رشاد كامل
أم كلثوم تحكم جمهور العالم العربى!
مع إندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 سيطر الخوف على حياة الناس اليومية، والملاهى أصبحت تغلق أبوابها مبكرًا، وبدت العروض أقل جاذبية، وفى محاولة لتناسى الحرب وضعت الصحف فى صفحاتها الأولى آخر أخبار ملوك الفن وملكاته، كانت المسارح التى تغنى «أم كلثوم» على خشبتها هى الوحيدة التى تمتلئ عن آخرها.
وقد أسهمت الإذاعة فى إذكاء حماس معجبيها فأصبحوا أكثر رغبة فى سماعها ومشاهدها، وتراوحت أعداد الحضور فى حفلاتها من ألفين إلى خمسة آلاف فأكثر.
ومازلت مع كتاب أم كلثوم كوكب الشرق لمؤلفته «إيزابيل صباح بوديس» التى تقول:
أحست أم كلثوم إنه فى أوقات الأزمات يجب عدم الإقلال من متعة الجمهور وبالتالى أطالت زمن حفلاتها وكانت فى نهايتها تنحنى برقة شديدة أمام جمهورها قائلة: معكم الليالى قصيرة للغاية!
كانت الساعة فى هذه الليلة تقارب الثانية صباحًا والجميع ساهر فى المسرح، أنسته أم كلثوم فى أربع ساعات كاملة كل شىء عداها.. تعالت الصيحات أنت لنا أنت لنا!!
وتروى المؤلفة ظروف فيلم «دنانير» لأحمد بدرخان وتقول:
أجمع النقاد على نضج موهبتها وحسن أدائها لدورها فى «دنانير» ولكن فضولها لمعرفة نبض الجماهير، جعلها تلتف فى ملاءة سيدة وتغطى وجهها بخمار أسود طويل لتسمع فى الخفاء كلمات استحسان معجبيها، وسمعت فى ظلام دار العرض ذات العبارة التى استوقفتها من قبل فى إحدى حفلاتها: هى لنا.. هى لنا قالها واحد وتبعه آخرون».
وكان الحديث عن إمكانية التعاون بين أم كلثوم وعبدالوهاب مازال دائرًا بل إنه كان هناك يقين بأنه قادم لا محالة، وحيال ما كان يدور فى هذا الصدد كانت «أم كلثوم» تكتفى بإيماءة نافية من رأسها.
كان الجميع يبحث عند أم كلثوم عما لا يجده فى مكان آخر توالت عليها العروض من كل البلاد الأعضاء فى جامعة الدول العربية، منحتها سوريا وسامًا وأقام لها لبنان الحفلات وعرض عليها العراق جولة فنية.
كانت أم كلثوم راغبة فى تلبية كل هذه الدعوات غير أن الإذاعة والسينما فى مصر كانتا هما أيضا تلاحقانها، اختارت أم كلثوم الأمل نهجًا لإشعار الضعفاء بالقوة وتغنت بكلمات أمير الشعراء أحمد شوقى:
وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
تحولت كلمات قصيدة «سلوا قلبى» لأحمد شوقى فى فمها إلى نشيد كفاح، وكثيرًا ما أثرت إلى القريبين منها شعورها بأن حفلاتها استحالت اجتماعات سياسية وعزت ذلك إلى كونها تنقل إحساس جمهورها.
أحست أم كلثوم بالقوة فقد كان شعبها إلى جانبها فلم تلق بالا إلى انتقادات الرقابة ولومها، طلب منها مجلس الإرشاد حذف جملة من قصيدة أحمد شوقى، «ولد الهدى» التى كانت بصدد غنائها منبهًا إياها أنه فى غير مقدورها قول: الاشتراكيون أنت إمامهم، فردت بأن حديثها هنا عن الرسول الكريم وأن هذا أمر لا يعنى السلطة ولا الملكية فى شىء، وانصاع مجلس الإرشاد فمن يمكنه الوقوف أمامها؟!
الله يرحمك يا ست الكل يا ثومة!