«انتصار أكتوبر».. كيف هزم إسرائيل فى إفريقيا؟
أعد الملف - أحمد إمبابى
جنت مصر ثمار تعاونها وعلاقاتها مع الدول الإفريقية، ودعم حركات التحرر الإفريقية للاستقلال منذ خمسينيات القرن الماضى، خلال حرب أكتوبر المجيدة فى عام 1973، حيث وقفت غالبية الدول الإفريقية، مساندة وداعمة لمعركة التحرير المصرية، لاسترداد أرض سيناء، من المحتل الإسرائيلى.
وخلال الحرب، ظهر التضامن الإفريقى والعربى، مع الدولة المصرية فى حربها ضد العدو الإسرائيلى، بصورة جعلت من الانتصار المصرى فى أكتوبر 1973، بمثابة انقلاب نوعى، على مساعى إسرائيل للتواجد فى الساحة الإفريقية، وتجسدت صور الدعم الإفريقى لمصر، فى قطع غالبية الأشقاء علاقاتهم الدبلوماسية مع إسرائيل، ما مثّل هزيمة ونكسة للعدو الإسرائيلى فى إفريقيا.
وتعد حرب أكتوبر نقطة فاصلة فى تاريخ التواجد الإسرائيلى فى إفريقيا، حيث عقدت منظمة الوحدة الإفريقية، بعد اندلاع الحرب، بحضور 42 دولة إفريقية، واتخذت قرارات بفرض عقوبات على إسرائيل، تضمنت فرض حظر اقتصادى على “إسرائيل”، مع العمل على إقامة علاقات وثيقة للتعاون بين أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية.
ووقفت الدول الإفريقية والعربية، داعمة للدولة المصرية، فى معاركها لتحرير أرض سيناء، وتضمنت مظاهر الدعم أدوارا سياسية ودبلوماسية وعسكرية مهمة فى تحضير مصر للمعركة والحرب فى أكتوبر 1973، ثم فى المرحلة التالية للحرب، من خلال ممارسة الضغوط الدبلوماسية على المجتمع الدولى ودعم الموقف المصرى فى معركة تحرير أرض سيناء كاملة من المحتل الإسرائيلى، فى مواقف سجلها التاريخ بحروف من نور فى سجل العلاقات المصرية الإفريقية والعربية.
6 مواقف تاريخية
قبل حرب أكتوبر بسنوات، حظيت إفريقيا بأولوية فى اهتمامات السياسة الخارجية المصرية، وتحديدا بعد ثورة 23 يوليو 1953، وتبنت مصر خلال فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر، عددا من القضايا المهمة على الساحة الإفريقية فى هذه الفترة، أهمها: مناهضة الاستعمار الأوروبى، ودعم تحرر الدول الإفريقية، ومناهضة النظم العنصرية فى القارة، ورفض أشكال الاستعمار الجديد وأشكال الهيمنة والتبعية الغربية، والمساهمة الإيجابية والفاعلة فى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، حيث كان الرئيس عبدالناصر من الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية عام 1963.
وامتد التأثير المصرى لغالبية دول القارة، من خلال دعم القاهرة لحركات التحرير الإفريقية، فقد كانت مصر أول دولة فى العالم تقدم لحركات التحرير الأسلحة والتدريب العسكرى المناسب، وظهر الدعم أيضا بفتح مكاتب لحركات التحرير الإفريقى فى القاهرة، لإيجاد تواصل بين حركة التحرير الإفريقية وبين مصر ومع العالم الخارجى أيضا، وكانت مصر أول بلد فى العالم يتجمع فيه عدد كبير من المكاتب السياسية الإفريقية.
وخلال فترة حكم الرئيس أنور السادات، نستطيع أن ننظر لمسار العلاقات المصرية الإفريقية، خلال هذه الفترة بأنها فترة استثمار لنتائج سياسات وتأثير مصر بالقارة فى عهد جمال عبدالناصر، وظهر ذلك فى معركة التحرير المصرية واسترداد أرض سيناء من إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، واتخذت الدول الإفريقية مجموعة من المواقف التاريخية التى تدعم مصر فى حربها مع المحتل الإسرائيلي، وأهم هذه المواقف هى:
1- 8 دول تقطع علاقاتها مع إسرائيل
أول المواقف الإفريقية الداعمة لمصر فى معارك تحرير سيناء، كان بعد النكسة عام 1967، حيث نظر الأفارقة إلى إسرائيل بوصفها قوة احتلال تحتل أراضى إفريقية، فى وقت كانت مصر والدول العربية فى مقدمة الداعمين لحركات التحرر الوطنى الإفريقية.
من هذا المنطلق قامت 8 دول إفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل عام 1972، حيث قامت أوغندا بقطع علاقاتها مع إسرائيل، ثم تبعتها سبع دول أخرى هى تشاد ومالى والنيجر والكونغو وبوروندى والكونغو الديمقراطية وتوجو.
