يحسن الإنتاج ويخفض معدلات الفقر وينعش الاستثمار فى رأس المال البشرى
انخفاض المواليد يعزز خطط التنمية المستدامة

هيثم يونس
النمو السكانى المتسارع يمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجه مصر، إذ يشكل ضغطًا هائلًا على المرافق والخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والمواصلات والإسكان، ومع هذا التراجع فى عدد المواليد، يصبح هناك فرصة حقيقية لتحسين مستوى الخدمات العامة، وتقليل كثافة الفصول الدراسية، وتخفيف العبء على المنظومة الصحية، ما ينعكس مباشرة على مستوى جودة الحياة للمواطن.
كما أن الحد من معدل المواليد يفتح المجال أمام إعادة توزيع الموارد بشكل أكثر كفاءة، ما يدعم خطط الإصلاح الاقتصادى، ويعزز من قدرة الدولة على رفع متوسط دخل الفرد، وتحقيق معدلات تنمية مستدامة، فضلًا عن المساهمة فى زيادة نسبة الفئات المنتجة داخل المجتمع مقارنةً بالفئات المعالة، الأمر الذي يساعد فى تحقيق نمو اقتصادى أكثر استدامة.
يأتى هذا التطور متسقًا مع أهداف استراتيجية «مصر 2030»، التي تسعى إلى خلق بيئة تنموية متوازنة، من خلال السيطرة على الزيادة السكانية وتحقيق توزيع عادل للموارد، فالتحكم فى النمو السكانى يعزز من فرص الاستثمار فى رأس المال البشري، عبر تحسين جودة التعليم والتدريب، وخلق فرص عمل أفضل، ما يدعم تحول مصر نحو اقتصاد قائم على المعرفة والإنتاجية.
ويظل التحدى الأكبر الحفاظ على هذا الاتجاه الإيجابي، من خلال مواصلة التوعية المجتمعية حول أهمية تنظيم الأسرة، وتعزيز برامج تمكين المرأة، وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فإذا استمرت مصر فى هذا المسار، فقد يشهد العقد القادم تحولات كبرى فى بنية الاقتصاد والمجتمع، تنقل البلاد إلى مرحلة أكثر استقرارًا ونموًا.
وأوضح الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان أن تحذير الرئيس عبدالفتاح السيسي، دائمًا من خطورة النمو السكانى غير المنضبط وتأثيره على الموارد والخدمات، كان له الأثر الأكبر فى تكاتف جميع الجهود الوطنية لتحقيق هذا الإنجاز، مؤكدًا عزم الوزارة على مواصلة دورها فى وضع وتنفيذ السياسات الصحية والسكانية واستجابتها للتحديات السكانية المتزايدة، بما يضمن تحقيق التوازن بين النمو السكانى والنمو الاقتصادي، مع اتباع استراتيجية شاملة تستهدف تعزيز صحة المرأة والطفل، وتحسين جودة خدمات الصحة الإنجابية، ونشر التوعية الصحية، التي ساهمت فى انخفاض معدل الوفيات من 6 حالات وفاة لكل 1000 نسمة عام 2014 إلى 5.7 حالة وفاة.
إلى ذلك، أكد الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادى، أن انخفاض معدل المواليد يمثل أمرًا مهمًا وإيجابيًا لان معدل الزيادة السكانية كان مرتفع للغاية لما يتجاوز الـ ٢ مليون مولود فى السنة بما يعادل ٢% سنويًا، وهو معدل مرتفع للغاية مقارنة بعدة دول وفى مقدمتها الصين الدولة المكتظة بالسكان التي صنعت معجزة صناعية، إذ لا يتعدى معدل المواليد فيها حاجز ٠.٥% بمعدل زيادة سكانية بالسالب، بينما تمثل نسبة المواليد فى مصر ٤ أضعاف النسبة فى الصين، كما أن معدل الزيادة السكانية كمتوسط عالمى لا يتعدى حاجز ١%، والنسبة فى مصر ضعف المتوسط العالمى للزيادة السكانية.
ولفت إلى أن انخفاض معدل المواليد فى مصر تحت حاجز الـ ٢ مليون يعد مؤشرًا إيجابيًا ليصبح على مدار عقد قادم من الزمن معدل السكان شبه ثابت ومعدل الخصوبة فى الأسر ٢ مولود، ليكون الأسرة مكونة من ٤ أفراد جيل يذهب ويتساوى مع الجيل اللاحق وهو ما يضمن ثبات معدل السكان، مشيرًا إلى أن هذا المؤشر الايجابى يمثل خطوة إيجابية لاسيما إذا ما كانت قائمة على تغير فى وعى وتفكير الأسر نحو خطورة الزيادة السكانية على الأسر وعلى الدولة ككل.
وفيما يتعلق بتأثير انخفاض معدل المواليد فى مصر على الاقتصاد القومى والخطة الاستراتيجية ٢٠٣٠، فقال: إنه سيقلل بدوره من الضغوطات ومتطلبات الانفاق الاستثمارى العام ويقلل من الضغوطات التي تحتاجها الحكومة أو الأموال المطلوب رصدها فى الموازنة العامة للدولة لتنفيذ مشروعات وتوفير خدمات الصحة والتعليم والإسكان وغيرها بشكل كمى.
