الأحد 2 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الشعب بنيان مرصوص خلف القيادة: لا حياد ولا تنازل

قوتنا فى وحدتنا

الشعب بنيان مرصوص خلف القيادة: لا حياد ولا تنازل

ستظل مصر كبيرة.. بتاريخها وحاضرها، بشعبها وقيادتها، بمواقفها الرسمية والشعبية. تراكم الخبرات، فى مواجهة التحديات، عزز من قدرتها على تحويل المحن إلى منح، تزداد معها صلابة الشعب وينجلى ليزداد معدنه النفيس بريقًا.



قوتنا فى وحدتنا. كالبنيان المرصوص، يقف الشعب المصرى خلف قيادته السياسية، فى لحظات تاريخيّة فاصلة، دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، وحفاظًا على محددات الأمن القومى المصرى والعربى.

اصطفاف وطنى، مصر حكومة وشعبًا: لا للتهجير، لا للمساس بالتراب الوطنى، لا خيار للسلام إلا حل الدولتين، بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967، ثوابت راسخة فى الضمير الوطنى المصرى، لا مساومة عليها أو تراجع عنها.

لم تمر ساعات على تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، على متن طائرته الرئاسية، مبديًا رغبة فى استقبال مصر والأردن للفلسطينيين، بزعم أن تدمير القطاع يستحيل معه الحياة، حتى جاء الرد المصرى رسميًا وشعبيًا: التهجير مرفوض ولا بديل عن حل الدولتين.

رسميًا: وبلسان مصرى مُبين وعبارات واضحة لا تقبل التأويل قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال المؤتمر الصحفى المُشترك بقصر الاتحادية مع الرئيس «وليام روتو» رئيس جمهورية كينيا: توافقنا فى الرؤى حول تطورات القرن الإفريقى والبحر الأحمر، وما يواجهه من مخاطر، ولا يمكن فصله عن العدوان الإسرائيلى فهو سبب رئيسى فى التوترات الأمنية.

وشدد الرئيس السيسى: «ثوابت الموقف المصرى التاريخى لا يمكن الحياد عنها أو التنازل عن تلك الثوابت، التى تشمل إقامة الدولة الفلسطينية والحفاظ على مقوماتها شعبًا وإقليمًا، وذلك بما يتردد عن التهجير».

وهنا يزيد الرئيس موقف مصر الرسمى تأكيدًا: «لا يمكن أبدًا التساهل أو قبول المساس بالأمن القومى المصرى. نعمل مع الرئيس ترامب من أجل السلام ونرى أن الرئيس ترامب قادر على تحقيقه». 

ما نراه وأكدناه أن السابع من أكتوبر 2023، إفرازات سنوات لم تقدم خلالها حلولٌ جذرية للمشكلة، فينفجر الموقف كل عدة سنوات، والحل الجذرى لهذه القضية حل الدولتين، بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967.

وبكل وضوح شدد الرئيس عبدالفتاح السيسى: «هذه حقوق تاريخيّة لا يمكن تجاوزها»، ويقول الرئيس لكل من يتابعه: هذا ليس رأيى بل الرأى العام العالمى وليس العربى والمصرى فقط، الجميع يرى أن هناك ظلمًا تاريخيًا وقع على الشعب الفلسطينى، ولن يكون الحل بإخراج هذا الشعب من أرضه، بل أمن وأمان الشعب الفلسطينى والإسرائيلى فى حل الدولتين.

ويستدل الرئيس السيسى بما رأيناه بعد 15 شهرًا من العدوان «عودة الشعب على الركام»، وهنا يذكّر بتحذيرات مصر السابقة من أن يكون ما يُرتكب من عدوان هو محاولة لجعل الحياة مستحيلة لتهجير الشعب الفلسطينى.

ويتساءل الرئيس فى خطاب موجه لمن يظن أن التهجير يمكن أن يكون حلًا، بفرضية نظرية: «ماذا أقول للرأى العام المصرى.. الموافقة معناها عدم استقرار للأمن القومى المصرى والعربى».

وبكل وضوح يقول الرئيس عبدالفتاح السيسى: «مهم من يسمعنى يدرك أن هذه أمة لها رأى سواء كنت موجودًا فى مكانى أو غير موجود.. نكبة التهجير لن تتكرر مرة أخرى، تهجير الشعب الفلسطينى ظلم لن نشارك فيه».

موقف مصر الرسمى والشعبى واحد: «تهجير الشعب الفلسطينى ظلم لن نشارك فيه.. وإذا طلبت من الشعب المصرى هذا الأمر سيخرج يقول لى لا تشارك فى ظلم». 

