الزمن والنقد هما المعياران اللذان يفرزان الإبداع الحقيقى
منير عتيبة: المناخ الثقافى فى مصر غنى بالمبدعين وارتفاع أسعار الطباعة أثَّر سلبًًا على الحركة الأدبية
حوار- نسرين عبدالرحيم
منير عتيبة هو قاص وروائى وناقد وشاعر مؤسس ومدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية. رئيس تحرير سلسلة كتابات جديدة بالهيئة المصرية العامة للكتاب. مقرر لجنة السرد القصصى والروائى بالمجلس الأعلى للثقافة. رئيس تحرير سلسلة كراسات سردية بمكتبة الإسكندرية. صاحب مشروع «تقرير الحالة السردية المصرية» له كم كبير من الإصدارات، ترجمت أعماله إلى عدة لغات ودرست فى عدد من الجامعات المصرية والعربية حصد كما كبيرا من الجوائز والتكريمات أهمها جائزة الدولة التشجيعية وتكريم الهيئة الوطنية للإعلام.. التقينا به فى «روزاليوسف» ليدخلنا معه إلى عالمه عالم الشعر والأدب ولنلقى الضوء على الحركة الأدبية فى مصر فإلى الحوار..
● كيف اكتشفت أنك موهوب فى كتابة القصة؟ وهل لأسرتك دور فى تنمية تلك الموهبة؟
اكتشفت موهبتى منذ الصغر من خلال قراءتى للقصص وشغفى بالحكايات. بدأت أكتب قصصًا بسيطة فى المدرسة، وكان أساتذتى يشجعوننى، أسرتى كان لها دور كبير فى تنمية الموهبة، فرغم أننى ولدت فى أسرة غير قارئه إلا أنهم كانوا يشجعوننى على القراءة والمشاركة فى الأنشطة الثقافية.
أذكر أننى كنت فى الصف السادس الابتدائى عندما اقتنيت أول كتاب فى حياتى، كنت أشترى «لب» من دكان عم أسعد البقال، قطع غلاف كتاب ليصنع منه قرطاسا، قرأت عنوان الكتاب على غلافه الداخلى (عبقرية عمر.. عباس محمود العقاد)، قلت لعم أسعد: بكم تبيع هذا الكتاب؟ سألني: ماذا ستفعل به؟ قلت: سأقرؤه، قال: إن كنت ستقرؤه حقا فهو لك دون مقابل.
قرأت الكتاب كله فى أيام، واستمتعت به، وأصبح عباس محمود العقاد كاتبى المفضل فى ذلك الوقت، ولم أكن أعرف أن هذا الكتاب الذى كان مقررا على طلبة الثانوية العامة يعذبهم بصعوبته، ولم أكن أعرف أن العقاد هو أشهر كاتب مصرى حصل على شائعة إن كتاباته صعبة وعسيرة الفهم!
● ما هو مختبر السرديات وكيف جاءت فكرة إنشائه؟
مختبر السرديات هو مساحة ثقافية وأدبية تهدف إلى خلق منصة للتفاعل بين الأدباء والمبدعين فى مجال القصة والرواية. والمساهمة فى تعزيز الحركة الأدبية وتشجيع الكتابة السردية كفن حيوى، كما تهدف إلى اكتشاف وتقديم أصوات جديدة فى السرد والنقد، وفتح جسور التواصل بن المبدعين والنقاد فى مصر وخارجها.
أهميته تكمن فى كونه مساحة منفتحة للتعبير والممارسة الأدبية، حيث يمكن للشباب مناقشة أعمالهم مع نظرائهم ومع كتاب ذوى خبرة. كما يقدم فرصًا للتعلم المستمر من خلال الورش النقدية والمحاضرات التى تغطى تقنيات السرد وأساليب الكتابة.
● حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات.. ما أهميتها بالنسبة للكاتب؟
الجوائز مهمة للكاتب على المستوى المعنوى، فالتقدير مهم لكل من يعمل، كما أن مهنة الكتابة فى عالمنا معنوية فتأتى الجوائز لتقنع المحيطين بأن الكاتب لا يضيع الوقت والجهد والمال فى سبيل لا شىء، وإذا كانت قيمة الجائزة المادية كبيرة فهذا جيد أيضا. لكن فى كل الأحوال ليس على الكاتب أن يكتب من أجل الجوائز، أو يتوقف عن الكتابة لأنه لم يحصل على جائزة، أو يظن أن الجائزة هى ما تعطى عمله قيمته الحقيقية. فالجوائز حدث سعيد إن جاء وغير مؤسف إن لم يأت، لكنه مجرد حادث فى عالم كامل اسمه الإبداع.
● وما الذى يمثله لك أن تكون أديبا؟
سعادة، وعناء، رغبة دائمة فى المعرفة، ورغبة عارمة فى التعبير، إحساس بالإحباط عندما أجد ما بداخلى أجمل مما أكتبه، إحساس بالأمل عندما أكتب شيئًا جيدًا، العمل عند الكتابة 24 ساعة فى اليوم 7 أيام فى الأسبوع مستيقظا ونائمًا.
