الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المخرج محمود سيد فى حوار لـ«روزاليوسف»: «أوضة نومى 2».. دراما إنسانية تخلق حالة من التشارك بين الجمهور والممثلين

«دراما الأمكنة»..نوع من الدراما مبني على استغلال معمار وجغرافيا المكان، قد يحضر الجمهور عرضا داخل «شقة» حقيقية أو «غرفة نوم».. مساحة أخرى من ممارسة الإبداع بصورة خارجة عن المألوف والمعتاد، مساحة غير مطروقة لجأ إليها المخرج محمود سيد بعد تعرضه لتجربة مسرحية فى إنجلترا غيرت نظرته وفكره عن المسرح بشكل كبير، أنتج ثلاث تجارب مع شركته  «Stage left» التى أسسها بلندن وتستمر فى انتاج أعمالها بالقاهرة ومن المقرر أن يقدم الأسبوع القادم بمقر «دوار» عرضه الجديد «أوضة نومى 2»، عن العرض وهذه التجربة الاستثنائية بالمسرح قال محمود فى هذا الحوار:



■ متى تعرضت لهذا النوع من المسرح؟

- سافرت إلى إنجلترا عام 2014 للعمل والدراسة، درست كل ما يتعلق بتقنيات المسرح وإدارة الخشبة من إضاءة وصوت، لكن كنت مازلت لم أشاهد هذه التجربة بعد، هو نوع مستحدث مستورد فى العالم العربي.. ففى أواخر 2014 رشح لى بعض الأصدقاء ضرورة مشاهدة تجربة مسرحية مختلفة، تدور أحداثها فى مبنى كامل عمارة أربعة أدوار بلندن، كل دور يحتوى على مساحة شاسعة وغرف متعددة 1200 متر مربع تقريبا، يتنقل الجمهور كما يريد وراء الممثلين فى كل مكان، ذهبت للمشاهدة وكانت هذه هى اللحظة التى تغيرت فيها نظرتى للمسرح وتغير شيئا ما بداخلي.

■ ما الذى تغير؟!

- لم أعد كما كنت بعد هذه التجربة، كنت أقدم من قبل مسرحا تقليديا  بشكله المعتاد، لكن فى ذلك اليوم اكتشفت أن المسرح التقليدى يخلق حاجزا بين الممثل والجمهور، يتمثل الحاجز فى أن الممثل أعلى ويأخذ نوره بينما الجمهور يجلس بالأسفل فى الظلام هناك مسافة كبيرة بينهما، بينما عندما يكون الممثل فى قلب الحدث ويجاوره الجمهور تتدفق المشاعر وتخلق حالة من التشارك فى المساحة والحدث والتورط فى هذا الحدث، على سبيل المثال إذا شعر الممثل بالخوف أو الخجل قد يشعر الحضور فى نفس اللحظة بنفس المشاعر معه بينما فى وضع السينما والمسرح احتمالية التورط بنفس المشاعر قد تكون أضعف بسبب الحاجز الفاصل بينهما.

■ ما الذى جذبك فى هذا النوع من المسرح؟

- دراما العرض كانت حول مجموعة من العاملين بالمكان وهذا هو السر فى هذا النوع من المسرح، الذى يسمى بالمعنى الحرفى «مسرح خاص بالموقع» إذا كانت الأحداث تدور داخل مصنع تقدم أحداث العرض والدراما حول المصنع، فى الترجمة العربية قد نسميه مسرحا تفاعليا لكنه ليس تفاعليا لأنه مبنى على فكرة أن الجمهور غير مرئى أو مخفي.

