الإثنين 10 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكاتب والحكاء العُمانى أحمد الراشدى: الهوية الثقافية لكل شعب هى قوته وأمانه للبقاء والعطاء

عندما تكون الكتابة للطفل لها نفس خطورة وأهمية مشرط الجراح هنا تكون الرسالة والحكمة والعبرة ذات تأثير ممتد، وهكذا هى حكايات الجدات ومن خطا على خطواتهن. ومن ضمن أولئك السائرين على نفس النهج الكاتب أحمد الراشدى الباحث والحكّاء العُمانى، والذى حصل على شهادة الماجستير، بتقدير امتياز، من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، وأسس وعمل، فى العديد من المؤسسات والجمعيات والأنشطة فى مجال ثقافة الطفل، ومنها: تأسيس مبادرة «القرية القارئة» فى قرية سمائل لتشجيع الأطفال على القراءة منذ عام 2010 حتى اليوم، ثم فى 2012 قام بإعداد وتقديم برنامج إذاعى بعنوان «نزهة القارئ الصغير» فى إذاعة عُمان، وهو عضو فرقة مسرح الدن للثقافة والفن. كما شارك فى الكثير من الفعاليات فى الكثير من البلاد الأخرى، والذى شارك فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2025 حيث ضيف الشرف عمان. معه التقت “روزاليوسف” وكان لنا معه الحوار التالى:



■ كيف تكونت علاقتك بالكتابة منذ الطفولة؟

- القراءة ماء ورِواء شجرة الكتابة وبدايتى كانت مع الفعل اقرأ بداية ليست عجائبية، لكنها بداية صادقة وعلاقة فيها عطش، كان قلبى دليلى نحوها، أذكر أنى كنت شغوفا بالقراءة منذ صغرى، فقد كنت صديقا لمكتبة مدرستنا مدرسة عبدالله بن رواحة فى ولاية سمائل، وكلما وجدت فسحة أو حصة فاضية أسارع للمكتبة، وإذا ما انتهى وقت المدرسة ورجعت البيت كنت أشعر بحزن يشقينى ويشجينى؛ لأنه لم تكن هناك مكتبة فى حارتنا ولا فى مدينتنا؛ كنت أشعر بصوتٍ قلِقٍ فى وجدانى الطفولى ينادينى ويجذبنى للكتب لأروى وأشبع خيالى؛ فالبيئة الواقعية التى أعيشها لم تكن بذلك الزخم والحركة التى تلهينى وتسلينى، وحين لا أجد الكتب أغرق فى مسلسلات الكارتون مثل كابتن ماجد ومسلسل فيردى وأخرج شخصياتها التى أتعلق بها وأبدأ فى تقمصها والحديث معها فى البيت فى الشارع.

وفى يوم من الأيام وبالضبط فى الصف السادس الابتدائى قادتنى قدماى إلى بقّالة تبعد عن دارنا مسافة كيلومترين وكنت معتادا على التبضع منها، وهناك لأول مرة رأيت رفوفا تحمل كتبا صغيرة بحجم الكف، كانت روايات الرجل المستحيل للدكتور نبيل فاروق، فتنت بها وكوّنت منها مكتبتى الخاصة ثم فى المرحلة الثانوية فتنت بروايات جرجى زيدان ومصطفى المنفلوطى ونجيب الكيلانى وعلى أحمد باكثير، وفى المرحلة الجامعية تخصصت فى الأدب العربى فى كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس، وهناك فتنت أكثر بالأدب أدمنته شعرا ونثرا حتى أنى لم أكن أحب الرجوع آخر الأسبوع لقريتنا فكنت أرجع آخر الشهر، كنت مسحورا بمغارة على بابا العماني، أقصد مكتبة الجامعة مكتبة ضخمة ساحرة تضم فنونا من الكتب، كانت بساطى السحرى لأسافر وأحلق لخريطة العالم وأكتشف عجائب ومباهج الكون عبر السطور والقراءة.