2- تحذير إسرائيل
ومع استمرار التعنت الإسرائيلى بعد النكسة، بدأت منظمة الوحدة الإفريقية تتخذ قرارات أكثر حزمًا ضد إسرائيل، وصولًا للقرار الذى اتخذته المنظمة فى مايو 1973، الذى تضمّن تحذيرًا رسميًا لـ “إسرائيل” بأن رفضها الجلاء عن الأراضى العربية المحتلة يعتبر اعتداء على القارة الإفريقية وتهديدًا لوحدتها، وأن الدول الأعضاء فى منظّمة الوحدة الإفريقية تعتبر نفسها مدعوّة لأن تأخذ منفردة أو بصورة جماعية أيّ إجراءات سياسية واقتصادية مناسبة لصد ذلك العدوان.
3- حظر اقتصادى على إسرائيل
ظلت الدول الإفريقية على موقفها الداعم للدول المصرية والدول العربية فى معاركها مع المحتل الإسرائيلي، حتى قامت حرب أكتوبر 1973، وظهر فيها التضامن الإفريقى مع مصر والعرب، خاصة فى منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، عندما عقدت منظمة الوحدة الإفريقية اجتماعًا استمر 3 أيام فى أديس أبابا حضرته 42 دولة إفريقية وعربية لمناقشة تأثيرات الحرب على إفريقيا، وانتهى الاجتماع بقرار المجتمعين الذين دعوا فيه جميع الدول الأعضاء فى منظمة الوحدة الإفريقية إلى فرض حظر اقتصادى على “إسرائيل”، ودعا البيان إلى إقامة علاقات وثيقة للتعاون بين أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية.
4- 20 دولة تقطع علاقاتها بعد أكتوبر 1973
نجحت الجهود العربية والإفريقية وقت حرب أكتوبر فى عزل إسرائيل، حيث قامت 20 دولة إفريقية بعد نصر أكتوبر 1973 بقطع علاقاتها مع إسرائيل، حيث كان لتل أبيب علاقات مع 25 دول إفريقية قبل الحرب، وفى يناير 1974، كانت فقط 5 دول التى مازالت على علاقة مع إسرائيل هي: جنوب إفريقيا، وليسوتو، ومالاوي، وسوازيلاند، وموريشيوس.
5- التصويت باعتبار “الصهيونية” حركة عنصرية
من المواقف التاريخية للدول الإفريقية وقت حرب أكتوبر، كان الحشد الإفريقى للتصويت على اعتبار “الصهيونية” حركة عنصرية، وجاء هذا القرار على المستوى الإفريقى وعلى مستوى الأمم المتحدة، حيث صوت رؤساء دول وحكومة منظمة الوحدة الإفريقية على القرار 77 (د-12) فى أغسطس 1975، الذى يعتبر “النظام العنصرى الحاكم فى فلسطين المحتلة والنظامين العنصريين الحاكمين فى زيمبابوى وجنوب إفريقيا وقتها، يرجع إلى أصل استعمارى مشترك، ولها هيكل عنصرى واحد، وترتبط ارتباطا عضويا فى سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته”.
كما دعمت الدول الإفريقية بقوة قرار التصويت على القرار الصادر من الأمم المتحدة رقم 3379 فى نوفمبر 1975، والذى يقر بأن “الصهيونية شكل من أشكال العنصرية”، وبتحليل السلوك التصويتى للمجموعة الإفريقية نجد أن الدول الإفريقية التى ساندت الموقف الإسرائيلى سواء بشكل حاسم أو غير حاسم تصل إلى 20 دولة.
6- أول قمة عربية إفريقية
خلال منتصف السبعينيات، وصلت العلاقات العربية الإفريقية لأعلى مستويات الشراكة والتنسيق، واتخذت القمة العربية فى الرباط 1974، قرارا بعقد مؤتمر قمة عربى إفريقى مشترك، ليمثل نقطة تحول فى علاقات التعاون العربى الإفريقي، وأثمرت هذه الجهود فى استضافة القاهرة فى مارس 1977 أول مؤتمر قمة عربية إفريقية، شارك فيه 65 دولة عربية وإفريقية، صدر عنه إعلان سياسى من 13 بندا، تعهدت فيه الدول العربية والإفريقية بتنمية علاقاتها على المستويين الثنائى ومتعدد الأطراف.
ومع مطلع الثمانينيات كانت “إسرائيل” قد خسرت القارة الإفريقية، وتقلّص تمثيلها الدبلوماسى إلى أقصى حد، حيث كان التقارب العربى الإفريقى عاملًا أساسيًا فى الحد من التغلغل الإسرائيلى فى إفريقيا، وهو ما أكده “آريه عوديد” الدبلوماسى الإسرائيلى فى إفريقيا فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، فى كتابه “إسرائيل وإفريقيا”، مشيرًا إلى التأثير المتراكم لقرارات منظمة الوحدة الإفريقية المعادية لـ”إسرائيل”، منذ 1970، كانت له نتائج خطيرة فى حرب أكتوبر 1973.