الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

FBC آخر حيل تجار الوهم للنصب على المواطنين

«المستريح الإلكترونى».. يغازل أطماع راغبى المكسب السريع

«الجبنة المجانية لا توجد إلا داخل المصيدة»، هذا ما حدث فى واقعة النصب التى أجراها محتالو منصة التداول “FBC”، وهم مجموعة أشخاص تحالفوا مع الشيطان ابتكروا حيلة جديدة للنصب على المواطنين، من خلال تجارة الوهم ليسقطوا فريستهم.



لم تكن هذه المنصة، هى الوحيدة فى هذا النوع من النصب، ولكنه بدأ منذ أكثر من 15 عامًا، عندما سقطت شبكة “كيونت” وكانت تعرف بالتسويق الشبكى، ولكن النصب تطور، واتجه إلى استقطاب الضحايا واستدراجهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى.

اللهث خلف تحقيق المكاسب السريعة، والرغبة فى الحصول على الأموال دون تعب أو مجهود، كان دافع الضحايا، والسبب الرئيسى لسقوطهم فريسة سهلة فى أيدى هذه العصابة، ففى فترة قصيرة، استطاع محتالو هذه المنصة الانتشار، واستقطاب أعداد لا بأس بها من معظم محافظات مصر، ولكن يأتى فى المقدمة أعداد ضحايا مدينة سمنود بمحافظة الغربية.

على صفحات التواصل الاجتماعى، ظهرت استغاثات بعض الأشخاص، مفادها اختفاء حساباتهم الخاصة من على منصة “FBC”، وإغلاق الصفحات الخاصة بها، ومن هنا افتضحت حيلة النصب الجديدة، إذ كانت تلك المنصة الإلكترونية تزعم تفعيل حسابات شخصية للأشخاص، وتكليفهم بمهام وهمية بمقابل مادى.

فى البداية يظهر لينك الانضمام، أو يرسله شخص مقرب من الضحية له، وبمجرد تفعيل اللينك وعمل الصفحة الشخصية على المنصة، يطلب من المتداول اختيار مستوى، ولكل مستوى استمارة تعاقد بمبلغ مادى معين يبدأ من 900 جنيه وحتى 11200، ويوجه مسئول المنصة بعض المهام بمقابل مادى يومى للمشترك، تبدأ من 15 جنيهًا للمهمة الواحدة، وتصل إلى 400 جنيه، حسب مستوى الاشتراك، ويكون قبض الأرباح أسبوعيا، ولكل مستوى يوم خاص بالقبض، يبدأ من الساعة 12 صباحًا، وحتى انتهاء عدد أيام القبض.

بهذه الطريقة المرتبة، وزيادة الأرباح كلما ارتفع ثمن استمارة التعاقد، واختيار مستوى أعلى، جذب الكثير من المواطنين، الذين لهثوا خلف مصيدة الأرباح، فوضعوا كل ما يمتلكون فى هذه المنصة الوهمية، فى البداية جنوا الأرباح، وبعد مرور وقت قصير، اختفت المنصة من على جميع وسائل التواصل، ووجدوا أنفسهم ضحايا الفخ.

«ضحايا الوهم»

بين الحزن على ضياع شقى العمر، وانتهاء حلم توظيف الأموال بالكابوس المفزع الذى حدث، وبين الخجل من تغييب عقولهم، واللهث خلف الثراء السريع، واستثمار أموال فى ثراء روى قصصهم المحزنة، فى البداية قالت ولاء. م، إحدى ضحايا “FBC”: “إنها انضمت إلى هذه المنصة بعدما أرسل لها أحد أقاربها لينك التداول، وأكد لها انضمامه هو الآخر منذ فترة، ومن يومها وهو يجنى الأرباح، ولما شرح لها كيفية وسهولة الالتحاق بها والكسب منها، وضعت كل ما تملك فى هذه المنصة”.

وتابعت ولاء: “دونت استمارة تعاقد، وأبلغونى أن هذا المبلغ للتأمين، وعند انتهاء عملى فى المنصة سوف استرده، وبالفعل تم التنفيذ وقمت بعمل محفظة إلكترونية، وربطوها بحسابهم ليتمكنوا من سحب وإيداع المبالغ، وبدأت فى تنفيذ المهام، وتم ضخ مبالغ التداول والأرباح فى حسابى، ووقتها تخيلت أنه شغل حقيقى، ووثقت فيه”.

