بريد روزا
أَسْحَار الأذن
أحمد عاطف آدم
تحية طيبة من القلب لبريد روزا
وبعد...
أنا سيدى الفاضل زوجة فى بداية العقد الثالث من العمر، حاصلة على مؤهل عالِ وأعيش بالقاهرة، تزوجت منذ ٨ سنوات من زميل لى بالجامعة يكبرنى بثلاثة أعوام، تقدم لخطبتى بعد تخرجه ثم سافر للعمل مع والده بإحدى الدول العربية، فور انتهائى من دراستى تزوجنا وكانت فرحتنا بلم شملنا لا توصف، خصوصًا أننا ارتبطنا عاطفيًا أثناء الدراسة الجامعية، وتغلبنا على بعض العراقيل فى طريق إتمام حلمنا، أهمها عدم رضا والدتى عن سفرى يومًا والابتعاد عنها، وهى مريضة قلب لم ترزق بأبناء غيرى - لكننى استطعت إقناعها بأننى أحبه، وأشعر بسعادة كبيرة معه، كذلك لن أتخلى عنها، وبالفعل ساعدنا على تحقيق تلك المعادلة الصعبة والدى، لأنه عمل أكثر من ثلاثين عامًا بمنطقة الخليج، وكان يمنى نفسه بزيارة أصدقائه القدامى بعد أن ربحت تجارته بمصر واستقر، فاصطحب معه والدتى بعد عدة أشهر من زواجى وسفرى إلى زوجى، وحضرا إلينا، لم تمر بضعة أشهر دون إنجاب حتى وجدنا الدنيا قائمة فوق رءوسنا - استجوابات من الغريب قبل القريب فى عادة متوارثة وبغيضة، سواء فى الريف أو الحضر، طفح بسببها الكيل، وأظهرت على أثرها أمام شريك حياتى ضيقى الشديد من هذا الضغط الرهيب، والتدخل غير المبرر بشئون حياتنا - ما جعلنا نذهب لأحد الأطباء قبل عام كامل على زواجنا، عكس المتعارف عليه طبيًا لبداية احتساب تأخر الإنجاب والاحتياج لفحص الأسباب،، ذهبنا واكتشفنا بعض التشوهات المنوية فى تحليل زوجى، نظرًا لمعاناته من إحدى درجات الدوالى التى لم تعالج وتحتاج لتدخل جراحى، كذلك كنت أعانى أنا شخصيًا من بعض المشاكل البسيطة التى لا تستدعى القلق، حسب تأكيد أكثر من طبيب - وسرعان ما زاد الاحتقان المستتر سواء بينى وبين زوجى، أو على المستوى العائلى،، بعد مرور عامين من المتابعات وتحسن حالتى وحالة زوجى، أجمع الأطباء على ضرورة إجراء عملية حقن مجهرى، كررناها ٤ مرات فى الغربة ولم يكتب لها النجاح، ثم عدت إلى مصر بعدما ساءت حالة والدتى الصحية، وتوالت الابتلاءات عليَّ بوفاتها وتكثيف الضغط على زوجى من أشقائه ليطلقنى، ويتزوج بأخرى تستطيع الإنجاب، وبالفعل وجدته يتصل بى ويطالبنى بإجراء عملية حقن مجهرى تكون الأخيرة، لأننى اشتكيت له من صعوبة تحضيرى المتتالى لمثل تلك العملية المرهقة، فأصر على ضرورة استغلال ما نحتفظ به من نطف مخصبة ببنك أحد المراكز، وكان دائم الاتصال بى للاطمئنان قبل بداية العملية حتى نجحت، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، مع نهاية الشهر الرابع لم تكتمل فرحتنا لآخرها، توقف نبض الجنين وفشلت المحاولة الخامسة والأخيرة، كما حددها زوجى، ثم فاجأنى بقراره الصادم بعد معرفته بالخبر، وابلغنى بأنه سوف يرسل والده لمعرفة طلبات والدى من أجل الانفصال - لم أجد لكرامتى أى سبيل غير الاستسلام لقدر الله النافذ،، وأصبحت مكتئبة للغاية أستاذ أحمد، لا أعرف ماذا أفعل وأنا على مشارف الثلاثين من عمرى، أصارع شبح الفشل الذريع، والكثير من الأسئلة تحاوطنى من كل اتجاه، وتبكينى بشدة - بل تكاد تعمينى، منها: كيف اخترت هذا الرجل، وأين كان عقلى حينها؟، تقدمى فى السن، وتقلص فرص الإنجاب، كلها أمور تجعلنى محبطة من الإنسان الذى ارتبطت بحبه، وقدرته، وذللت أمامه كل عقبات زواجه منى، ليأتى فى النهاية ويبيعنى بدم بارد، فبماذا تنصحنى!؟
إمضاء ز. ي
عزيزتى ز. ى تحية طيبة وبعد...
