السبت 30 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«روزاليوسف» تنصف صدقى باشا!

«روزاليوسف» تنصف صدقى باشا!

رغم الحرب الشرسة التى شنها «إسماعيل صدقى باشا» رئيس الحكومة على «روزاليوسف» إلا أنه كان يحترم المجلة وصاحبتها، لكن هذه الحرب لم تمنعها من رؤية موضوعية له ولأعماله.



تقول السيدة «روزاليوسف»: لم أر صدقى طوال المدة التى قضاها فى الحكم، لكننى تعرفت عليه بعد ذلك بسنوات وعرفت فيه حينئذ رجلًا نادرًا فى صفاته الشخصية بغير شك، ذكيًا مجاملًا، دائم الابتسام، تصدر عنه الآراء الصائبة فى سهولة ويسر دون أن يكدح فى سبيل العثور عليها.

وكانت آخر مرة رأيته فيها حين ألف وزارته الأخيرة سنة 1946، وطفت معه بعض شوارع القاهرة والمظاهرات الصاخبة تحيط بثكنات الإنجليز وتريد الهجوم عليها، الاشتباك بين الإنجليز والمصريين ينذر  بالخطر، وكان «صدقى» قد تغير، لم يعد الجبار القديم الذى يلقى أقسى التعليمات بلا مبالاة، بل أصبح رجلًا شيبته التجارب وروضت الحوادث صلابته، فهو يلجأ للحيلة دون سواها ويحاول أن يكسب باللين قبل أن يكسب بالشدة ولكنه ظل إلى آخر لحظة فى حياته دائب النشاط، دائم التفكير، لا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها ويعلن رأيه صريحًا بلا مواربة، لم يكن كغيره من الزعماء الذين إذا خلعوا ثياب السلطان وانزووا فى بيوتهم ومثلوا أدوار الصمت الحكيم وهو فى الواقع صمت الفراغ والاستخذاء!

وتتذكر السيدة «روزاليوسف» بعض مظاهر الحيلة التى كان يلجأ إليها صدقى باشا وهو فى الحكم فيقول:

حدث أن قرر الوفد أن يخرج النحاس - زعيم الوفد - على رأس أعضاء مجلس النواب المنحل فى مظاهرة كبيرة تقتحم أبواب البرلمان وعلم صدقى بذلك فأطلق إشاعة قوية تقول إن البوليس سيقاومها بضرب النار وأن النية مبيتة على قتل النحاس شخصيًا وكانت النتيجة أن عدل الوفد عن هذا القرار، واكتفى بإرسال عريضة إلى الملك، وكان الناس يترقبون ما سيحدث فى ذلك اليوم وقد توترت أعصابهم إلى أقصى حد، فلما تمخص الموقف عن عريضة كانت خيبة الأمل بالغة!

وحاصر البوليس يومًا عنابر العمال فى السكك الحديدية ليخمد ثورتهم وقتل منهم الكثيرين ولكنه ظل عاجزًا عن اقتحام العنابر، إذ كان العمال يستعملون خراطيم المياه الضخمة فى إبعاد رجال البوليس، وأرسل البوليس إلى «صدقى» يخطره بهذا المأزق فقال ببساطة: اتصلوا بشركة المياه لتقطع عنهم الماء!!

وفى مرة ثالثة خرج النحاس على رأس رجال الأحزاب فى رحلة إلى طنطا وكان صدقى قد أمر بمنعهم من السفر ولكنهم استطاعوا أن يقتحموا المحطة ويركبوا القطار ودون أن يشعر أحد أمر صدقى ففصلت العربة التى يركبها «النحاس» عن سائر العربات وتحرك بها قطار خاص إلى منطقة نائية فى الصحراء وتركتهم هناك!!

ولجأ «صدقى» أيضًا إلى فرض ضرائب جديدة ليدعم بها الميزانية دون أن يشعر الناس بوطأته ففرض ضريبة الدمغة لأول مرة، وكان للصحفيين حق  السفر على السكك الحديدية مجانًا، فجعلهم يدفعون ربع الأجرة ولم يبال بغضبهم فى وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى قلم واحد يؤيده!

والعجيب أن ضرائب صدقى باشا كان الناس يقابلونها فى أول الأمر من غير امتعاض أو انزعاج وذلك لبساطة مظهرها وتواضع شأنها، فمن ضريبة الكبريت إلى ضريبة الكحول وضريبة الملاهى والناس لاهون غير متبرمين، حتى ضريبة الدمغة قابلها الموظفون - وأكثرهم من أصحاب الحرص الزائد - بغير احتجاج!!

وللذكريات بقية