قبل هذه التصريحات الرئاسية بالغة الأهمية، كانت وزارة الخارجية أكدت المعنى ذاته فى بيان بالغ الأهمية أكدت فيه تمسك مصر بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، مشددة على أنها تظل القضية المحورية بالشرق الأوسط، وأن التأخر فى تسويتها، وفى إنهاء الاحتلال، وعودة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطينى، هو أساس عدم الاستقرار فى المنطقة.

وأعربت مصر عن استمرار دعمها لصمود الشعب الفلسطينى على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة فى أرضه ووطنه، وبمبادئ القانون الدولى والإنسانى، مشددة على رفضها المساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً بشكل مؤقت أو طويل الأجل.

ذلك الموقف الرسمى المشدد على أن التهجير يهدد بتنامى الصراعات فى المنطقة وتقويض فرص السلام والتعايش بين الشعوب، شهد اصطفافًا شعبيًا تامًا، ظهر فى ما صدر من بيانات رسمية وتحركات فعلية، للقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى، والمفكرين والمثقفين وجموع الشعب المصرى.

فنواب الشعب المصرى برئاسة المستشار حنفى جبالى، بعث برسائل قاطعة، فى مقدمتها رفض شعب مصر للتهجير، واصطفافه خلف قيادته السياسية، مؤكدًا: أن «القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع جغرافى بل قضية شعب يناضل من أجل حقوقه المشروعة».

وأن أطروحات نقل الفلسطينيين لا تقتصر على تهديدات الفلسطينيين وحدهم بل تمثل خطرًا جسيمًا على الأمن والاستقرار الاقليمى، مشددًا على أن «تهجير الفلسطينيين يعنى احتمالية نقل الصراع إلى أرض أخرى بما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على المنطقة بأثرها».

الحل الوحيد لتحقيق السلام هو تنفيذ حل الدولتين الذى يضمن للشعب الفلسطينى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وبات رأيًا عامًا دوليًا.

ومن مجلس النواب إلى النقابات المصرية، مهنية وعمالية، فقد أعربت عشر نقابات مصرية، ومجلس أمناء الحوار الوطنى، واتحاد القبائل العربية، وتنسيقية شباب الأحزاب، والأحزاب المصرية وقادة الرأى والمفكرون عن موقفهم الداعم لثوابت القضية الفلسطينية والموقف الرسمى المصرى.

الموقف الرسمى المصرى تعبير دقيق عن الضمير الوطنى وموقف كل مواطن مصرى، ومن ثم التلاحم هو سر قوتنا، والضمانة الوحيدة لمواجهة التحديات التى تتعاظم، وتعزيز مناعة الدولة وصمودها على مواقفها.

منذ اللحظة الأولى لاندلاع العدوان الأخير على قطاع غزة أكتوبر 2023، ومواقف مصر واضحة وحاسمة، متجذرة بعمق الصراع العربى الإسرائيلى ما قبل العام 1948.

مرارًا وتكرارًا أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن القضية الفلسطينية جزء من ضمير الأمة المصرية. معبرًا عن مصر الدولة شعبًا وقيادة ومؤسسات. شدد الرئيس فى قمة القاهرة للسلام أكتوبر 2023 على أن «تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث وفى كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبدًا». 

مصر على قلب رجل واحد، فى الدفاع عن خطوطها الحمراء، كالبنيان المرصوص قيادة وشعبًا ومؤسسات، لا تزيدها الضغوط إلا صلابة وتلاحمًا ومقاومة، لأى محاولة للمساس بأمنها القومى وثوابتها القومية والعربية، ومن لا يُدرك ذلك عليه مراجعة التاريخ.

أمن مصر القومى خط أحمر، وتصفية القضية الفلسطينية خط أحمر، تصدت مصر لمؤامرات التهجير، وحرب الإبادة والتجويع، التى تعرض لها الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، وراهنت منذ اللحظة الأولى على صمود الشعب الفلسطينى، والتشبث بجذوره الضاربة بعمق التاريخ فى وطنه.

قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى بيقين : «يخطئ فى فهم طبيعة الشعب الفلسطينى، من يظن أن هذا الشعب الأبىّ الصامد راغب فى مغادرة أرضه حتى لو كانت هذه الأرض تحت الاحتلال أو القصف». 

وقد أثبتت الشهور الأربعة عشر، التى نفذ فيها الاحتلال الصهيونى أبشع جرائم الحرب والتجويع والإبادة الجماعية وقتل الإنسان وهدم البنيان، أن شعب فلسطين صامد وغير قابل للانكسار، لن يسمح بغير البقاء فى أرضه أو أن يوارى الثرى فى ترابها المُعطر بدماء عشرات الآلاف من الشهداء.