ونوه إلى أنه بدلا من أن تكون هناك مطالب ببناء مستشفيات أكثر ومدارس أكثر، فستمنح الفرصة لتحسين الجودة للخدمات المقدمة فى الصحة والتعليم وغيرهما وليس مجرد الانفاق لتغطية الزيادة فى القدرة الاستيعابية، وسيكون هناك فرصة إلى جانب تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وصيانة المرافق العامة وجودة متطلبات الإنفاق العام فى الموازنة العامة للدولة.
وأكد الدكتور مجدى عبدالفتاح، الخبير الاقتصادى والمصرفى، أنه مما لا شك فيه أن انخفاض معدل المواليد له دور كبير فى تحسين الحياة المعيشية للمواطنين وله آثار إيجابية على الاقتصاد القومى، إذ يخفف الاعباء عن كاهل الدولة فى استيراد السلع الاستراتيجية والأساسية من أدوية وقمح ومنتجات بترولية وخلافه، فضلًا عن المساهمة فى جودة التعليم والصحة وتخفيف الضغط على المرافق العامة، إلى جانب أن انخفاض معدل المواليد يخفف الضغط أيضًا على مشروعات الإسكان.
وشددت الدكتورة عالية المهدى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، على أن انخفاض معدل المواليد فى مصر دون حاجز الـ ٢ مليون مولود، يمثل مؤشرًا إيجابيًا، إذ سيقلل من الضغط على الخدمات والمرافق، ما قد يعطى الفرصة لتحسين جودة مختلف الخدمات المقدمة للمواطنين.
وأوضح الدكتور عيد رشاد، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن انخفاض المواليد لأقل من ٢ مليون مولود بما يعادل ٢% يعد تحسنًا فى معدل الزيادة الطبيعية التي تمثل فارقًا بين معدل المواليد ومعدل الوفيات فإذا ما قل عدد المواليد عن ٢ مليون مولود ومعدل الوفيات أقل من هذا الرقم سيكون معدل الزيادة السكانية الذي يمثل الفارق بين المواليد والوفيات ١.٥%، ما يعنى انخفاض فى معدل الزيادة الطبيعية والنمو السكانى وهو مؤشر إيجابى فى الوقت الراهن، إذ تشكل الزيادة السكانية تحديا كبيرا عملية التنمية.
وأشار إلى أن انخفاض معدل المواليد بالتوازى مع تحسن ملموس فى معدلات النمو الاقتصادى سيحدث تحسنًا فى معدل دخل الفرد الذي يعبر عن التنمية الاقتصادية، فالتنمية الاقتصادية تعنى زيادة فى متوسط دخل الفرد الحقيقى الذي يحتسب بقسمة الناتج الإجمالى على عدد السكان وعندما يكون عدد السكان أقل فإن انخفاض معدل النمو السكانى يعنى زيادة فى متوسط دخل الفرد ومعدل التنمية الاقتصادية، مؤكدًا أن انخفاض معدل المواليد يخفف الضغط أيضًا على المشروعات والخدمات المقدمة للمواطنين، ما يمنح الفرصة لتحسين جودة تلك الخدمات.
وقال الدكتور سعيد توفيق، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة عين شمس: إن التضخم السكانى مشكلة رئيسية تواجه مصر، فليس لدينا موارد اقتصادية كافية لتغطية احتياجات ١١٠ ملايين نسمة، مؤكدًا أنه إذا ما حافظنا على معدل انخفاض سكانى منتظم سيكون هناك فرصة لتوفير الخدمات من صحة وتعليم وإسكان وبناء مدارس ومستشفيات وتأمين صحي شامل بجودة عالية.
وأكد الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أن انخفاض معدل المواليد يعد خطوة إيجابية مهمة، فلم نشهد هذه النافذة الديموغرافية الجيدة منذ سنوات طويلة، قائلًا: نافذة ليست فى انخفاض معدل المواليد وحده، لكن فى انخفاض معدل المعالين فوق ٦٥ عامًا وارتفاع نسبة السكان فى المرحلة العمرية العاملة من ١٦- ٦٤ عاما، فهذه النافذة الديموغرافية تعطى فرصة جيدة للغاية لزيادة الإنتاجية وتحسين الإنتاج وخفض معدلات الفقر، مؤكدًا أن انخفاض معدل النمو السكانى الأنسب على المدى الطويل، إذ سيكون هناك تحسين من جودة المنتج البشرى وزيادة الإنفاق على الخدمات والتعليم والصحة وغيرها.
وأضاف: انخفاض معدل المواليد سيساعد الدولة على توجيه الدعم لمستحقيه بشكل أكفأ، موضحًا أن أضرار الزيادة السكانية تتمثل فى أنها تنتشر فى الفئة الأكثر فقرًا، ما يشكل عبء كبير على الدولة لاسيما وأن هذه الفئة الاجتماعية تعتبر أن الإنجاب وزيادة المواليد طاقة إنتاجية، ما يسهم فى انتشار الظواهر السلبية كعمالة الأطفال والعنف والمخدرات وظهور العشوائيات بما يحد من قدرة الدولة على توفير سكن لكل هذه الفئات دفعة واحدة، مطالبًا الدولة بمراجعة استراتيجية ٢٠٣٠ التي باتت بين قاب قوسين أو أدنى، ومراجعة مستهدفاتها، وأن تضع مبادرات تلبى هذه المستهدفات فى ضوء المؤشرات الديموغرافية الجديدة.