عصام عبد الجواد
الملاذ الآمن
مصر بلد به ما يقرب من 120 مليون نسمة يقيمون جميعًا على أرضه، وهى فى مرحلة نمو اقتصادى الذى ظل أكثر من 30 عامًا فى حالة ترهل شديدة، وطوال تاريخها خاضت كل أنواع الحروب، ومع ذلك هذه الدولة التى تعانى من نقص فى مواردها ويعيرها البعض بفقرها واقتراضها من صندوق النقد هى فى الحقيقة سفينة نوح العصر الحديث، فرغم الفقر وقلة الموارد إلا أن أكثر من 20 دولة فى العالم العربى والإفريقى والأجنبى الذين دمرت بلدانهم الحروب والنزاعات العرقية لم يجدوا حضنًا دافئًا وملاذًا آمنًا غير مصر.
فمصر البلد الفقير هى بلد الأمن والأمان لأكثر من 7 ملايين سودانى لجأوا إلى مصر بعد انداع الحرب بين الجيش والدعم السريع وأكثر من مليون ونصف المليون سورى وأكثر من مليون يمنى وحوالى أكثر من مليون ونصف المليون من ليبيا والعراق ولبنان وتشاد ومالى وحتى إثيوبيا جميعهم لم يهربوا إلى أوروبا أو الخليج أو إلى أمريكا بل جاءوا إلى مصر التى فتحت ذراعيها لأنها آمنة جدًا تستقبل بكل ترحاب من يلجأ إليها ويدخلها آمنًا مطمئنًا ولأنها كذلك فى رباط إلى يوم الدين.
والتاريخ شاهد على ذلك، ففى كل العصور نجد مصرهى الملاذ الآمن لكل غريب، حتى أن مصر فى مطلع القرن الماضى كانت ملاذًا آمنًا أيضًا للعديد من الجنسيات الأوروبية الذين عاشوا فى مصر على أرضها وتحت سمائها هربًا من الحروب الطاحنة فى أوروبا.
مصر بلد ليس بالغنى، لكنه بلد الطمأنينة والراحة، بلد يدخله الغريب وكأنه واحد من أبنائه، بلد ليس به معسكرات لاجئين وليس فيه تفرقة عنصرية على أساس اللون أو الدين أو الجنس، بلد يعيش فيه الغريب كأنه ولد على أرضه، وإذا مر به الزمن لن يخرج منه أبدًا ويريد أن يعيش فيه أبد الآبدين.
موقع مصر الفريد جعلها تختلف عن الآخرين فى كل شىء، والموقع لم يكن وحده هو الذى يجذب الآخرين إليها بل هناك عامل أكثر أهمية وهو الإنسان المصرى الذى ظل على مر العصور متمسكًا بقيم الاعتدال والانفتاح على الآخر والتفاعل الخلاق مع سائر الأمم والثقافات من أجل تحقيق الأمن والسلام ليس لوطنه فقط بل للإنسانية جمعاء.
فمصر كانت أول مجتمع مدنى فى تاريخ البشرية تتشكل فيه أمة نشأ بين أفراده نوع من التفاهم والانسجام وكانت للقدرات العسكرية التى تتمتع بها مصر دورها فى صد هجمات الغزاة والمعتدين على مر التاريخ، وفى الدفاع عن الإسلام والعروبة، كذلك ساعدت مصر جميع حركات التحرر فى الوطن العربى، ودافعت عن قضايا العرب ومشكلاتهم وتدافع عن القضية الفلسطينية بكل قوة كما تحملت مصر مسئولية نشر التعليم فى معظم أجزاء العالم العربى، فى نفس الوقت اضطلعت بمسئولية السعى نحو الاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط مجسدة قيم الاعتدال والتسامح والتعايش التى تمثل جوهر تعاليم الإسلام السمحة.
فى مصر لا تستطيع أن تميز بين مسلم ومسيحى، وبين سنى وشيعى، وبين أرثوذكسى وكاثوليكى، الكل مصرى ابن مصرى، أكل وشرب من أرض مصر، وتنفس هواء مصر وعاش فى الأحضان الدافئة.
اللهم بارك لنا فى مصر واجعلها دائمًا وأبدًا الملاذ الآمن لكل شعوب الأرض واجعلها كسفينة نوح أمانًا لكل من وضع قدمه عليها.
حفظ الله مصر قيادة وشعبًا وجيشًا.