الجمعة 2 يونيو 2023
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بريد روزا

حسن الظن وحسابات أخرى

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد…



  أنا سيدى الفاضل صيدلانية من إحدى محافظات القاهرة الكبرى، أبلغ من العمر ٣٨عامًا، تزوجت من ابن عمى فى سن السابعة عشرة، وسافرت معه للخليج حيث كان يعمل بالتجارة، أكملت دراستى وعشنا أجمل سنين العمر قبل وفاته، ودفنه هناك، ثم عدت لمصر مع ابنتى الوحيدة،، لم أفكر يومًا فى مصلحتى وصغر سنى، بل قطعت عهدًا على نفسى بعدم الزواج، رغم تمتعى بدرجة كبيرة من الجمال، قررت تكريس كل وقتى لتربية طفلتى، فتحت صيدلية بمدخرات الغربة طيلة ١٠ سنوات، وسرعان ما وفقنى الله لكسب ثقة الناس بمنطقتنا، كبرت ابنتى وهى الآن تدرس بإحدى الكليات العملية الخاصة، التحقت بها بعد إصرارى على مساعدتها فى تحقيق هدفها، بأن تكون مع خطيبها وحبيبها، هو ابن جارنا الطبيب، اعترف لى منذ سنة، بأنه يحبها ويريد التقدم لخطبتها، ولم أمانع، لأننى أعرف أخلاقه وأسرته جيدًا، بالإضافة لتعلقه بها، حضر برفقة والده فقط لأن والدته توفاها الله، وتم إعلان خطبة ابنتى عليه فى جو بهيج، مع مرور الأيام وبحكم فقده لحنان الأم، اعتبرنى فى مقام والدته الراحلة، يأتى إلى صيدليتى فى وقت فراغه كى يساعدنى، وأنا ممتنة للغاية من هذا الود، كأم وابنها،، دون أى تعقيد لحسابات لم تخطر ببالى يومًا - إلا أن ابنتى لاحظت تودد خطيبها العفوى، ومداومته على زيارتى بعملى، وجدتها تقول لى بلا خجل، وكأنها تطعنى فى قلبى، «مبروك عليكى خطيبى يا ماما، هو ملكك دلوقتي»، لم أدرِ بنفسى إلا وأنا أصفعها على وجهها، وهى تكرر نفس الكلام بشكل هستيرى وبإصرار وتحدٍ، بكيت أمامها ولم أنطق بكلمة واحدة، ولا أعرف حقًا أستاذ أحمد - من أين يأتى هذا الجيل بكل هذا الكم من الجحود، لم نكن كذلك، نخاصم ونتمادى فى هجرنا لأعز الناس.. بقى الوضع كما هو عليه معها طيلة شهر، أغلق على نفسى غرفتى وأبكى مرارة الفرقة، بعد وفاة والدها ورفيق دربى، طلبت من خطيبها عدم حضوره مرة أخرى إلى صيدليتى، إذا أراد أن يقابل خطيبته يستطيع أن يفعل ذلك خارج البيت، وهما من الجيل الذى يعرف ماله وما عليه - لكنه لاحظ تغير طريقة معاملتى له، فألح بالسؤال لمعرفة السبب، أخبرته وأنا حزينة بما حدث من ابنتى، وشكوكها المحبطة فى وجود علاقة من نوع آخر، غير التى أتعامل معه على أساسها،، ذهب الشاب المسكين دون أن ينطق بكلمة واحدة، وكأنه مصدوم،، وبالطبع عاتبها بعنف عما طاله من ظنون سيئة، أشهد الله بأنه لم يتجاوز يومًا حدوده معى، وعاطفتى تجاهه هى عاطفة الأم لابنها،،، الآن أصبحت علاقتى بابنتى مقطوعة تمامًا، لا أريد حتى النظر إلى وجهها، وأعانى نفسيًّا من تلك القطيعة لأعز الناس، وفشل مشروعى الحقيقى فى هذه الحياة،، كأنها تضيع منى حتى مع تفوقها الدراسى، لكن بالطبع هناك ما يسبق العلم فى الأهمية، وهى التربية القويمة وحسن الظن بالناس،، فماذا تنصحنى!؟

