الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
هو مات إزاى؟

هو مات إزاى؟

أول سؤال يتبادر إلى الاذهان وربما يصرح به البعض عند سماع نبأ وفاة اى شخص هو السؤال عن سبب الموت وكيفيته، هل كان مريضا؟ هل مات فى حادث سيارة؟ وغيرها من التساؤلات المرتبطة باحتمالات الموت المتعددة، ثم يتم الانتقال من هذا السؤال إلى مجموعة أخرى من الاسئلة التفصيلية، فإن كان الموت بسبب المرض فإن السؤال الآخر يكون عن نوع المرض وهل هو مرض خطير أو مزمن وهل حدثت الوفاة فى المنزل ام فى المستشفى وهل حدثت نتيجة مضاعفات المرض ام نتيجة لعملية جراحية وهل كانت خطأ من  الجراح أم التمريض وان حدثت الوفاة فى أى مكان آخر –مثل الشارع- فإن الاسئلة تدور حول اين هذا الشارع وهل حدثت ليلا ام نهارا وكيف تفاعل معها المارة وخلافه، مجموعة مماثلة من الاسئلة فى حالة حادث السيارة أيضا وتتنوع بين نوع السيارة ومكان الحادث وهل تم ليلا ام نهارا وعدد السيارات الأخرى المشاركة وهل كان يقود السيارة مسرعا أم لا وهل حدثت الوفاة فى موقع الحادث ام فى الطريق إلى المستشفى ام داخل المستشفى....الخ.



أعتقد أن عدد الاسئلة وتتابعها لا يليق إلا بمحقق يقوم بعمله، المشكلة الاكبر هو عدم وجود اجابات دقيقة لبعض من تلك الاسئلة مما يفتح مجالا للاجتهاد والخيال، فلا يصح ان يكون الرد على اى سؤال هو «لا أدرى».

وفى الحقيقة فإننى لا أدرى على وجه الدقة اسباب تلك الاسئلة الكثيرة، ربما يكون التفسير المقبول هو تغذية لشهوة حب الاستطلاع المتجزرة فى اغلبنا وربما تكون تلك الاسئلة من إحدى الحيل الدفاعية التى يقوم بها الإنسان فى معركته الخاسرة من اجل البقاء والخلود، فإذا كان سبب الوفاة هو حادث على احد الطرق الساعة الخامسة بعد الظهر واشتركت فيه إحدى الحافلات الكبيرة فهذا قد يعطى السائل توجيهات بألا يقوم بالقيادة على هذا الطريق فى هذا التوقيت وعليه ايضا أن يتجنب الاقتراب من الحافلات الكبيرة...الخ.

وحتى عندما يكون سبب الوفاة هو هبوط حاد فى الدورة الدموية- السبب الأخير دائما- اثناء تأدية بعض التمارين الرياضية فى إحدى الصالات المخصصة لذلك فإن السائل يحاول ان يعزى نفسه بان المتوفى لم يراع سنه أو حالة الارهاق التى مر بها خلال الايام السابقة أو نوع الاجهزة التى تدرب عليها وغيرها من الاسباب الظاهرية الواهية واعدا نفسه بأن ينتبه لمثل تلك الاسباب القاتلة فى المرة القادمة التى يعتزم فيها زيارة إحدى تلك الصالات.

إما أن يكون سبب الوفاة هو «لا شىء» اى ان المتوفى قد خلد إلى النوم فى المساء ولم يستيقظ مرة أخرى فإن العديد من التكهنات والتوقعات تدور فى الرءوس عن احتمالية إصابته بارتفاع مفاجئ لضغط الدم ادى إلى الوفاة او انخفاض شديد فى ضغط الدم ايضا وغيرها من الاسباب وهو ما يصيب السائل بحالة من القلق والرعب نتيجة عدم قدرته على معرفة السبب الحقيقى على وجه الدقة.

أعتقد أننا سنحيا حياة اكثر هدوءا اذا توقفنا عن تلك الاسئلة المرتبطة بسبب الوفاة وانتقلنا إلى الإيمان بأن الموت هو السبب.. السبب للانتقال إلى مرحلة الحساب وهو الأمر الاكثر أهمية لجميع المخلوقات.