■ بماذا تعنى أن الجمهور يكون مخفيا؟

- بمعنى أننا نلعب لعبة مع الجمهور بأنهم ليسوا موجودين أو أن الممثلين لا يبالون بهذا الوجود اتعامل مع الحضور وكأننى لا أراه  على الإطلاق، وبالتالى اترك له حرية التصرف والحركة، فى إحدى الحالات قد يتم إخفاء الجمهور فعليا عن طريق ارتداء الأقنعة أثناء مشاهدة العرض يرتدون جميعا قناعا واحدا، وبالتالى يصبح الجميع  مجهولى الهوية، لكننا لم نصل بعد إلى تطبيق هذا المستوى من الإخفاء بينما نعمل وكأن الجمهور غير موجود وتسلل إلى هذا المكان دون علم منا، وفيما يخص الصوت من المهم فى المسرح أن يكون الممثل صوته مسموعا بينما هنا نهتم بمنطقية الصوت داخل الحدث فإذا كان هناك حوار بين اثنين قد لا أهتم برفع صوتى حتى يصل إلى عدد أكبر كما يحدث على خشبة المسرح لكننى أطلب من الجمهور الاقتراب منى  حتى يتمكن من سماع الحوار وبالتالى نحن أقرب للطبيعة من المسرح فى شكله وتقاليده المتعارف عليها.

■ ما حجم الإقبال الجماهيرى على هذا النوع فى إنجلترا؟

-  هذه العروض تحقق نسبة إقبال جماهيرى كبير فى إنجلترا، هناك شركة كبرى مسئولة عن انتاج هذا النوع من العروض والترويج له، كل عرض يستضيفه مكان مختلف، هذا النوع من السهل تقديمه فى أماكن مغلقة أو مفتوحة مثل حديقة أو مستشفى أو مصنع أو مقهى أو مطار أو محطة قطار.. أى مكان، الفكرة كلها تبدأ من اختيار المكان يوحى للمخرج أو المؤلف بالدراما، ومن المهم أن تناسب الدراما والعرض هذا المكان حتى فى شكله المعمارى وتصميمه، فإذا وقع الاختيار على تقديم عمل بالمستشفى الجوى هذا المستشفى له شكل معمارى محدد وحجم معين، بينما إذا قدمت نفس العرض أو نفس الدراما فى المستشفى القبطى نوع العمارة مختلف لابد أن يناسب العرض هوية المبنى الجديد، لأن المبنى جزء لا يتجزأ من العرض، تجربة «النجاة» قدمتها بأربعة أماكن مختلفة فى أزوريس 2016 وفى علبة ألوان 2019 ثم شقة بحى الدقى 2021 ثم 2022 بجاليرى فى فيللا بمصر الجديدة، فى كل مرة كانت تتغير خطوط الحركة وشكل التعامل مع المكان، نفس الدراما ونفس الفكرة لكن الشكل مختلف.

■ ألم تخش الإقبال على تقديم هذه التجربة فى مصر؟

- كنت قلقا للغاية.. لدينا مصطلح مسرح القاعة لكنها تظل خشبة مسرح، جاءت البداية أثناء مشاركتى بتقديم قراءة مسرحية لـ»النجاة» بالمسرح القومى لم يكن ضمن خطتى إقامة المشروع فى مصر مباشرة كانت معى آيات مجدى وأدهم عثمان اقترحوا على تقديمها فى عمل مسرحى كامل، هنا نورت الفكرة فى ذهنى لأنه بالمصادفة الشديدة أحداث «النجاة» تدور داخل شقة وقتها كنا نقوم بالبروفات فى اوزريس وهى شقة أيضا فكرت فى أنها قد تتيح لى تقديم هذه التجربة عرضت يومان، كل من رأى العرض شعر بخصوصية شديدة الدكتورة نهاد صليحة حضرت ورغم أنها كانت فى حالة صحية حرجة إلا أنها كانت تسير جريا وراء الممثلين، شعرت بشغف كبير فى هذا اليوم، لأنه لم تكن لدينا اضاءة وكل اعتمادنا على إضاءة المكان، حدث وأن أحد الحضور اصطدم بالنور أثناء الحركة فقام بإطفائه وكأن الجمهور يشعر بمسئولية تجاه العرض وأصبح جزءا منه، ثم ضرب جرس الباب وجدت واحدة منهم تقول..» يللا نجرى نشوف مين جه».. هذا المستوى من التفاعل منحنى الدفعة لكى اعيد التجربة من جديد.

