الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
روزاليوسف واستقالة النحاس باشا!

روزاليوسف واستقالة النحاس باشا!

لم يكن الملك فؤاد» راضيا عن حكومة «مصطفى النحاس باشا» وكان يتحين الفرص لإقالتها والتخلص منها، وانتهز فرصة فشل مفاوضات النحاس هندرسون التى استغلتها الصحف الموالية له وخاصة صحيفة «الاتحاد» التى شنت هجوما كاسحا على الوفد واتهمت زعماءه بالعجز وسوء التصرف.



ويقول النحاس باشا فى مذكراته أخذت الأحاديث تتناول بأن العراقيل توضع فى وجه الوزارة حتى لا تستمر فى الحكم وأن القصر يلعب دورا خطيرا فى هذا الصدد!

واستقر رأينا على أن تقدم استقالة الوزارة للملك ما دام الموقف قد أصبح حرجا إلى هذا الحد، وأصبحنا لا نستطيع أن نؤدى واجبنا الوطنى على الوجه الأكمل الذى يرضى ضمائرنا ويتفق مع الثقة التى أولتنا الأمة إياها، وأخذنا نعد جواب الاستقالة، وتلقيت من القصر الملكى كتابا بقبول الاستقالة.

وعن كواليس تلك الأيام تقول «روزاليوسف» فى ذكرياتها:

أُبلغ قبول استقالة الوزارة الوفدية إلى النحاس باشا صباح الخميس 19 يونيو سنة 1930، ولما لم يمض على تقديمها أيام، فسجلت رقما قياسيا ثانيا إذ ليس فى تاريخ السياسة المصرية استقالة قبلت بمثل هذه السرعة سوى استقالة المغفور له «عبدالخالق ثروت باشا» فى سنة 1922 فإن العارفين ببواطن الأمور يؤكدون أن «ثروت باشا» خرج من السراى بعد أن رفع استقالته، ولكنه ما كاد يرجع إلى داره حتى أقبل عليه من السراى من يحمل إليه الأمر الملكى بقبول الاستقالة.

وقد أثار هذا الأمر عجب الناس ولكنه لم يحرك دهشتى فى شىء، وكانت أيام الأسبوعين اللذين سبقا تقديم الاستقالة مليئة بالأقوال الجريئة التى لم يجر بها لسان من قبل!! فيما له علاقة بموقف السراى من الوزارة والدستور، وأصحاب هذه الأقوال نواب من الوفديين يتحرك بها لسانهم تحت تأثير أقوال النحاس باشا تحت قبة البرلمان بل لقد تهجم أحدهم على الذات الملكية بالسب الصريح ولم يتحرك رئيس الوزراء بقول أو بفعل يدل على أنه يستنكر هذا التهجم الصريح!

وتمضى روزاليوسف فى ذكرياتها التى كتبتها ونشرتها فى المجلة «أغسطس 1938» وبعد خلافها مع الوفد قائلة:

وفوق هذا كانت استقالة «النحاس» باشا تحمل فى طياتها تعريضا بموقف صاحب العرس من الأمة ومن الدستور وصيانته ولعل هذا دأب النحاس باشا منذ أن عرف كرسى رئاسة الوزارة إذ ما من مرة يستقبل فيها إلا ويذكر أن الدستور فى خطر، وأنه استقال من أجل عيون الدستور وأن يستقبل عهدا جديدا من الاضطهاد فى صحة هذا الدستور الذى ما برحت ترتكب باسمه «الآثام» والمساخر وتعتلى هامته لتبدو من فوقها رؤوس تحملها هامات قصيرة!

وليست أبلغ مما ترونه الآن للدلالة على مبلغ  تأثر المغفور له جلالة الملك «فؤاد» من النحاس باشا وشعبيته فى ذلك الموقف وعلى أثر تقديم الاستقالة اجتمع جلالته- الملك فؤاد- برئيس مجلسي الشيوخ والنواب وهما المغفور لهما «عدلى يكن» و«ويصا واصف» للتشاور معهما فى الموقف، عملا بأصول الدستور، تباحث جلالته معهما طويلا ثم سمح لرئيس مجلس الشيوخ بالانصراف واستبقى رئيس مجلس النواب، وبعد صمت قصير التفت جلالته إليه وقال: النحاس باشا رمى قفازه»!!

فبهت.. «ويصا بك» لهذه المقولة وأخذ بعد ذلك يؤكد لجلالة الملك أن النحاس باشا من أخلص المخلصين!

إلى آخر ما يمكن أن يقوله «وفدى» ما برح يؤمن بالنحاس وعقل النحاس وذوق النحاس فى ذلك الوقت، ولكن جلالته أوقف هذا الدفاع الحار بقوله: وأنى ألتقط هذا القفاز يا ويصا بك»!!

والمعنى واضح وصريح وفيه ما يكفى للدلالة على أن جلالته قبل تحدى النحاس باشا وأنه سيرد التحية بأحسن منها وسرعان ما جاءت التحية فى غاية ونهاية!

وللذكريات بقية!