هـل يعيـد التـاريخ نفسـه؟

أسبوع الحسم، يمكن اعتبار هذا الأسبوع حاسمًا فى الحرب فى أوكرانيا، مع انعقاد مجموعتين من المحادثات فى باريس والرياض، فقد اجتمع القادة الأوروبيون فى فرنسا للرد على خطة دونالد ترامب لفتح مفاوضات مع فلاديمير بوتين لإنهاء الصراع، مستبعدًا أوروبا وأوكرانيا، بينما اجتمع مسئولون روس وأمريكيون رفيعو المستوى فى السعودية لإجراء محادثات بشأن الحرب الروسية - الأمريكية، ولم تحضر أوكرانيا أيًا من مجموعتى المحادثات.
استضافة المملكة العربية السعودية لأحد أهم الاجتماعات الدبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة منذ سنوات تُعد إشارة إلى أن المملكة تسعى إلى تولى دور مركزى فى الدبلوماسية الدولية مع تعميق علاقاتها بحليفتها القديمة واشنطن، كما أنها فرصة لتأكيد نفوذها السياسى بعد رفضها خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لنقل سكان غزة، بينما تواصل مقاومة أى تطبيع للعلاقات مع إسرائيل. ومن خلال استضافة الرياض للمحادثات بين واشنطن وموسكو، ستحافظ المملكة على جميع الجوانب الأخرى لعلاقتها بالولايات المتحدة، «وستضيف فرصة لبناء السلام تحت رعايتها».
وفى وقت لاحق، تستضيف الرياض اجتماعًا لقادة عرب من المتوقع أن يصوغوا ردًا على خطة ترامب بشأن غزة.
أوروبا فى صدمة
اعتمدت أوروبا بشكل كبير على المظلة الأمنية التى قدمتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن مع ترامب الذى لا يعطى الأولوية للشركاء الأوروبيين أو أمنهم، تحتاج أوروبا إلى التوصل إلى جبهة موحدة فى مجال الأمن. ولذلك، دخل زعماء أوروبا فى حالة صدمة، واصفين استبعادهم من المحادثات الأمريكية - الروسية فى السعودية بأنه «تحدٍّ للقارة»، خاصة بعد تصدير مفهوم أن “الحقائق الاستراتيجية” تمنع الولايات المتحدة من التركيز بشكل أساسى على أمن أوروبا.
وعكست العناوين الرئيسية للصحف الأوروبية حجم الصدمة الدبلوماسية التى أرسلتها الولايات المتحدة، وكذلك الانقسامات بين القادة الأوروبيين بشأن الإنفاق الدفاعى وكيفية إنهاء الحرب فى أوكرانيا.
فقد هيمن الاجتماع الطارئ للقادة الأوروبيين فى باريس على افتتاحيات الصحف، وسط تهميش الولايات المتحدة لأوروبا وأوكرانيا من مفاوضات وقف إطلاق النار، وتوضيح أنه لا ينبغى الاعتماد على أمريكا فى أمن المنطقة، إلا أن الاجتماع انتهى دون تحقيق وحدة فعلية بشأن النقاط الحاسمة، بما فى ذلك فكرة إرسال قوة حفظ سلام أوروبية إلى أوكرانيا.
فى ألمانيا، ذكرت صحيفة هاندلسبلات أن «أوروبا فى صدمة ترامب»، أما فى فرنسا، عنونت صحيفة لوموند: «أوروبا تتحدى محور ترامب - بوتين»، ونشرت تقريرًا فرعيًا بعنوان «عزلة زيلينسكى العظيمة».
وفى إسبانيا، عنونت صحيفة إل موندو: «الاستعجال الأوروبى بشأن الإنفاق العسكرى يوقع سانشيز فى الفخ»، مشيرةً إلى أن رئيس الوزراء الإسبانى «يعترف بأن الأمن الأوروبى على المحك».