واستكملت الضحية: “بعد مرور أسبوعين من التداول وجنى أرباح، التى لا تمثل إلا جزءًا بسيطا من المبلغ الذى أودعته، فوجئت بغلق الحساب، وعدم قدرتى على سحب الأرباح، أو الخروج النهائى، وسحب قيمة استمارة التعاقد، وبعد محاولات التواصل مع باقى المتداولين، والأدمنز، أبلغونا أن السحب موقوف بمناسبة عيد الشجرة، والذى لا نعلم عنه شيئًا، واستمر تقديم الأعذار إلى أن افتضح أمرهم، وعلمت وقتها أنه تم النصب على فتوجهت بصحبة مجموعة أشخاص من المتداولين، إلى قسم الشرطة وقمنا بتحرير محضر بما حدث.

وأوضحت “ن. ع”، أحد المتداولين، أن الضحية السابقة هى التى أغرتها للدخول فى هذه المنصة، بعدما شرحت لها المزايا، ليس فقط، فقامت ببيع ذهبها، واشتركت فى مستوى أعلى داخل المنصة، لجنى مزيد من الأرباح، مضيفة: “اشتركت فى مستوى “j3” وفى الأسبوع الأول حصلت على مبلغ 4050 أرباحًا، وهذا لا يمثل إلا جزءًا بسيطا من المبلغ الذى أودعته، وفى الأسبوع التالى اتضح الفخ”.

واستطردت الضحية: “كان من بين شروط هذه المنصة هو دعوة أشخاص آخرين للالتحاق بالمنصة، عقب اشتراك الشخص، لصناعة فريق متدوال بنظام الشجرة والأفرع، وكلما انضم عدد أكبر للمنصة من خلال المتداول زادت أرباحه، وبهذه الطريقة سقط الجميع فى الفخ”، مؤكدة أنها وثقت فى هذه المنصة بسبب انضمام عدد كبير من معارفها وجيرانها لها، فاعتقدت أنها مرخصة وتعطى الأموال بسهولة مثل باقى برامج “اللايف”.

أما الضحية الثالثة، روى والدموع تنهمر من عينيه: “شقى عمرى راح، وعلي أقساط وديون”، مؤكدًا أنه باع السيارة الخاصة به والتى كانت مصدر رزقه، فكان يعمل عليها للإنفاق على أسرته، وسداد الأقساط الخاصة بها، متابعًا: “لما رأى أحد الأشخاص “مدير” فى المنصة، تغير حاله بسرعة شديدة، واتضح عليه مظاهر الثراء، حتى أنه كان يقوم بتوزيع شنط إطعام مجانية للمحتاجين، رغبت فى أن أكون مثله، وقمت ببيع السيارة ووضع ثمنها للاشتراك فى هذه المنصة، وفى عشية وضحاها ضاع كل ما امتلكه، والآن ينتظرنى تسديد الأقساط أو الحبس”.

وأوضح ضحية أخرى، أنه وثق فى هذ المنصة بعدما رأى أشخاصًا من ذوى الثقة لديه، يعملون بها، بخلاف إعلاناتها المنتشرة فى كل مواقع السوشيال ميديا، مضيفًا: “بعد أن رأيت “أكرم عبدالكريم” يعمل بها، والتقى بنا وشرح لنا كيفية الربح منها، ورأينا أيضًا “خالد العدوى” بعد أن كان يقضى قوت يومه بصعوبة، من الأثرياء، قررت أن أرتاح من شقاء مهنة السواقة، ووضع ثمن السيارة فى التداول، لتسديد أقساطها، والإنفاق على أسرتى، وفى النهاية المنصة “فنكوش”.

«بيان الداخلية»

بدأت الواقعة عندما تقدم عدد من ضحايا هذه المنصة، وتحرير 101 محضر، بأقسام الشرطة، ضدها منذ تاريخ 22 فبراير، شن رجال الداخلية البحث عن هذه الشبكة، ومروجيها فى مصر، وتم إلقاء القبض على 14 شخصًا، من “أدمنز” هذه المنصة، أو “مديرين” وهما أساس استقطاب المواطنين، وإسقاطهم فى الفخ، من بينهم 3 أشخاص يحملون جنسيات أجنية.

هؤلاء الثلاثة، قاموا بالاتفاق مع عدد 11 شخصًا لتأسيس شركة بالقاهرة لممارسة نشاطهم الإجرامى والترويج للمنصة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وتطبيق الواتس آب مقابل عمولات مالية، وكذا توفير خطوط هواتف محمولة لتفعيل محافظ إلكترونية عليها ببيانات وهمية، لاستخدامها فى تلقى وتحويل الأموال المستولى عليها، وعقب ذلك تم غلق المنصة ومقر الشركة.