كيف يعرف الكاتب أنه موهوب؟ وكيف يتم صقل الموهبة؟
يكتشف الكاتب موهبته عندما يجد نفسه مستمتعًا بعملية الكتابة وعندما يشعر بأن ما يكتبه قادر على التأثير فى الآخرين. يتم صقل الموهبة بالتعلم المستمر، سواء من خلال القراءة العميقة أو المشاركة فى ورش الكتابة أو قبول النقد البناء.
● من هم أكثر الأدباء الذين تأثرت بهم؟ وأهم القصص والروايات التى أثرت فيك؟
تأثرت بالعديد من الأدباء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وطه حسين والعقاد وخالد محمد خالد وتوفيق الحكيم وأنيس منصور وعشرات غيرهم. من الروايات التى تركت فىّ تأثيرًا عميقًا «الحرافيش» لنجيب محفوظ و»رجال فى الشمس» لغسان كنفاني، و»موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، و»الأفيال» لفتحى غانم، و»مائة عام من العزلة» لماركيز، و»الحاج مراد» لتولستوى ومئات غيرها، فكل عمل أقرؤه يؤثر فى بشكل أو بآخر سواء أعجبنى أو لم يعجبنى.
● هل ترى أن المواهب الأدبية تراجعت فى ظل التكنولوجيا أم زادت؟
أعتقد أن التكنولوجيا ساهمت فى زيادة المواهب الأدبية من خلال توفير منصات النشر الإلكترونى وإتاحة الفرصة للكتاب الشباب للتواصل مع جمهور أوسع. لكنها فى الوقت نفسه قد تضعف جودة الإنتاج الأدبى إذا لم تُستخدم بوعى.
● هل المناخ فى مصر يشجع الأدب والأدباء؟
المناخ الثقافى فى مصر غنى بالمبدعين والمواهب، لكنه يفتقر أحيانًا إلى الدعم المادى والمعنوى الكافى. هناك حاجة إلى مزيد من المبادرات التى تحتضن الأدباء وتوفر لهم مساحات للنشر والتعبير.
● قدمت جميع فنون وأشكال السرد، ما هو أجمل الفنون من وجهة نظرك؟
أحب جميع أشكال السرد، لكن القصة القصيرة تظل الأقرب إلى قلبى. فهى تتطلب دقة وعمقًا فى التعبير عن فكرة أو حالة إنسانية فى مساحة صغيرة.
● الأدب السكندرى، هل له طابع خاص؟ كيف ترى الأدباء بالإسكندرية والمحافظات؟
الأدب السكندرى يتميز بطابعه الخاص بسبب تأثير المدينة الساحلية والثقافات المتنوعة التى تمر بها. أدباء الإسكندرية والمحافظات يمتلكون رؤى مميزة، وإبداعًا عظيمًا، لكن المركزية الثقافية فى القاهرة لا تشكل تحديًا كبيرًا للأدباء من المحافظات برغم أنها ليست بالقدر نفسه من القوة قبل ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، إذ كانت المركزية وقتها خانقة بما لا تتصوره الأجيال الجديدة.
● ما هى الجوائز العربية والدولية التى تقدم فى مجال القصة؟ وما هى أكثر الجوائز التى تعتز بها؟
من أهم الجوائز فى مجال القصة جائزة نجيب محفوظ، وجائزة البوكر العربية. أعتز بجميع الجوائز التى حصلت عليها، لكن جائزة الدولة التشجيعية فى القصة القصيرة جدًا لها مكانة خاصة فى قلبى لأنها أول جائزة رسمية تمنحها دولة عربية فى مجال القصة القصيرة جدًا وكنت سعيدًا أننى كنت أول من حصل عليها.
● كيف ترى ضوابط النشر؟
نشر الأدب يتم من خلال دور النشر التقليدية أو الإلكترونية، ويؤثر فى الإنسان من خلال تقديم رؤى مختلفة وتجارب غنية تساعده على فهم نفسه والعالم من حوله.
● هل أثر ارتفاع أسعار الطباعة على الحركة الأدبية؟
نعم أثر سلبًا على الحركة الأدبية، حيث أصبح النشر أكثر صعوبة على الأدباء الجدد، مما دفع بعضهم للجوء إلى النشر الإلكترونى كبديل.
● هل هناك من يدعى الموهبة؟
نعم، هناك من يدعى الموهبة، لكن الزمن والنقد الحقيقى هما المعياران اللذان يفرزان الإبداع الحقيقي.
● هل ترى أن عضوية اتحاد الكتاب وشروطها منصفة؟
شروط عضوية اتحاد الكتاب تحتاج إلى تطوير لتكون أكثر شمولية ودعمًا للأدباء الشباب ولمن ينشرون إلكترونيًا وليس ورقيًا، وقد تقدمت بمشروع منذ سنوات عندما كنت عضو لجنة الإنترنت بالاتحاد لقبول من ينشرون أعمالهم إلكترونيًا، لكنه لم ينفذ.
● هل تطمح أن تحول أعمالك إلى أعمال درامية؟
بالتأكيد، لدى طموح أن تتحول بعض أعمالى إلى دراما، لأنها قادرة على الوصول إلى جمهور أوسع ونقل رسائلى بطرق مختلفة.