السبت 15 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الصحافة تهاجم المندوب السامى البريطانى!

الصحافة تهاجم المندوب السامى البريطانى!

لم تكن جريدة ومجلة روزاليوسف وحدهما فى معارضة ومهاجمة حكومة توفيق نسيم باشا بسبب تلكؤه فى إعادة دستور سنة 1923، بل الأخطر هو أن صحيفة «الأهرام» المعروف عنها وقتها حيادها انضمت إلى هذه المعارضة.



وانتهزت الأهرام فرصة البيان الذى أعلنه «توفيق نسيم» فى 3 أغسطس سنة 1935 بأن موقف مصر سيتقرر باتفاق مع بريطانيا العظمى وكتب مستر «كيلى» القائم بأعمال المندوب السامى فى مصر يقول: إن بيان نسيم تعرض لغضب وانتقاد صحيفة الأهرام التى تحولت إلى صحيفة معادية لتوفيق نسيم واتهمته بالفشل فى سياسته لأنه لم ينجح فى مطالبة الجانب البريطانى بمفاوضات معاهدة تقدم تنازلات للمصريين، وأن الشعب المصرى غاضب من موقفه ويستنكره تمامًا وأنه يتناقض مع روح الدستور، كما اتهمت الأهرام الوزارة بالضعف والخضوع للبريطانيين!

والموقف الذى اتخذته الأهرام هو نفسه الموقف الذى اتخذته بقية الصحف الأخرى كـ«روزاليوسف» التى رأت أن مصر أصبحت مستعمرة بريطانية!!

كما نوهت بعض الصحف إلى أن المندوب السامى يعنيه فقط تنشيط التجارة البريطانية فى مصر، مما أثار حفيظة دار المندوب السامى.

ويكشف د.عادل إبراهيم الطويل فى كتابه المهم والممتع محمد توفيق نسيم باشا ودوره فى الحياة السياسية عن جوانب مثيرة وتثير الدهشة فيقول: كان توفيق نسيم يمقت الدعاية الصحفية لظنه أن أعمال المرء دعاية له ولذلك كان يتجنب مقابلة الصحفيين ويمتنع عن الحديث إليهم ويذكر كريم ثابت أنه رغم الصلة القوية بينه وبين نسيم إلا أن نسيم كان شديد التحفظ فى كلامه معه كأنه يشق عليه أن يخرج عن صمته، ولا أذكر أننى تعبت مع رئيس وزراء آخر تعبى معه فى التقاط الأخبار والمعلومات عنه، وأنه على إيجاز فى كلامه كان صادقًا فى كل كلمة يقولها.

كم من مرة طلبت منه أن يدلى بأحاديث صحفية وقلت له: أنت عدو نفسك يا باشا، تصريح واحد منك يقضى على كل ما يقال عنك!  فيقول: كل شىء مصيره أن يُعرف والحق لا بد أن يظهر فى النهاية، وهل ظهور الحق متأخرًا يقلل من قيمته؟ أما شخصى فليس مهما وقد تحملت فى الماضى كثيرًا فلم تعد الحملات تؤثر فىّ إنهم يريدون أن يغيظونى ولكنى لا أغتاظ، بل سكوتى هو الذى يغيظهم!

أضف إلى ذلك أن نسيم لم يكن يعطى أى صحفى إجابة شافية عما يدور فى اجتماعات مجلس الوزراء أو ما يدور فى خلده، وأنه كان يطلب من أى صحفى أن يتصل بمدير مكتبه «إيشيل إصقيلى» ويترك الأسئلة عنده ثم يتسلم الرد فى اليوم التالى وكثيرًا ما كان الصحفيون يطاردون نسيم إلى حديقته فى شارع الهرم، ولكنه يماطلهم ولا يعطى أحدًا منهم أحاديث صحفية بل الغريب أنه كان يطلب من عامل الحديقة أن يعطى الصحفى منهم بعضًا من الزهور وبهذا الأسلوب كان نسيم ينهى المقابلة مع الصحفيين، ومن ذلك أنه لما قابل نسيم الملك فؤاد والتى كانت بغرض استقالة حكومته لم يعلم أحد بذلك وكتم نسيم الحديث عن الناس وعن كريم ثابت الذى عاتبه فى ذلك فقال له نسيم: لقد كتمت الخبر عن جميع الناس لئلا يصل إلى الإنجليز فيتدخلون فى الموضوع!

وقد برر نسيم ذلك بأن المصلحة العامة تقتضى عدم نشر الأحداث تفصيلًا وضرورة الاحتفاظ ببعض الأمور التى ترى الحكومة عدم الإفصاح عنها، إما لطبيعتها أو لأن تلك الأمور تهم «دولًا» أخرى وأن جميع قرارات مجلس الوزراء تبلغ للجمهور بانتظام فى اليوم التالي، عن طريق تصريح الوزير المختص أو رئيس مجلس الوزراء للصحف!

وللذكريات بقية!