خبراء: وعى الشعوب حائط الصد فى مواجهة مؤامرات هدم الدول من الداخل
محمود محرم
تعتبر محاولات إسقاط الدول من الداخل، أخطر التحديات التى تشهدها المنطقة العربية منذ عام 2011، إذ تعتمد هذه الاستراتيجيات على ضرب المؤسسات الوطنية وإضعاف الروح المعنوية للمجتمعات، ما يؤدى إلى خلق حالة من الفوضى تُفقد الدول قدرتها على التعامل مع الأزمات الداخلية والتحديات الخارجية، وأبرز مثال على ذلك ما حدث فى سوريا، التى باتت تعانى انهيارًا فى مؤسساتها نتيجة صراعات طويلة الأمد وانقسامات داخلية عميقة، أثرت بشكل كبير على استقرارها.
قال اللواء محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، والخبير الاستراتيجى: إن مخططات إسقاط الدول من الداخل مخطط طويل الأمد بدأ منذ التسعينيات، وظهرت آثاره جلية منذ عام 2011، حين اندلعت ما يسمى بثورات الربيع العربى، ويستهدف المخطط زعزعة استقرار الدول من بث الشائعات واستغلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وزرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد، ما يؤدى إلى إضعاف الدولة وإسقاطها دون الحاجة إلى التدخل العسكرى المباشر.
وأضاف فى تصريحاته لـ«روزاليوسف»: إن حماية الدول من هذه المخططات تبدأ من خلال وعى الشعوب، فالمواطن هو حائط الصد الأول أمام كل المؤامرات التى تحاك ضد الوطن، ما يتطلب توعية شاملة بخطورة المخططات الخارجية، وكيفية التصدى لها، وتحصين العقول ضد كل محاولات التضليل والتزييف وتسليط الضوء على التحديات التى تواجه الدولة، وشرح أبعاد القضايا الداخلية والخارجية بشكل واضح وموضوعى.
وشدد الغبارى على أهمية التمسك بالثوابت الوطنية، والمحافظة على الهوية الوطنية، وتعزيز الانتماء للوطن وأن هذه القيم تمثل ركيزة أساسية لحماية الدولة من الداخل، وتحول دون نجاح أى مخطط يسعى للنيل من استقراره، إضافة إلى الثقة فى القيادة السياسية باعتبارها عنصرا محوريا فى حماية الأوطان لأنه حين يثق الشعب فى قيادته، يتماسك الجميع فى مواجهة التحديات، ويتحول إلى جبهة واحدة قادرة على التصدى لأى تهديد.
وأكد أن القيادة السياسية لديها رؤية أعمق وأشمل للمخاطر التى تواجه الدولة، الأمر الذى يتطلب دعم الشعب لخطواتها وإجراءاتها، منوهًا إلى أن الأوطان لا تحمى فقط بالقوة العسكرية، بل بالوعى، والثقة المتبادلة بين الشعب والقيادة، والتمسك بالقيم الوطنية، وهذا التماسك المجتمعى الدرع الحقيقى الذى يحبط كل محاولات إسقاط الدول من الداخل.
وقال اللواء طيار أركان حرب الدكتور هشام الحلبى، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية: إن استهداف مكونات الدولة الداخلية يعد أحد الأساليب التى تستخدمها القوى الخارجية لإضعاف الدول من الداخل لأنه لا توجد دولة تتكون من عرق واحد أو ديانة واحدة، ويتم استغلال هذا التنوع العرقى والدينى داخل المجتمعات لإثارة الصراعات التى تؤدى إلى هدم الدول من الداخل.
وأكد لـ «روزاليوسف» أن هذا المخطط عادة ما يكون طويل الأمد، ويستهدف أجيالًا جديدة منذ الصغر بهدف التأثير عليها وتضليل وعيها بشكل يهدد تماسك الدولة، مشيرًا إلى أن حماية الدول تبدأ من تعزيز الوعى لدى الشعوب، وأن يكون مستمرًا وشاملًا ومناسبًا لجميع فئات المجتمع، كما أن أى جهود لتعزيز الوعى يجب أن تكون علمية ومبنية على أسس واضحة، بعيدة عن العبارات الإنشائية، التى لا تسهم فى تكوين إدراك حقيقى بآليات الهدم وكيفية مواجهتها.
وأضاف: تقديم المعلومات والحقائق بأسلوب بسيط وسهل الفهم يعد أمرًا ضروريًا لضمان وصول الرسائل إلى مختلف شرائح المجتمع، لافتا إلى أن هناك أهمية للإجابة عن تساؤلات المواطنين من خلال منصات متعددة، مثل: الحوار الوطنى ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، الذى يلعب دورًا رئيسيًا فى مواجهة الشائعات وكشفها أمام الجميع، فضلًا عن دور الإعلام فى تعزيز الوعى المجتمعى من خلال تبنى أساليب تواصل مبسطة وفعالة، خاصة أن مسئولية بناء الوعى تقع على عاتق الجميع، لأنها السبيل الأول لحماية الأوطان من أى محاولات استهداف داخلية أو خارجية.
من جانبه، أكد الدكتور مختار غباشى، نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن إسقاط الدول من الداخل منذ عام 2011 ما زال مستمرًا وكان آخرها ما شهدناه فى سوريا، مشيرًا إلى أن انهيار الدولة السورية جاء نتيجة غياب التوافق بين الجيش ومؤسسات الدولة، بالإضافة إلى غياب الوعى الذى سمح بتدخل قوى خارجية دون أن تتمكن القيادة السورية من إيقاف هذا التدخل أو تقديم حلول جذرية للأزمة.
وقال غباشى لـ«روزاليوسف»: إن حماية الشعوب لدولها تعتمد بشكل رئيسى على التلاحم الوطنى والوعى الجماعى بأهمية استقرار الدولة ووحدتها. التاريخ يثبت أن الشعوب الواعية والقادرة على التصدى للتحديات تلعب دورًا محوريًا فى صون أوطانها من المخاطر الداخلية والخارجية، مشيرًا إلى أن حماية الدول تبدأ بترسيخ قيم الانتماء والولاء للوطن، ويتحقق ذلك من خلال بناء الوعى المجتمعى والتماسك المجتمعى الذى يعد السد المنيع أمام أى محاولات لبث الفرقة أو زعزعة استقرار الدول.
وتابع: الشعوب تعد خط الدفاع الأول عن أوطانها فى مواجهة الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو أمنية، بالإضافة إلى تعزيز المشاركة المجتمعية فى القضايا الوطنية لأنه يدعم مناعة الدولة أمام التحديات، لافتًا إلى أن الشعوب الواعية والمثقفة تعد الحصن الحقيقى لأى دولة، وأن قوة الدولة لا تقاس فقط بقوة جيوشها أو مواردها الاقتصادية، بل أيضًا بمدى وعى وتكاتف شعبها للحفاظ على استقرارها وتنميتها.