الأحد 26 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«اللاجئان» غرفة تجاوزت حدود الوطن

تجربة ملهمة فى المسرح والسينما تعثرت بين المنع والإتاحة عاشا الأخوان ملص فى هجرة طويلة خارج بلديهما الأم «سوريا» إلى أن شاءت الأقدار وعادا مؤخرًا إلى أرض الوطن ليعيدا معًا بين جمهورهما تقديم عرض «اللاجئان» الذى سبق وأن قدماه ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية، وهو عمل مسرحى قدم فى عرضه الأول بفرنسا البلد الذى عاشا فيه الأخوان بعد هجرتهما من سوريا كـ«لاجئين» يستعرضان خلال هذا العمل رحلة اللجوء والصعوبات التى يواجهها اللاجئ خارج وطنه الأصلي..عن تلك الصعوبات ومسرح الغرفة الذى انطلق من غرفة منزليهما بسوريا مهاجرًا إلى فرنسا قال الأخوان أحمد ومحمد ملص فى لقاء خاص مع «روزاليوسف» ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية:



نحن الأخوان أحمد ومحمد ملص نتذكر أنه فى يوم 17 فبراير من عام 1997 شاهدنا أول عرض مسرحى للمخرج حاتم على- رحمه الله- بعد هذا العرض مباشرة قررنا أن نصبح ممثلين، تأثرنا وقتها بتجربة المسرح هذا الطقس الفنى الساحر، خاصة أنها كانت أول مسرحية نشاهدها فى حياتنا وكان عمرنا وقتها 14 عاما.. ثم بدأت رحلتنا بالتفكير.. كيف سنصبح ممثلين؟ قمنا بعدة محاولات رغم أن الأمر لم يكن سهلًا فى سوريا على الإطلاق، كان لدينا معهد للمسرح تابع للدولة.. قدمنا فيه عدة مرات لم يقبلونا، ثم تم افتتاح معهد خاص مع نائلة الأطرش هذه السيدة من أهم من درب ممثلين بسوريا، حيث تخرج على يديها  كل من تيم الحسن، جمال سليمان، باسل الخياط، أمل عمران، وياسر عبد اللطيف، درسنا معها بمعهد أورننيا قسم التمثيل.

ويضيفان: فى عام 2009 قررنا أن نقوم بمغامرة بتحويل غرفتنا بالمنزل الذى نسكن فيه بسوريا إلى خشبة مسرح..  كتبنا نصًا وحاولنا عرضه على مسرح القبانى أو الحمرا، لكن طلبنا قوبل بالرفض، كنا نحتاج إلى موافقات أمنية، كما أننا لا يمكن أن نعرض على هذه المسارح دون أن نكون تابعين لمديرة المسارح والمؤسسات، وقتها اتخذنا قرارًا جريئًا أن نقدم مسرحًا بغرفتنا، حصلنا على موافقة والدى ووالدتى ثم قمنا بتوزيع ولصق ورق بالطرقات نعلن فيه عن أول عروضنا لمدة 10 أيام ببيت الأخوين ملص بالعدوى خلف وزارة النفط وكتبنا رقم الهاتف، كان الحجز عن طريق الاتصال بالموبايل.

ويضيفان: اكتشفنا أن العرض انتشر انتشارًا خارقًا لم نتوقع هذا الانتشار على الإطلاق، شهد إقبالا جماهيريا عجيبًا، كان تأليفنا وإخراجنا نحن الاثنين، تدور أحداثه فى مكان واحد بإضاءة ثابتة إضاءة الغرفة، وامتد العرض من 10 أيام إلى 175 ليلة عرض متواصلة، حتى أننا رشحنا لدخول موسوعة جينيس كأصغر خشبة مسرح بالعالم، الجمهور يجلس على الأريكة بالمنزل ويتسع الجلوس إلى 15 فردًا، لكن الدولة لم تستقبلنا عندما رشحنا لموسوعة جينيس كنا نحتاج إلى تمويل حتى يأتوا لقياس المكان، رفضت مديرة المسارح أن تدعمنا ووقفت وقتها ضد ترشحنا. 

   ويواصلان.. قدمنا العرض بالمنزل وخارج المنزل ثم عرضنا فى مصر بمقر فرقة الورشة للمخرج حسن الجريتلي، وقدمناه فى مسرح جاليرى دعاء علي، ثم عرضنا فى متجر قريب من مقهى التكعيبة، حصلنا على جائزة بمهرجان المسرح الحر بالأردن جائزة لجنة التحكيم، بعد أن نجح العرض وجدنا أن هذا الشكل من المسرح أصبح يخصنا وتميزنا به، وبالتالى قررنا تكرار التجربة فى أكثر من عرض جديد قدمنا عرضًا بعنوان «أنا وحالى لحالى»، و«كل عار وأنت بخير» و«الثورة غدا تؤجل إلى البارحة» ضمن أحداث الثورة فى سوريا، لكن دخلنا السجن بعد المشاركة فى تظاهرات بسوريا، داخل السجن عرضنا هذا العمل وكانت مفاجأة وقتها أن نرى رد فعل الأمن علينا الذين يرفضوننا أصبحوا يقبلوننا بالمسرح، فى البداية أرادوا إيقاف العرض لكن بعد أن شاهدوا العمل أحبوا المسرحية، كانت أول مرة يشاهدون فيها مسرحًا داخل السجن، كان شعورا رائعا أن نرى سحر المسرح عليهم وهم يكسرون الجدار الرابع دون أن يشعروا بذلك.