هذه (الحدوتة) والحكاية لابد منها لأعترف بفضلها وكرمها فى تكوينى وتشكيل وجدانى حتى أكتشف ينبوع الخلود ونهر الحياة وهو الكتابة.. فقد بدأت بكتابة بعض الخواطر وبعض الرسائل لأصدقائى فى مرحلة الثانوية أعبر فيها عن لواعج الغربة والوحشة، حيث كنت أدرس فى مدينة خصب فى شمال عُمان. وفى الجامعة بدأت كتابة القصة القصيرة والفضل يعود لجماعة الخليل بن أحمد الفراهيدى للأدب الجماعة الطلابية التى التقيت فيها بجيل جميل من الشعراء والقاصين الذين صاروا لاحقا نجومًا فى الكتابة والأدب العُمانى والعربى.

■ حدثنا عن أكثر الأدباء تأثيرا فيك؟

- كان لقائى الأول بالكتّاب العمانيين فى غرفة عُمان فى مكتبة جامعة السلطان قابوس، رغم أنى قرأت لأغلب الكتّاب العمانيين وما زلت مداوما ومتابعا لإصداراتهم وأقدر سردهم وإبداعهم الجميل إلا أننى أشعر بحنين دائم للجلسة الأولى واللقاء الأول بقصص الكتّاب والقاصين بشرى خلفان ومحمود الرحبى ويحيى سلام المنذرى وحمود سعود أشعر معهم بالحكاية وسحرها. وحين أريد أن أطوّر وأرفع مهاراتى الكتابية السردية لابد أن أطرق باب الروائى نجيب محفوظ ويونس شلبى والقاص يوسف إدريس لأننى فى كل مرة أعيد قراءة أى كتاب من كتبهم أشعر بالدهشة الأولى وبإشراقة اكتشاف حكاية جديدة وتقنية جديدة. أما فى الضفة الأخرى فلابد لى من الساحر جارثيا ماركيز وهاروكى موروكامى.

■ هل تنوى تجربة أنواع أدبية؟

- الكتابة للطفل تمثل امتدادا لفن الحكى الذى أعيشه مع الأطفال منذ خمسة عشر عاما، فالدهشة التى تزغلل عيون الأطفال وهم يستمتعون بسحر الحكاية والهالة الاجتماعية من التواصل البصرى والروحى التى تجمعنى بهم فى جلسات الحكى هما اللذان دفعانى لأكوّن نفسى وأتدرب وأتعلم الكتابة الفنية للأطفال.. كل ذلك دفعنى لأروى لهم حكاياتى وقصصى عبر الكلمات والرسومات حتى أبقى ذلك الوصال الوجدانى بهم. ولكنى أصر أن أدرب نفسى على كتابة القصة القصيرة والرواية لليافعين وللكبار، فعلى طاولتى مشاريع كتابية غير كتب الأطفال أكتبها بتأن ومعايشة. فكل فن كتابى فى رأيى يمثّل ساقية للروح تعبّر به عن عوالمها ولا يمكن أن يغنى فن عن الآخر. وقد كان إصدارى الأول مثالا لذلك فقد وجدت سلوتى وعزائى للقصة الأليمة التى مرت بى مع ابنتى الكبرى فى فن الرسائل، فأصدرت كتابى (رسائل إلى فدوى) الصادر فى طبعته الأولى عن دار نثر العُمانية عام 2021 وطبعته الثانية عن دار بوك لاند الكوتية عام 2023، وقد احتفى به مجموعة من الكتّاب العرب فى مقالاتهم وأهمهم الكاتب والإعلامى سليمان المعمرى والقاص محمود الرحبى والدكتور خالد المعمرى والروائية الجزائرية فضيلة الفاروق والدكتورة الجزائرية مريم ناريمان والمترجم المغربى إدريس الجاى.