موقف السلطة الفلسطينية وجميع فصائل المقاومة وجامعة الدول العربية ثابت، رافض للتهجير، متسق مع موقف مصر والأردن الرافض للتصريحات الأخيرة التى تمثل ردة على الأمل الذى دفع الشعب الفلسطينى فى سبيل تحقيقه أثمانًا باهظة: مئات الآلاف من الشهداء، بينهم 47 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف مصاب فى العدوان الصهيونى الأخير على قطاع غزة، نحو 70% منهم أطفال ونساء وشيوخ.

الرأى العام الدولى بات على يقين بعد ما شاهده من جرائم الإبادة الجماعية الصهيونية، من أنه لا سبيل للسلام إلا من خلال تنفيذ حل الدولتين، ليمنح الشعب الفلسطينى الحق فى الحياة.

فقد أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أن موقفها لم يتغير وأى نقل قسرى للسكان فى قطاع غزة غير مقبول، وهو ما أكده أيضًا المستشار الألمانى أولاف شولتس، الذى شدد على رفضه للتهجير وأنه لا حل سوى تنفيذ حل الدولتين، محذرًا مما سماه «تبديد الأمل الهش فى السلام».

وبالأمس وخلال المؤتمر الصحفى الرئاسى المشترك، أكد الرئيس وليام روتو، تمسك ودعم جمهورية كينيا لحل الدولتين، وحق الشعب الفلسطينى وعاصمتها القدس الشرقية، مشددًا على تمسك كينيا بتعزيز العلاقات مع مصر، والتى رفعت لمستوى العلاقات الاستراتيجية الشاملة وشهد الرئيسان توقيع ١٢ اتفاقية تعاون فى جميع المجالات.

من المرتقب استقبال الرئيس ترامب لنتنياهو بالبيت الأبيض 4 فبراير، ومؤكد سيشهد هذا اللقاء مراجعة لأثر تصريحات التهجير، والموقف المصرى والأردنى، والخيارات البديلة لتحقيق مصالحهم.

قبل تصريحات الرئيس السيسى خرجت بعض الأبواق المغرضة تبث الشائعات للتشكيك، وغدًا الجمعة قوافل شعبية تتجه إلى معبر رفح مرافقة لمساعدات إنسانية، فى تماهٍ تام بين الموقف الرسمى والشعبى.

ليكن الدرس لكل مواطن مصرى، وعربى الحذر من مثيرى الفتن، ومروجى الشائعات، والتشبث بالثوابت الوطنية، والاستعداد لجميع السيناريوهات، فالمؤامرات لن تتوقف، وعلى الفصائل الفلسطينية هى الأخرى التوحد فى مواجهة أخطر التهديدات المصيرية.

وهنا يجب تضافر الجهود:

- وزراء الخارجية العرب يواصلون بناء رأى عام دبلوماسى عالمى داعم للحق الفلسطينى وحل الدولتين.. انطلاقًا من أن المادة ٤٩ من اتفاقية جنيف تحظر بشكل قاطع النقل القسرى الجماعى أو الفردى للأشخاص المحميين من الأراضى المحتلة.

ويصنف نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية فى مادته ٨ التهجير القسرى كجريمة حرب تستوجب المحاكمة.

- النقابات المهنية تتواصل مع الاتحادات الدولية وتعرب جميعها عن موقف ثابت. اتحاد الصحفيين العرب ونقابة الصحفيين المصريين تخاطب اتحادات الصحافة الدولية والقارية، واتحاد المحامين العرب وكذا الأطباء وكل الاتحادات المهنية والعمالية.

- اتخذ البرلمان المصرى خطوات فاعلة وسريعة، تستوجب أيضًا تحركات جماعية للبرلمان العربى فى التواصل مع الكونجرس الأمريكى ومختلف التكتلات البرلمانية.

- تكثيف جهود تثبيت الهدنة، وحشد رأى عام دولى لدعم الوصول إلى وقف دائم لإطلاق للنار مع تكثيف جهود الإغاثة وخطط إعادة الإعمار.

- مع فشل الخطة الثانية لمؤامرة التهجير تحت وطأة جرائم الحرب، بفضل الله وصلابة موقف مصر والأردن، وصمود الشعب الفلسطينى، جاءت المحاولة الثانية بمزاعم أن القطاع مدمر، ومن ثم لا نستبعد أن تكون هناك خطط بديلة لتحقيق ذات الأهداف، ويبقى التعاون من أجل إحلال السلام هو الخيار الأكثر قابلية للتحقق.

حفظ الله مصر وشعب فلسطين والأمة العربية..