نيران الأناضول
رقصات خاضعة لنظام صارم من عمق الحضارة والفن الشعبى

هند سلامة
سنوات عجاف تغيب فيها فريق الرقص الأقوى “نيران الأناضول” عن تقديم حفلاته بالقاهرة كما كان معتادا فى عهد سابق؛ الفريق الذى تخصص فى تقديم مجموعة من الرقصات الشعبية التى تعبر عن عمق الحضارة والتراث الشعبى لمنطقة الأناضول؛ وهو الفريق الذى ألهم الوزير فاروق حسنى فى عهد سابق لتأسيس فريق فرسان الشرق التابع لدار الأوبرا المصرية على أن يقدم أيضا فرسان الشرق أعمالا فنية من عمق الحضارة والتراث المصرى؛ بعد هذه السنوات من الغياب الطويل يعود “نيران الأناضول” ليفصح عن نفسه من جديد بتقديم عرضه الأشهر “نيران الأناضول” على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا والمسرح الرومانى بمدينة شرم الشيخ.
وضع المخرج تلك الرقصات الشعبية أو الفن الفلكلورى المعبر عن عمق ثقافة وحضارة الأناضول فى إطار أسطورى استغل جانبا من الأساطير الإغريقية المتمثلة فى “بروميثيوس” المحب للبشر الذى عارض زيوس فى فلسفته عن البشر؛ وقرر أن يمنحهم كل شىء يمكنهم من الحياة حتى قام بسرقة النار من جبل الأوليمب بعد أن حزن لرؤية البشر فى برد الشتاء فقرر أخذ قبس من النار ومنحها للبشر المحرومين من الدفء ..انطلقت نار بروميثيوس الحاضنة للبشر ثم انطلقت معها رقصات نيران الأناضول الباعثة على الأمل والحياة.
بدأ العرض برقصات.. “مراسم النار”؛ “أنهار اللهيب”؛ “رقصة النار”؛ “شجرة الحياة؛ ثم تتابعت الرقصات فى فصوله المتعددة ومنحها المخرج مجموعة من الأسماء والمضامين المختلفة مثل رقصات “باندورا”؛ “جيش الظلام”؛ “أيام النور”؛ “رقصات الحرب”؛ “انتصار الشر”؛ “رقص شرقى”؛ “رقصة الأشباح”؛ “جيش النور”؛ وغيرها من الرقصات المتنوعة.
تعددت اللوحات الراقصة للفريق التى حملت إطارا فلسفيا ومضامين متنوعة شكلت عليها كل رقصة؛ فى دقة وإتقان شديد وأجساد اصطفت معا كأسنان المشط رقص أعضاء الفريق كالبنيان المرصوص لا يمكن أن تميز راقصا عن آخر؛ بينما ترى مجموعة من البشر تجيشوا أمامك فى صفوف منتظمة سواء بالرقص أو بتبادل الأماكن والأدوار فى الرقصات بين الرجال والنساء تراهم مثل أمواج البحر الهائجة وقد تحركوا معا فى تموجات متعرجة بانتظام رشيق ودقة لا يلمحها ناظر إليهم، مهما بلغت مهاراتك فى قوة المراقبة والملاحظة لن تلحظ شيئا من تفاصيل التغير الحركى السريع واتخاذ أوضاع مختلفة فيما بينهم بالرقصة الواحدة، مع اللعب بالإضاءة وخلق لحظات خاصة بمشاهد متفرقة مثل الرقصة الصوفية أو الرقصات الثنائية؛ اشتبكت هذه التفاصيل بينهم فى وحدة واحدة شكلتهم جميعا فى اتحاد متزن كفرق الجيش؛ وكأن ملامحهم امتزجت معا لتراهم شخصا واحدا فى الرقصات الجماعية والثنائية؛ درجة عالية من الإجادة الفنية والإتقان الشديد تميز بها أعضاء هذا الفريق الذى خطف أعين الناس وأبصارهم بحركاتهم الجماعية السريعة الخاطفة والمنتظمة على إيقاع واحد لا يخرج عنه فرد؛ رغم أن هؤلاء الراقصين ليسوا هم نفس الأعضاء السابقين لكن تغيرت الوجوه وبقى المعنى؛ المعنى الفنى الذى أقام من أجله مديرها مصطفى أردوغان فريق “سلاطين الرقص” منذ عام 1999 ثم أطلق عليها اسم “نيران الأناضول” حيث آمن هذا الرجل منذ اللحظة الأولى أن فرق الرقص الخاصة يمكنها الاستمرار من خلال التنظيم المؤسسى عن طريق وضع مشروع ونظام فنى يلتحق به أعضاء الفريق منذ نعومة أظافرهم؛ حيث أسس فريق أطفال الأناضول.. هؤلاء الأعضاء خاضعون لهذا المشروع بكل تفاصيله الفنية والإدارية وبالتالى لن يخرج أحد عن السياق الجميع فيه سواء.
وضع المدير الفنى للفريق فلسفته من البداية بأنه مشروع فنى يستلهم التاريخ الأسطورى والثقافى القديم لمنطقة الأناضول ثم تم تصميم الأزياء ووضع الألحان ودخل الفريق فى دائرة عمل وتدريب دون توقف تحت إشراف متخصصين فى التغذية والتمارين الرياضية والعناية الصحية تضمنت تدريبات الفريق جلسات لليوجا، بالإضافة إلى تدريب مكثف على الرقص الشعبى الباليه والرقص الحديث، كما حصل الراقصون على دروس نظرية لفهم وتدوين الإيقاعات الأناضولية؛ لتكون هذه النتيجة النهائية التى يراها الجماهير على مختلف مسارح العالم فرقة رقص بمقاييس عالمية. أينما ذهب الفريق حقق نجاحا منقطع النظير بمسارح العالم وشهد إقبالا جماهيريا غير مسبوق فى كل بقعة من بقاع الأرض!