■ حدثنا عن أحدث إصداراتك؟

- بعد إصدارى الأول «هيا بدلتى الخارقة» عبر دار الشروق المصرية الذى وجد القبول والحب لدى الأطفال العرب فى معارض الكتب فى مسقط والقاهرة وبغداد والجزائر والشارقة، وبعد كتابى الثانى «لا تنهق يا حمار» الصادر عن مكتبة الثعلب الأحمر العمانية ضمن سلسلة الحكايات الشعبية العمانية والتسويق المبهر الذى اشتغلت عليه الثعلب الأحمر، أحضّر معهم الآن أحدث إصداراتى وهو كتاب «تذكرة سفر إلى عُمان» يضم حكايات شيقة ونادرة من التاريخ العُمانى موجهة للأطفال واليافعين العرب أشوقهم فيها لزيارة بلدى عُمان. وأغلب الحكايات التى انتقيتها تضم حكايات عُمانية تتصل وتتداخل وتتلاقى مع تاريخ شعوب دول عربية ودولية مثل مصر وزنجبار وبريطانيا واليابان. وأتوقع أنه سيكون مفاجأة معرفية لتلاميذ المدارس فى معرض مسقط الدولى للكتاب القادم لعام 2025 ومعارض الكتب العربية.

■ ما المواضيع التى تتناولها فى كتاباتك؟

- أنا عاشق للحكاية الشعبية التى هى فن من فنون الأدب والمخيال الشعبى، ومفردة ذهبية من مفردات التراث الثقافى غير المادى وبسببها صارت بوصلة قلبى فى سفرى تبحث عن أى تفصيلة من تفاصيل التراث الثقافى للشعوب، وخاصة الشعوب العربية من ملابس وما تضمه من تنوع فى أثوابها ونقوشها وألوانها أو الفنون الغنائية ومواسمها ورقصاتها وآلاتها أو الفنون المعمارية وتشكيلاتها وتوزيعاتها الهندسية الداخلية المعبرة عن رؤية تلك الشعوب والقبائل وعاداتهم وأعرافهم أو مذاقات الطعام ولذاذة المشروبات وذخائر مطبخهم أو تراثهم البحرى بمراكبه وما يرتبط بها من مسارات وحكاوى وغناء وتنوع فى كنوز البحر وغيرها، ولذا فى كل رحلة أزور فيها بلدًا عربيًا أضع فى صدارة وجهاتى السياحية البحث عن كنوز تراثه. فأعترف أن أى موضوع يعرّف الطفل العربى وغير العربى فى أى خريطة فى العالم بالتراث الثقافى يهمنى وهو ما يشغلنى لأننى أدركت أن الهوية الثقافية لكل شعب هى قوتها وأمانها الثقافى للبقاء والعطاء.

■ ماذا عن تجربة الحكاء والمهرجانات الدولية؟

- دنيا قريتنا غارقة فى الظلمة وصوت جدتى مطيرة ضوء ينير خيالاتنا ونحن نتحلق حولها فى ليالى الثمانينيات من القرن العشرين، تسرد علينا بصوتها الحنّان حكايات ورثتها من أمها شمسه بنت خلفان، كانت أول من ألهمنى بسينما البيت، ذلك السحر الذى يجمعنا فى شخصيات وأحداث ونهايات حكاياتها سكننى وظل يؤنسنى فى دروب الحياة، ولم أكن أتوقع أن تأثير تلك الحكايا سيوفر لى طمأنينة فى مواقف عشت رعبها أو يوفر لى حيلة وقوة تدفعنى لمواجهة قرار صعب أو خطر يحدّق بي. بهذه المرجعية الوجدانية فى اللاوعى وبهذا الإرث وجدتنى أمد أصابعى لأروى منه أطفالى وأحكى لهم حكايات من تراث جدتى ثم صرت أسافر لقلوب الأطفال فى المحافظات لأحكى لهم حكاية الثعلب الذى أنقذ المزارع من لدغة الأفعى التى أنكرت جميل تدفئته لها فى جيبه. وحكاية محظوظ المنحوس الذى قطع المسافات والصحارى ليبحث عن حظه وحين كان حظه وقدره أمامه تركه ظنا منه وطمعا بحظ أوفر ينتظره. وحكايات الريس جمعان الذى ركب البحر وأقنع الملك بأن الطعام ألذ بالملح حتى يعود بشوالات الذهب لأبيه الذى أهانه.

