الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من موائد الرحمن لتوزيع كحك العيد

كيف حوّل المصريون الإطعام من عادة إلى عبادة؟

لم تفلح الظروف الاقتصادية الصعبة فى إفقاد المصريين واحدة من أهم خصالهم وهى الكرم والجود، فحينما بدأ رمضان راهن الكثيرون على تراجع أعداد ما يُعرف بـ»كرتونة رمضان»، نظرًا لضيق الأحوال الاقتصادية، إلا أن المصريين ضربوا مثالًا رائعًا كعادتهم وأبهروا العالم بكرمهم فى إفطار «المطرية» وتوزيع الملايين من «شنط رمضان»، ليستكملوا روح الكرم بتوزيع «كحك العيد» على الأسر المتعففة، وذلك لإدخال السرور على قلوبهم.



تستطيع أن تشاهد بوضوح مدى التلاحم والتآخى بين المصريين فى شهر رمضان، ليس فقط بين المسلمين، فكم من مسيحى يشارك فى إطعام الطعام خلال رمضان بل وتجهيز موائد الرحمن، وصولًا إلى جمع الأموال لشراء «كحك العيد».

وبذلك يضرب المصريون مثالا فى تحويل العادة إلى عبادة، فمن أحب الأعمال إلى الله هى إطعام الطعام.

من جانبه قال الأستاذ الدكتور شوقى علَّام -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم: هناك علاقة وثيقة بين الإيثار والسعى فى مصالح الناس وقضاء حوائجهم، فالإيثار هو دافع الأفراد للسعى فى مصالح الناس وقضاء حوائجهم، وهو خلق من أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم، كان يربى عليه أصحابه، وقد ظهر هذا منذ بدايات ظهور الإسلام، وبعد الهجرة فقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة فى الإيثار والكرم عند تعاملهم مع المهاجرين».

وأضاف المفتى أن حب المجتمع المسلم وخاصة المصرى للكرم والإيثار والعطاء يعكس مدى حضور النموذج النبوى الموروث من رسولنا الكريم، فنجد طوائف كثيرة من المجتمع المصرى تجود بما تملك لتنفع به غيرها فى شهر رمضان وغيره.

سالشريف وخاصة فى هذا الشهر الفضيل، ولكن بلا إسراف أو تبذير؛ لأنه سلوك سلبى لا يليق بنا نحن المسلمين، فالأولى لمن يسرف ويبذر فى هذا الشهر أن ينظر إلى جيرانه وأقاربه وباقى الناس المحتاجين.

أما عن «كحك العيد» فقال المفتى إن هناك أمورًا محدثة لم تكن على عهد النبى صلى الله عليه وآله وسلم ولكنها موافقة للشرع ولأوامر النبي، وهى أمور مقبولة؛ وعندما نقرأ النصوص الشرعية مجموعة نخرج بأن البدعة المحرمة هى تلك البدعة التى تبطل أحكام الإسلام، أما ما تتوافق معها فتدخل فى دائرة السُّنة الحسنة، مستشهدًا بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من سَنَّ فى الإسلام سٌنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».

وردًّا على من يزعم أن كعك العيد بدعة قال فضيلته: صنع الكعك أو غيره من الحلويات فى العيد يعتبر من العادات الطيبة والمحببة. إنها بدعة حسنة، ما دام أنها لا تصل إلى حد الإسراف والتبذير. فهى تندرج تحت مفهوم إطعام الطعام وإدخال السرور على الأسرة، ومن يدعى بدعيته فهو كلام باطل يدل على جهل قائليه بالشرع الشريف، وضحالة فهمهم لمقاصده وأحكامه؛ فإنها أقوال مبتدعة مرذولة لم يَقُلْ بها أحدٌ من علماء المسلمين فى قديم الدهر ولا حديثه، ولم يُسبَق أصحابُها إليها، ولا يجوز العملُ بها ولا التعويل عليها.

كما شرح الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، معنى الحديث الشريف «من فطر صائمًا صلت عليه الملائكة فى ساعات شهر رمضان، وصلى عليه جبرائيل ليلة القدر»، وفى رواية أخرى «صافحه جبرائيل ليلة القدر، ومن صافحه جبرائيل يرق قلبه وتكثر دموعه».

وقال جمعة، إن الرسول الكريم يبين لنا جزاء الإحسان والأجر العظيم والفضل والبركة الكبيرة لمن أفطر صائمًا، مشيرًا إلى أن الملائكة تستغفر لكل من ساهم فى إفطار الصائم.

وذكر جمعة أن إفطار الصائم نراه بمصر فى مظاهر التكافل الاجتماعي، من خلال موائد الرحمن وإفطار المسافر على الطريق وغير ذلك من عادات يريد بها العباد ابتغاء الثواب، فتحولت البشرى النبوية إلى برنامج عملى يومى يستطيع فيه الإنسان تحصيل رضا الله واستغفار الملائكة.

الفاطميون

كان يخصص الخليفة الفاطمى مبلغ 20 ألف دينار لصناعة الكحك فى عيد الفطر، فكانت المصانع تتفرغ لصنعه بداية من منتصف شهر رجب، وملء مخازن السلطان به، وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه.

وكان الفاطميون يحرصون على إعداد «سماط» طاولة ضخمة طولها 1350 مترًا، ويوضع عليها 60 نوعًا من الكعك ومشتقاتها، وكان حجم الكعكة الواحدة فى حجم رغيف الخبز، حيث تم تخصيص إدارة حكومية أطلق عليها «دار الفطرة» وكانت تختص بعمل الكحك وكان يعمل بها أكثر من 100صانع كحك.

ومن أشهر من صنعت كعك العيد هى حافظة التى كانت تنقش عليه عبارات مختلفة مثل تسلم ايديكى يا حافظة أو بالشكر تدوم النعمة، ولم يكن يأكل منه إلا المحظوظون من ضيوف الخليفة.

ومن أفضل المظاهر على الإطلاق، أوقاف البر والإحسان التى كان يصرف من ريعها على صنع الكعك وتوزيعه على الفقراء فى عيد الفطر واليتامى، ومن أشهرها وقفية الأميرة نتر الحجازية والتى تقضى على توزيع الكعك الناعم والخشن على موظفى مدرستها التى أنشأتها عام 748هـ.