من الآيات القرآنية العظيمة التى تثلج وتثبت قلوب المبتلين من المؤمنين والمؤمنات، ما جاء فى سورة البقرة على لسان الحق سبحانه، قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم، وهو تأكيد إلهى لا يدع مجالًا للشك، بأن ظواهر بعض الأقدار التى تبدو قاسية علينا، هى فى باطنها رحمة وشفقة من الله عز وجل - حتى وإن رأتها العين المجردة ضعيفة البصيرة، شر انتقام، لأن قدر الله رحيم وعادل، كل شىء عنده بمقدار، كذلك فإن المبالغة فى الفرح بما يبدو فيه سعادة واستقرار من أمور الإنسان، قد يكون فى الحقيقة عكس ذلك تمامًا،، وهذا التضاد الفلسفى من العزيز الجبار، المراد من ورائه رضا المخلوق بما قسمه الخالق بحكمته، على وضعه المقدر، والتضرع إلى الله بالبركة والستر، وانتِ لا ذنب لكِ فى عدم نجاح ٥ محاولات طبية لجلب روح جديدة للحياة، من الممكن أن يكون طلب وصولها فى غير وقته المحدد نقمة، أو شر معلوم نجاكِ الله منه، إن وقع فهو مُهلك لا محالة،، ولنا أيضًا فى قصة سيدنا موسى عليه السلام والخضر عبرة، عندما قتل الأخير طفل، وبرر القرآن الكريم تنفيذه لذلك الأمر الربانى، فى الآية الكريمة بسورة الكهف، قال تعالى - بسم الله الرحمن الرحيم {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} صدق الله العظيم، وهذا دليل دامغ على أن الخضر الذى حرم أبوين من طفلهما بعد أن رُزقا به، والطبيب الذى سعى جاهدًا عدة مرات لتحقيق غاية الإنجاب لمن يريد، ثم منعه الله، كلها أمور مؤجلة ومبررة، بفرمان ربانى ولخير معلوم عند الحى القيوم،، وتأسيسًا على ما سبق أنصحكِ بالصبر، وتسليم الأمر كله لله، وترك زوجك ينفذ المكتوب لكما - إن هداه الله لترك توجيهات من حوله وتمسك بكِ فهو خير، وإن شاء الله سيعوضكِ به خيرًا، وإن لم يكن وكتب بيده نهاية ارتباطكما فتأكدى بأن الفراق بالمعروف ليس نهاية مأساوية - بل بداية لعهد جديد من الأمل والحب، مع رفيق درب آخر سيأتى فى وقته، ليكون سندًا وعونًا لكِ،،، وبشأن التدخل فى أمور الناس، أوجه رسالة لسحرة الأذن ممن يقطعون مسار الصبر على أصحابه، سواء بقصد أو بغير قصد، ليسيروا فى دروب القنوط من رحمة الله واليأس، أقول لهم: «اتركوهما فى حال سبيلهما يمضيان فى طريقهما، يتحسسان رزقهما دون تعجل أو تسرع فى اتخاذ قرار، أول من ينتقده هو أنتم - دون إدراككم أو مجرد تفكيركم بأنكم السبب فى هدم وتخريب بيوت على أصحابها، يقول أمير الشعراء أحمد شوقى عن تلك الظاهرة البغيضة حكمة بليغة»
ما أَوْلَعُ النّاس بالنّاس، يشتَغلُ أحدُهُم بشُؤونِ أخِيه، وفى أيسَرِ شأنِهِ ما يُلْهِيه».
دمتِ سعيدة وموفقة دائمًا ز. ى