■ بعد النجاة لماذا اطلقت على العرض الجديد اسم «أوضة نومي»؟

- سمى بهذا الاسم لأن القصص داخل غرفة نوم حقيقية، ولأن القصص تحمل قدرا كبيرا من الحميمية والإنسانية، نحن نضع الأقنعة منذ لحظة الإستيقاظ وحتى الذهاب إلى النوم كى نتمكن من التعامل مع البشر، بينما غرف النوم هى المكان الوحيد الذى لا نضع فيه الأقنعة، واكتشفت أنها اكثر مكان نقضى فيه وقت بحياتنا لأن ثلث عمرنا نائمين، نقرأ ..نفكر..وقد نتخذ قرارات مرتبطة ارتباطا رئيسيا بغرفة النوم، المكان بالنسبة لى كان ملهما فى نسج الحكايات، لأن غرفة النوم أكثر مكان نكون فيه أنفسنا دون تكلف.

■ ماذا عن تكنيك الإخراج فى هذا النوع من المسرح؟

- تكنيك الإخراج نابع من فرضية أن الجمهور غير موجود، فى المسرح العادى الجمهور موجود، وصوت الممثل وشكل انفعاله ثم رسم الحركة يراعى فيها الجمهور فى كل هذه العناصر لابد أن يكون جسدى مفتوحا للجمهور وصوتى يصل للجميع، لا يمكن مثلا أن يقف ممثل عكس اتجاه الجمهور، لكن هنا يحدث العكس تماما.. نحن نطالب الجمهور بأن يتحول إلى كاميرا ..عيناه تتجول كى ترانا من الزاوية التى يريدها زاوية ضيقة أو واسعة.. من الأمام أو الخلف.. له حرية الحركة والتصرف والمراقبة، المسرح التقليدى قد يبنى على الإيحاء، فى هذا المسرح ليس هناك أى نوع من الإيحاء، كل شيء طبيعى وحقيقى بنسبة 100% .

■ ما الفلسفة وراء اعتبار الجمهور غير مرئى وغير موجود؟

- الفكرة أننا ننتقل من حالة أننا نقدم عرضا الجمهور يعلم أنه مجرد تمثيلية، إلى أننا نشعر بأننا داخل موقف حقيقى بنسبة 100% ليس فقط على مستوى التصديق، إنما على مستوى التعايش والشعور أننى متسلل لهذا المكان، فى المسرح العادى الممثل يعيش الحقيقة كاملة لأنه مطمئن ألا أحد سيأتى ينازعه موقعه، بينما فى هذا النوع من المسرح يقع الممثل فى توتر شديد لأنه يعلم بصورة مسبقة أن هناك من يراقبه.

■ هل يخضع الممثل لأنواع معينة من التدريبات تمكنه من احتراف هذا النوع من المسرح؟

- يخضع عادة لتمرينات «اورجانيك» نمارسها بشكل طبيعى فمن الممكن أن نذهب فى مقهى عام ونبدأ حوارا أمام الناس بحيث يعتاد على فكرة تشارك المساحة مع أشخاص آخرين أثناء عملية البروفة، لابد أن أدعو بعض الأصدقاء لحضور عدد من البروفات معانا حتى يختفى هذا التوتر، وبالطبع نتفق معا على قوانين وتكنيك العمل فى هذا النوع  من البداية. 

■ هل تجد صعوبة فى اختيار الأماكن المناسبة؟

- بصراحة أجد صعوبة، أحيانا قد يكون لدى شكل محدد فى رأسى لكننى أحاول وضع مواصفات للمكان، أرى الأماكن المتاحة لكن ليس هناك وفرة دائما، مهم جدا أن يمنحنى المكان الإحساس بالحداثة أو القدم، مثلا فى مسرحية «النجاة» إذا لم أجد مكانا يوحى لى بحقبة الستينيات لن يكن مصدقا إذا استبدلت الحقبة بشقة فى التجمع الخامس، الأمر سيكون مزيفا منذ البدء فى رحلة الوصول للعرض الطريق كله يجعل المسألة غير حقيقية بالمرة.