أما مشاركتى فى مهرجانات الحكى ومنها ملتقى الراوى الدولى فى الشارقة ومهرجان مغرب الحكايات فى الرباط ومهرجان فرحات يامون فى جزيرة جربة فى تونس، فقد فتّح عينى على مضامين الحكايات وطرق الحكى التى تتوارثها الشعوب فى أمريكا اللاتينة وفى إفريقيا وفى جزر إسبانيا وفى غابات الفلبين وصحارى موريتانيا، فمنهم من يحكى مرافقا لأداة موسيقية ومنهم من يحكى بطريقة مسرحية ومنهم عن طريق الغناء، وحكى لى أصدقائى الحكواتيون عن جداتهم وعن بدايات اكتشافهم للحكاية وكيف عشقوها؛ فهذه المهرجانات سوق للحكاية وللحودايت.

■ كيف ترى الأخطار التى تحدق بأطفالنا وخاصة الانترنت؟

- فعلا أستطيع تسميتها أخطارًا، وهذه الأخطار اختلفت وتلونت من جيل إلى جيل، فى الماضى حين ظهر المذياع خاف الآباء على أطفالهم من ضياع أخلاقهم وتبديد وقتهم وهجرهم للعلم وللقراءة، وهكذا كان حين ظهر التلفاز فى البيت ثم الإنترنت، والآن أيضا أرى وأشاهد هذا الخوف والرعب فى عيون الآباء وأسئلتهم وتوهانهم، ولكنى دائما أوصى أصدقائى بالحكاية والحكى للأطفال من كتاب أو من القلب؛ فالحكاية معلم عطوف وحكيم يسحر خيالات الأطفال وفى نفس الوقت يجعلهم يتذوقون عسل الحكمة والخبرة بكل حب وشغف ويشعرون بالأمان والقوة، وحين يتوفر حكّاء ماهر، سواء كان المربى فى البيت أو المعلم فى المدرسة أو الحكواتى فى المسرح أو على اليوتيوب أنا أضمن وأتحدى أن أطفالنا سيهجرون شاشة الآيباد وقد جربت ذلك وعايشته مع أطفالى وبعض أطفال قريتى، وكذلك أوصى أن تعطيهم على الأقل خمس دقائق من يومك، العب معهم بشغف وصداقة وشاركهم ألعابهم سواء على التاب أو التلفاز أو الهاتف كن صديق طفلك واجعله يهزمك حينها سيجد الأمان عندك وسيتغلب على كل خطر.

■ أدب الطفل فى عالمنا العربى يمر بتطورات وتجارب عدة، صف لنا رؤيتك؟

- هناك تطور ملحوظ فى أدب الطفل العربى خلال العقدين الماضيين سببه الجوائز العربية التى بدأت تحتفى وتحتفل وتسوّق لكاتب أدب الأطفال وللناشر المحترف الذى يتقن اختيار الغلاف والورق والحكاية للطفل، وبضغط زر فى جوجل ستجد قوائم الكتب التى وصلت للقوائم القصيرة كعينة مهمة تؤكد هذا التطور فى تلبية احتياجات الطفل فى أغلب مراحل نموه، وهناك تنافس بين دور النشر وهناك سوق انتعش بسبب هذه الجوائز جعل الأسرة العربية تجد محتوى ورقيا باللغة العربية ينافس المحتوى على الأقل باللغة الإنجليزية ولكن مازالت خطوات الناشر العربى والمؤسسات التربوية والثقافية بطيئة وخائفة لتوفير الكتاب الإلكترونى والصوتى للطفل العربى الذى صار يعيش المنافى مع أسرته وقد لا يتوفر له الكتاب الورقي. أتابع بعض التجارب الجيدة الملهمة مثل تطبيق نورى وتطبيق عصافير فى الكتب الإلكترونية وغيرها التى خطت خطوات مثمرة وسهلت علىَّ وعلى بعض الآباء توفر الكتب الصوتية فى السيارة وفى البيت وفى الرحلات.