إمضاء و. ق

 

عزيزتى و. ق تحية طيبة وبعد…

أحييكِ على كفاحك وإرادتك بعد وفاة زوجك رحمه الله، وبداية حياة جديدة، عنوانها العمل والاجتهاد والصبر،، كما أن نعمة القبول بين الناس تعد منحة إلهية عظيمة فى حد ذاتها، ونجاح كبير يحسب لكِ - لكن على مستوى علاقتك بابنتك وقوة الرابطة التى تجمعكما، توجد فجوة كبيرة بينكما، لأن سد الحاجات المادية أو تحقيق بعض الأمانى المرتبطة بالدراسة، أو إشباع الهوايات الشخصية وما إلى ذلك، ليست هى كل شىء يجب تحقيقه فى هذا الجيل، المسئول منا كأولياء أمور - بل هناك أهداف أخرى بالغة الأهمية تتعلق بتقوية وتدعيم العواطف والمشاعر الإيجابية معهم ولديهم، وترسيم حدود الثقة، والاحترام المتبادل لطبيعة العلاقة المقدسة بين الآباء والأمهات من جهة، والأبناء من جهه أخرى - لذا علينا التقرب من صغارنا أكثر منذ نعومة أظفارهم، وتفهم طبيعة سرعة دوران الحياة من حولهم، تلك السرعة الرهيبة، التى لا تتيح لهم فهم الكثير من الأمور، مما قد يدفعهم أحيانًا إلى تغليب سوء النية على حسن الظن، وهذا بالضبط ما حدث بينكِ وبين ابنتك، خصوصًا مع صغر سنك كأم شابة، بالإضافة لفطرة الأنثى لصيقة الصلة بالغيرة، تحدث من البنت لأمها أحيانًا، عندما يفرضها التصحر العاطفى، وتهميش العلاقة بينهما أو توترها، وحصرها فى مصاريف المدرسة، وإطلاق الحرية المبالغ فيها، مثل تصرفك عندما اشتد الصراع بينكما، وكان انسحابك هو الحل الوحيد المتاح لديكِ، فصرحتِ وأجزتِ لخطيبها مقابلتها خارج البيت، وهذا خطأ كبير، يخالف الأصول والقيم الدينية والعرفية التى ألفناها، مع العلم بأن تلك المرحلة لا يجب إطلاق العنان فيها للشباب، ممن يخطون خطوتهم الأولى قبل الزواج أثناء الخطبة، وتسهيل اختلائهم ومقابلاتهم للتعارف، وتقريب وجهات النظر.. لذا انصحكِ باحتواء الأمر سريعًا مع ابنتك، وشرح الأمر بمرونة، وتقبل رد فعلها لأنه جزء غريزى وفطرى، إلى جانب تأثير تلك الفجوة التى أشرت إليها، فى بداية ردى على رسالتك،، أكدى على مشاعرك العفوية التى تكنيها لخطيبها كأم، بدافع تقديرك لمرارة فقدانه عاطفة الأمومة - ليس إلا، وبأنه كشاب مهذب ومن أسرة محترمة لم يتجاوز معكِ فى شىء، لكنك سوف تحددين علاقتك به أكثر، درءًا للشبهات - وتلك النقطة تحديدًا أرى بأن انتباهك لها تأخر كثيرًا، فعن النعمان بن بشير رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «- «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِى الْحَرَامِ، كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ» صدق رسول الله ﷺ،، والحديث هنا يبين بما لا يدع مجالًا للشك أهمية توخى الحذر من الوقوع فريسة للشبهات والقيل والقال، عفانا الله واياكِ، ووفقك لما يحب ويرضى،،، نصيحتى الأخيرة لكِ - بقبول فكرة الزواج إذا كان بإمكانك التفكير فيها، بعد أن كبرت ابنتك، وهو توجه مطلوب، لتحقيق الاستقرار الوجدانى والإنسانى، مع رجل يقدر كفاحكِ وجهدك المشرف.

 

دمتِ سعيدة وموفقة دائمًا و. ق