فى المملكة المتحدة، نشرت صحيفة الجارديان مقالًا بعنوان «ستارمر: الدعم الأمريكى ضرورى لردع الهجمات الروسية المستقبلية على أوكرانيا»، وذكرت أن القادة الأوروبيين دعوا أيضًا إلى “زيادة هائلة فى الإنفاق الدفاعي” خلال اجتماع باريس.
أما ديلى تلجراف، فقد تصدرت بعنوان: «ألمانيا ترفض خطة رئيس الوزراء للسلام فى أوكرانيا»، مشيرةً إلى أن المستشار الألمانى أولاف شولتز غادر اجتماع القادة مبكرًا بسبب الانقسامات حول نشر القوات الأوروبية.
وفى ديلى ميرور، صُوِّر دونالد ترامب وكير ستارمر فى مواجهة حول عبارة «اختبار القوة»، مع عنوان فرعي: “ستارمر: لا سلام إذا ابتعدت أمريكا”.
أما صحيفة التايمز، فقد أبرزت: «أوكرانيا بحاجة إلى تعهدات أمنية أمريكية».
اتفاقيات استُبعدت منها الأطراف المعنية
تاريخيًا، عدم دعوة أوكرانيا إلى اجتماع مهم بين المسؤولين الأمريكيين والروس فى السعودية لتقرير مستقبل الحرب الروسية - الأوكرانية، ليس أمرًا غير مسبوق. فقد شهد التاريخ العديد من المفاوضات التى تمت بين القوى الكبرى على حدود أو مناطق نفوذ جديدة دون مشاركة الأطراف المعنية مباشرة، وكانت النتائج فى كثير من الأحيان مدمرة.
وهذه سبعة أمثلة تاريخية بارزة على مثل هذه الاتفاقيات التى تم التفاوض عليها دون مساهمة الشعوب أو الدول التى تأثرت بها بشكل مباشر:
■ معاهدة فرساى (1919) – التى فرضت شروطًا قاسية على ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى دون مساهمتها فى المفاوضات.
■ اتفاقية يالطا (1945) – حيث قررت القوى العظمى مصير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية دون مشاركة الدول الصغيرة.
■ تقسيم الهند (1947) – الذى تم التفاوض عليه بين بريطانيا والهند دون مشاركة فعالة من جميع الطوائف المعنية، مما أدى إلى اضطرابات دامية.
■ اتفاقية سايكس - بيكو (1916) – التى قسمت الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا دون استشارة سكان المنطقة.
■ اتفاقيات كامب ديفيد (1978) – التى أثرت على الفلسطينيين دون تمثيل رسمى لهم فى المفاوضات.
■ اتفاقية ميونيخ (1938) – حيث تنازلت بريطانيا وفرنسا عن جزء من تشيكوسلوفاكيا لألمانيا النازية دون موافقة التشيك.
■ الحرب الكورية واتفاقية الهدنة (1953) – حيث تم تقسيم كوريا بين الشمال والجنوب دون مشاركة الكوريين بشكل فعّال فى القرارات الحاسمة.
ماذا بعد؟
تاريخيا، عدم دعوة أوكرانيا إلى اجتماع مهم بين المسئولين الأمريكيين والروس فى المملكة العربية السعودية لتقرير مستقبل الحرب الروسية – الأوكرانية، ليست هى المرة الأولى التى تتفاوض فيها القوى الكبرى على حدود أو مناطق نفوذ جديدة دون مساهمة الأشخاص الذين يعيشون هناك، فالتاريخ مليء بهذه الامثلة والنتائج كانت مدمرة، كما تظهر هذه الأمثلة التاريخية السبعة:
الصراع على إفريقيا
فى شتاء عام 1884-1885، دعا الزعيم الألمانى أوتو فون بسمارك القوى الأوروبية إلى برلين لحضور مؤتمر لإضفاء الطابع الرسمى على تقسيم القارة الأفريقية بالكامل فيما بينها، فى مؤتمر عُرف فيما بعد باسم «الصراع على إفريقيا».
