الثلاثاء 16 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أم كلثوم بقلم الأديب محمود تيمور!

أم كلثوم بقلم الأديب محمود تيمور!

اكتشفت كتابًا ممتعًا ومهمًا جدًا للأديب الكبير الأستاذ «محمود تيمور» أحد رواد فن القصة القصيرة ومنها «فرعون الصغير»، و«شفاه غليظة» و«تمر حنا عجب»، و«قلب غانية» و«إحسان لله»، ومن رواياته «نداء المجهول» و«المصابيح الزرق» و«سلوى فى مهب الريح» و«كيلوباترا فى خان الخليلى» وغيرها..



لكنى أتحدث هنا عن كتابه «طلائع المسرح العربى» الذى يروى فيه طرائف وذكريات عن نجوم المسرح والغناء الذين عرفهم منذ مطلع القرن العشرين وعن ذكرياته مع أم كلثوم يقول:

استطاعت أم كلثوم بحلاوة صوتها وعبقرية حنجرتها وعظمة اجتهادها أن تنفرد بمجلس الصدارة فى عالم الغناء.

كان لى حظ الاستماع إلى أم كلثوم أول مرة فى ملهى «الكورسال» حوالى سنة 1920 إن لم تكن الذاكرة قد مضت بى بعيدًا، ولكنى لا أنسى أنى لم أكد استمع إلى ذلك الصوت الجديد وهو غصن فى حداثته، حتى توقعت أن يكون له شأن أى شأن!

وعلى الرغم من أن المغنية الناشئة لم تكن لها إلا أدوات بدائية بسيطة على نظام العهد القديم، فإنها استطاعت أن تسترعى الانتباه إلى صوتها الذى كان ينساب إلى القلوب فيهزها الطرب والإعجاب.

وتتبعت مع الأيام هذا الصوت الرائع فتحقق ظنى به، وصدق حدسى فيه، ومازال الصوت يتألق فى أجواء الشرق كله حتى لم يبق بين مختلفى الأذواق خلاف على أن هذا الصوت حسنة من حسنات الفنون الجميلة فيه، وأنه من الأصوات التى لا يسمح الزمن بمثلها إلا بعد طول انتظار.

ولا ينكر أحد أن أم كلثوم قد تدرج صوتها بالنمو والمران - فى مراتب الحلاوة - والنصوع - حتى بلغ الغاية التى تتقاصر دونها الأصوات، ولكن الحق الذى لا ينكر أيضا أن صوتها لم يكن فى نشأته بالهزيل ولا بالضعيف وتلك ميزة الفنان الأصيل، ترى فى مطلعه مخايل الروعة وتلمح فى بدائته ما يكشف لك أسرار فنه الموعود.

ولقد كانت إمارة الغناء عهودًا متمايزة، لكل عهد طابع يحمل اسم صاحبه، ولا شك أن أم كلثوم هى أميرة الغناء النسوى لهذا العهد، فكما طبع «عبده الحامولى» عهده باسمه، وكما تميز عهد الشيخ «سلامة حجازى» بغنائه فكذلك طبعت «أم كلثوم» عصرها بغناء لا سبيل إلى منافستها فيه.

وهب الله «أم كلثوم» عبقرية تتمثل فى اكتمال حنجرتها وهو الاقتدار على التنقل بين الطبقات الصوتية فى التغنى دون كبوة أو إعياء، فهى حين ترسل صوتها تؤدى مختلف الأنغام أتم أداء، وتستوفى درجاتها دون أن يشوب الصوت شائبة.

كسب الفن السينمائى كسبًا كبيرًا بتلك الروايات التى مثلت فيها أم كلثوم أدوارًا غنائية ممتازة وأذكر منها «نشيد الأمل» و«دنانير» وصادفت هى فى ذلك مجالا لتلوين الغناء وإمداده بصور طريفة، وليت المسرح كان له من أم كلثوم مثل هذا الحظ، إذن لشهدنا للمسرح الغنائى عهدًا جديدًا نصل به ما انقطع من عهد «منيرة المهدية» وما سبقها من عهد الشيخ «سلامة حجازى».

وإن لأم كلثوم فضلًا فى ترقية مستوى الغناء عند الرأى العام، فهى التى أرهفت سمعه وهذبت ذوقه، إذ جعلته يؤلف حلاوة صوتها الرخيم فأصبح يقيس بذلك الصوت المحبوب جمال الأصوات.

غنت أم كلثوم بلغة الشعب فى مقطوعات عاطفية قريبة من أفهام الشعب مثل على بلدى المحبوب، ويا ليلة العيد، وكذلك غنت فى قصائد من عيون الشعر العربى القديمة وحديثه لا يفهمها إلا الخاصة مثل رباعيات الخيام.

أم كلثوم صاحبة الصوت الذى لا تخطئه أذن فى أرجاء الشرق من أقصاه إلى اقصاه، إنه صوت من السماء. وللذكريات بقية!