سلـف الكتـب
على مدار أكثر من أربعين عامًا دخلت فيها عالم القراءة لم يحدث أن استعار أحد منى كتابا وأعاده إلا مرة واحدة فقط ما زلت أتذكرها لتفردها، والحقيقة إننى لا أعلم ما السبب ومع الكتب تحديدًا، من يستعير كتابًا يعتبره ملكًا أو هبة ولا يعيده إطلاقًا، والأدهى من ذلك أن أغلب تلك المستعارة لا تتم قراءتها على الإطلاق، وكأن من يستعير يشعر بأن حياته لن تستقيم إلا بوجود هذا الكتاب ضمن مجموعته.
ولا أدرى أيضًا لماذا لا يقوم بشراء نسخة إن كان هذا الكتاب مهم له بالفعل لهذه الدرجة، وللعلم هذا يسرى أحيانًا حتى على الاستعارات من المكتبات العامة، فمن النادر أن يعيد المستعير الكتاب فى ميعاده، ربما يعود إلى تجديد مدة الاستعارة مرة ومرات حتى يعيده فى النهاية تحت ضغط عدم القدرة على استعارة كتاب آخر إلا بعد إرجاع ما لديه لأنه وببساطة قد وصل إلى الحد الأقصى لعدد الكتب المسموح به وهو أمر قد يختلف من مكتبة لأخرى طبقا لسياسة الاستعارة الخاصة بها.
لهذه الأسباب اعترف بأننى أحيانًا اخبئ بعض الكتب خوفًا من طلب استعارتها لاننى ببساطة لا استطيع أن أرفض هذا الطلب على الإطلاق ففى كل مرة اعتقد أن من يطلب الكتاب يحتاجه بالفعل وان ما سيقرأه سيكون مفيدًا له.
من إحدى المرات الفاصلة، أتانى أحد الأشخاص المصابين ببعض الاضطرابات النفسية وبعد العديد من النقاشات اقترحت عليه كتابًا مهما قد يكون مفيدًا له للتعرف على حالته بصورة أكثر وضوحًا، ما زلت أتذكر عنوان الكتاب «فى بيتنا مريض نفسى» للدكتور عادل صادق، وما زلت أتذكر مدى صدمتى عندما زرت هذا الشخص فى منزله بعد عدة أسابيع لأجده فى حالة نفسية سيئة والكتاب يقبع فى أحد أركان الغرفة تحت فنجان من الشاى الساخن.
لهذه الأسباب عقدت العزم على محاولة المناورة وفى حالة الفشل فإننى بعد أن أعير السائل الكتاب أتوجه لإحدى المكتبات لشراء نسخة جديدة لى.
منذ عدة ايام أعدت تذكر تلك المواقف وقارنته الكتب بأشياء أخرى قد يستعيرها الناس، للأسف كان أول ما جاء بذهنى هى «مخرطة الملوخية» وهى لمن لا يعرف/ عبارة عن أداة معدنية شبه دائرية يتم بها «خرط الملوخية» وتعجبت كم كانت تلك الآلة «مصانة» ويتم إرجاعها بعد أغلب حالات الاستعارة.
ثم حاولت أن اتبين السبب وراء ذلك فتوصلت إلى عدد من الملاحظات التافهة والتى ربما تستطيع أن تفسر الموقف، فالمخرطة لن تستعمل كل يوم، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض يملك هذا القولون الحديدى الذى يستطيع أن يحتمل الملوخية كل يوم، بالإضافة الى ذلك فإن مدة استخدامها لن يزيد على نصف ساعة فقط وتنتهى مهمتها، هذا بالإضافة الى أن المخرطة قد تكون مرتبطة بعدد آخر من الاكسسوارات الموجودة فى المنزل مثل طقم الشربات أو الأطباق الكبيرة أو حلل الطبخ.
أعرف أن البعض قد يقرأ هذا المقال ويتحدث عن حالات تطابق بين الكتب والمخرطة حدث أن خرجت فيها من المطبخ ولم تعد ولكن وفى جميع الأحوال فإن الإحصاءات تؤكد نجاح المخرطة فى الصمود أمام سطوة الكتب وسحر استعارتها بلا عودة.