أدى المؤتمر إلى إنشاء دولة الكونغو تحت السيطرة البلجيكية، والتى أصبحت موقعًا للفظائع الاستعمارية. كما أسست ألمانيا مستعمرتها فى جنوب غرب إفريقيا (ناميبيا الحالية)، حيث ارتكبت أول إبادة جماعية فى القرن العشرين ضد الشعوب المستعمرة.
الاتفاقية الثلاثية
فى عام1899، عقدت ألمانيا والولايات المتحدة مؤتمرًا وأجبرتا السامويين على الموافقة على تقسيم جزرهم بين القوتين، على الرغم من أن السامويين أعربوا عن رغبتهم فى الحكم الذاتى أو إقامة اتحاد مع دول المحيط الهادئ، مثل هاواي.
اتفاقية سايكس بيكو
جلس الممثلون البريطانيون والفرنسيون للتفاوض حول كيفية تقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد انهيارها. وباعتبارها قوة معادية، لم تتم دعوة العثمانيين إلى المحادثات.
أعاد مارك سايكس البريطانى وفرانسوا جورج بيكو الفرنسى رسم حدود الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصالح بلديهما. وأصبحت الاتفاقية لعقود مصدرًا للصراع فى الشرق الأوسط، ولا تزال عواقبها محسوسة حتى اليوم.
اتفاقية ميونيخ
فى سبتمبر1938، التقى رئيس الوزراء البريطانى نيفيل تشامبرلين، ورئيس الوزراء الفرنسى إدوارد دالادييه، مع الرئيس الإيطالى بينيتو موسوليني، والزعيم الألمانى أدولف هتلر، لتوقيع ما أصبح يُعرف بـ «اتفاقية ميونيخ».
تم توقيع الاتفاقية بحجة حماية الأقليات الألمانية، ولم تتم دعوة أى ممثل من تشيكوسلوفاكيا إلى الاجتماع.
لا يزال الكثيرون ينظرون إلى الاجتماع باعتباره «خيانة ميونيخ»، حيث يُعتبر مثالًا كلاسيكيًا على فشل سياسة الاسترضاء فى مواجهة قوة توسعية، على أمل زائف فى تجنب الحرب.
مؤتمر إيفيان
فى عام 1938، اجتمعت 32 دولة فى مدينة إيفيان ليه باين بفرنسا لاتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع اللاجئين اليهود الفارين من الاضطهاد فى ألمانيا النازية.
حضرت جولدا مائير المؤتمر بصفة مراقب، ولم يُسمح لها ولا لأى ممثل آخر للشعب اليهودى بالمشاركة فى المفاوضات. وفشل المؤتمر فى التوصل إلى اتفاق بشأن قبول اللاجئين اليهود، باستثناء جمهورية الدومينيكان، التى وافقت على استقبال عدد محدود منهم.
ميثاق مولوتوف - ريبنتروب
تضمنت هذه المعاهدة، التى سميت على اسم وزيرى الخارجية السوفييتى فياتشيسلاف مولوتوف، والألمانى يواكيم فون ريبنتروب، اتفاقًا بعدم تدخل الاتحاد السوفييتى عندما غزا هتلر بولندا. كما قسمت أوروبا إلى مجالين نفوذ: أحدهما نازى والآخر سوفييتي.
سمح هذا الاتفاق للسوفييت بالتوسع فى رومانيا ودول البلطيق، وشن هجوم على فنلندا، والاستيلاء على حصتهم من الأراضى البولندية.
مؤتمر يالطا
فى عام 1945، اجتمع رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل، والزعيم السوفييتى جوزيف ستالين، والرئيس الأمريكى فرانكلين د. روزفلت، لتقرير مصير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
قرر «الثلاثة الكبار» تقسيم ألمانيا إلى مناطق نفوذ، مما وضع الأساس للحرب الباردة التى استمرت لعقود لاحقة.