وعقب تقنين الإجراءات تم ضبط 13 منهم، وبحوزتهم عدد من الهواتف المحمولة، 1135 شريحة هاتف محمول، جهاز لاب توب، مبالغ مالية، عملات مختلفة قيمتها مليون و270 ألف جنيه، قرابة 25 ألف دولار، وبمواجهتهم اعترفوا بارتكابهم الواقعة على النحو المشار إليه.

وحذرت وزارة الداخلية، المواطنين من التعامل مع مثل هذه التطبيقات مجهولة المصدر، التى يتم بثها عبر شبكة الإنترنت بزعم تحقيقها أرباحًا مالية سريعة، لعدم تعرضهم للنصب والاحتيال وفقدان أموالهم.

رأى الخبراء

وشدد المستشار عبدالرحمن ماهر أبو رجب، الخبير القانونى، على أن التداول على منصة “FBC” واحدة من أكبر عمليات الاحتيال الإلكترونى التى استهدفت المواطنين، والتى خدعت آلاف المستثمرين بوعود زائفة بتحقيق أرباح خيالية، قبل أن تنهار فجأة وتختفى أموال الضحايا دون أى أثر للمسئولين عنها، مشيرًا إلى أن ما حدث ليس مجرد سوء إدارة أو تعثر مالى، بل جريمة احتيال مالى مكتملة الأركان تستوجب تحقيقًا فوريًا من نيابة الأموال العامة، نظرًا لما تتضمنه من شبهة نصب، وغسل أموال، وتشغيل نشاط مالى غير مرخص.

وتابع “أبو رجب”: “أن القصة من الناحية القانونية، تعد جريمة نصب واحتيال جماعى، والمنصة استخدمت وسائل احتيالية لإيهام المستثمرين بتحقيق أرباح غير حقيقية، وهو ما يُجرمه قانون العقوبات المصرى، كما أنه يندرج تحت بند غسيل الأموال بسبب تحويل الأموال بطرق غير قانونية، وغير شرعية، مما يستوجب تحقيقًا ماليًا موسعًا لتتبع مسار هذه الأموال”.

وأوضح الخبير القانونى، أن تشغيل كيان استثمارى دون ترخيص من الجهات المختصة مثل الهيئة العامة للرقابة المالية أو البنك المركزى المصرى يُعد انتهاكًا للقوانين الاقتصادية المنظمة للمعاملات المالية، لافتًا إلى ضرورة فتح تحقيق عاجل من نيابة الأموال العامة لملاحقة المتورطين وتجميد أصولهم المالية قبل تهريبها، وإلزام الجهات الرقابية بتشديد الإجراءات ضد الكيانات التى تروج لاستثمارات غير قانونية على الإنترنت، وسرعة تقديم الضحايا المستندات “إيصالات الدفع، المحادثات، الإعلانات المضللة” لضمان حقوقهم، مؤكدًا أن بقاء مثل هذه الجرائم دون عقاب يفتح الباب لمزيد من عمليات النصب الإلكترونى التى تهدد استقرار السوق المالى وتؤثر على ثقة المستثمرين فى التعاملات الرقمية.

وقال الخبير الاقتصادى حسن بكر، استشارى إدارة أعمال، وتخطيط مشروعات، وتقييم دراسة الجدوى: “إنه لا يوجد مكسب بدون معرفة وتقييم، وجهد وعمل، ورغم تعاطفنا مع الضحايا، إلا أننى ألقى اللوم عليهم، بسبب تهورهم، وتغييب عقولهم، ولهثهم الشديد خلف المكسب السهل السريع”، مؤكدًا أن التداول المالى يحتاج خبرة، ودراسة، وتعامل مع جهات رسمية موثوقة.

واستكمل “بكر”: “إن النصب موجود، وتعددت حيله، ورغم سقوط شبكة تسويق إلكترونى، وضياع مدخرات المتعاملين معها منذ عدة أعوام، إلا أن تجدد وتطور أدوات النصب أسقطت عددًا من المواطنين ضحية النصب مرة أخرى”. 

ونوه اللواء عبدالرحمن رضوان، رئيس القسم الفنى بإدارة مباحث مكافحة الجرائم الإلكترونية، أن واقعة النصب من خلال منصة التداول “FBC” لم تكن الأولى من نوعها، وبالفعل أسقط رجال الداخلية شبكة مماثلة قبل عدة سنوات، بنفس النظام، ونفس تقديم المغريات لجذب الضحايا.

ووجه “رضوان”، بضرورة تحرى الدقة من قبل المواطنين، قبل إيداع أموالهم فى أى نشاط، قبل التأكد من شريعته وأنه مرخص، مضيفًا: “أن المكسب يأتى بالعمل والسعى، وليس بتجارة الوهم”.