وتابعا: خرجنا من السجن وبقينا فى الشام فترة ثم اعتلقوا أصدقائى وبعد أن اعترفوا علينا اضطررنا للهروب إلى لبنان، وبعد شهر فى لبنان كان لا بد أن نترك سوريا تمامًا، ذهبنا إلى مصر عشنا بها لمدة عام، ثم من مصر سافرنا إلى فرنسا.. تعلمنا اللغة الفرنسية ثم قدمنا عرض «اللاجئان» بنسختيه العربية والفرنسية واليوم نعيده للمرة الـ50.. طوفنا به فى مدن فرنسية عديدة، فى البداية قدمنا عرضًا باللغة العربية كنا نشعر بعدم تواصل الجمهور معنا بشكل جيد لذلك قررنا تعلم الفرنسية وتقديم العمل باللغة الفرنسية لأننا نعيش فى بلد من المهم اتقان التواصل مع جمهوره، قدمناه فى 2017 عرضنا فى أكثر من مكان وبلد، انتقلنا به فى مدن فرنسية ثم العراق واليابان، «اللاجئان» يتناول قضية اللجوء عن فكرة لكاتب بلولونى اسمه المهاجرين أو المهاجران، وقدمنا قضية مهاجرين يعيشان تحت الأرض فى باريس مدينة الأضواء بينما نحيا فيها تحت الأرض، الاثنان لا يجمعهما شىء سوى فكرة اللجوء هما من منطقتين مختلفتين الجنوب والشمال، القدر جمعهما فى العرض يعيشان فى حالة من الحنين للأهل فقدان الأهل والوطن والحبيب، يعيشان صراعات كثيرة قد تبدو للآخرين بسيطة بينما هى فى الواقع صعبة على من يضطر العيش فى مجتمع ونظام غير مجتمعه فهما مصابان بالاكتئاب لعدم تمكنهما من الانسجام مع عادات وتقاليد ونظام اجتماعى لا يشبههما على الإطلاق، العرض يحمل نقدًا حادًا لفرنسا، فرنسا منحتنا الكثير لكن وضع اللجوء فى حد ذاته مؤلم، نحن نضطر لتعلم لغة جديدة والانسجام مع نظام وحياة لا تشبهنا، الانتقاد الأكبر أن تصبح لاجئًا، النقد لكل الكوكب لماذا هناك لاجئون على وجه الكرة الأرضية؟، الأكل والحياة والطقس لا يشبهنا، المشكلة ليست فى فرنسا، المشكلة ما حدث معنا، محمود درويش يقول جملة عظيمة: إذا أعادوا لى المقاهى من يعيد لى الرفاق؟!

وأكملا: قدمنا عروضًا مع مخرجين فرنسيين، لكن نقدم تجربتنا معًا انطلاقًا من تجربتنا التى بدأت بمسرح الغرفة، العمل دائمًا مبنى على اثنين معًا فى غرفة واحدة، هذا المشروع دائم وقائم على غرفة وممثلين نكتب ونخرج العمل معًا، لكن عروضنا الأخرى مختلفة تمامًا، لنا أيضا تجربة فى السينما قدمنا أكثر من فيلم قصير عن أشياء تشغلنا وتهمنا لأننا نحب أن نكون أصحاب المشروع خاصة إذا كان هناك شيء نريد قوله، قدمنا معًا فيلمًا بعنوان« أحدنا غادر الصورة» بمنطق الغرفة أيضًا، ثم فيلم «من سيلقى التراب يا أبى» نحكى قضيتنا من خلال هذه المشاريع حتى نكون جزءًا منها ونرويها كما نريد سواء من خلال المسرح أو السينما، هذا بجانب مشاريعنا الأخرى المشتركة مع مخرجين وممثلين آخرين، حيث شاركنا بالعديد من التجارب مع فرنسيين، قدمنا عرضًا مهمًا بعنوان «حدود العالم» مع مخرج فرنسى، عرض غنى بالتمثيل والرقص والموسيقى وألعاب السيرك وشارك به عدد من الممثلين من المغرب والبرازيل، كانت تجربة مهمة للغاية، والكثير من التجارب الأخرى بعيدة عن تجربتنا الخاصة والتى سوف نستمر بها، ولدينا مشاركات بمهرجانات فى دول عربية وأوروبية سواء بعروضنا المسرحية أو الأفلام  نعمل بهذه الطريقة فى عروضنا الخاصة لأننا نتمرد على الإنتاج حتى لا يقرر لنا الإنتاج ما الذى يجب أن نفعله، نكتب عادة بصعوبة، مسرحياتنا تحمل قدرًا كبيرًا من التقشف، فالممثل هو المهم، نتمرد على تحكمات الإنتاج حتى لا يصبح أمامنا عائق فى تنفيذ ما نريد، قدمنا عرض فيلمنا «من سيلقى التراب يا أبى» بمهرجان كرامة بالأردن، وبعد مشاركتنا بالمهرجان قررنا دخول سوريا وتقديم عرض «اللاجئان» على خشبة مسرح القبانى لكن كنا نحتاج إلى موافقة أمنية، بينما انتقل العرض إلى مسرح الخيام المقابل لمسرح القبانى بعد أن قررنا العرض بالطريق لكن بسبب تكدس الجماهير عرضنا داخل المسرح وحضر العرض حوالى 450 شخصًا انتقلوا إلى مسرح الخيام ويعد هذا أول عرض لنا بسوريا بعد 13 سنة من الغياب!.