا نصل فى النهاية لدرجة الحقد أو عقد مقارنات ظالمة وضاغطة لأبنائنا مع غيرهم دون جدوى، بل يجب بلوغنا عين اليقين بأن القدرة على التحصيل والنبوغ العلمى، هو رزق من السماء، مهما حاولنا مناطحته لن يصيبنا منه إلا ما كتبه الله لنا، وأن تلك الصدامات المتكررة مع الأبناء، ربما تتحول لحافز ذو تأثير عكسى، يصارعون خلاله عدة جبهات محفوفة بالمخاطر، من بينها توهمهم بأن تخطى الآخرين من الأقارب والأصدقاء وزملاء الدراسة هو المفتاح الوحيد لإسعادنا، واعتبار تخطى مرحلة دقيقة مثل الثانوية العامة بتفوق ساحق أمر مصيرى، لا يحتمل أى درجة من درجات الإخفاق، وإن حدث هذا وحصل الطالب على مجموع لا يرقى للطموحات المعقودة عليه، فإنه سيفقد احترام وثقة كل الناس، وسيصبح منبوذًا فى نظرهم، وهذا ما يفسر تعدد حالات الانتحار بين الشباب لأسباب تتعلق بالدراسة والمجموع، بينما الفشل ليس فى الأبناء وعدم بلوغهم بعض أهدافهم كاملة - بل هو فشل بعض الآباء والأمهات فى التخلص من عقد نفسية دفينة تسيطر عليهم، تنعكس بإسقاط توجهاتهم المشوهة على تعاملهم مع صغارهم، مما يتسبب فى كوارث إنسانية مثل الانتحار كفرًا بالقدر أو التنمر بالأكثر نجاحًا أو تعاطى المواد المخدرة وصولًا لتنفيذ جرائم قتل، كما أن فترة المراهقة على وجه التحديد، تعد بمثابة بداية وصول هؤلاء الأطفال لمرحلة بالغة التعقيد، عبارة عن صراع داخلى مزدوج بجبهتين داخليتين، تدفق هرمونى وتغيرات جسدية بمرحلة البلوغ، إلى جانب محاولة الوصول إلى تقبل المجتمع لشخصيتهم الجديدة، كرجل أو امرأة وليس كطفل لم يبلغ الحلم، يريد أن يشعر  بضرورة احترام واحتواء الناس له، ولا يحتمل إضعافه بضغوط إضافية تلقى بظلالها السوداء على عاتقه، بسبب تحدِ من نوع آخر، يتعلق بالتشكيك فى قدراته الاستيعابية للعلم، لذا أحذر كل أب وأم من هذا الربط الخطير، حين ينعتون صغارهم ببعض الصفات المحبطة، مثل، “أنت غبى، مفيش أمل منك، أو خيبت ظننا فيك.... إلخ” لتكون النتيجة فى النهاية هى دفع تلك الأرواح البريئة على الإزهاق بمحض إرادتها، حتى تنعم براحة أبدية لن تجدها فى كنف أعز الناس.. وأنت عزيزى كرب أسرة مطالب بمزيد من الصبر والدعم لطاقم سفينتك، بداية من زوجتك، بتواصل البحث أكثر عن مفاتيح فك شفرة قناعتها، وتفهمها لطبيعة ما وصل إليه ابنكم من الإحساس بعقدة الذنب تجاهكم، وأنه من غير المستبعد أن يؤذى نفسه، إذا جانبه التوفيق فى التخلص من كابوس تلك الشهادة الدراسية بما يرضيكم، استعن  بأحد أقاربها كوالدها أو والدتها، أيهما أقرب، واشرح خطورة تداعيات صراعكما، بسبب ابنكما البار، وأنه قد يكلفكم الكثير، من المؤكد أنها ستشعر بمسئوليتها تجاهه كأم،، وفى الجهه المقابلة أنصحك باقتحام عزلته بالتقرب منه، وخلق جبهة دعم قوية بالتضامن معه، والتأكيد على أن والدته تحاول تحفيزه فقط، ولا تطلب نتيجة بعينها كما أعلنت له، بل تدرك تمامًا بأن الأمر كله بيد الله، وأنها تحثه فقط على الاجتهاد ولا تطالبه بمجموع محدد، ذكره بالآية الكريمة فى سورة الملك - بسم الله الرحمن الرحيم (هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، صدق الله العظيم، الآية فى جوهرها تدعونا للسعى فقط، أما النتيجة بيده سبحانه، ركز فى حديثك على تأكيد المعنى الحقيقى للنجاح، وأن قمته الحقيقية نصل إليها بالسعى المخلص، ويبقى التوفيق من عند الله سبحانه وتعالى، ومثال على ذلك، أن الطبيب وهو فى قمة مستواه العلمى، لا يضمن بقاء كل مرضاه على قيد الحياه - لكنه يضمن لهم إرادته وضميره الحى، فى السعى المستمر للحفاظ على صحتهم، وتسكين آلامهم. 

دمت سعيدًا موفقًا و. ث