انطلاقة صناعية كبرى بصعيد مصر
المنيا والفيوم.. عواصم جديدة لصناعة الغزل والنسيج

ناهد إمام وسلوى عثمان
تستعد مصر لدخول عصر جديد من النهضة فى مجال المنسوجات، بإعلان الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، إطلاق مدينتين نسيجيتين متكاملتين فى الصعيد، بكل من المنيا والفيوم، على مساحة تصل إلى 5.5 مليون م² لكل منهما، وذلك فى إطار الاستراتيجية الوطنية للصناعة التى تمتد لمدة 6 سنوات حتى عام 2030.
وأكد عدد من خبراء الاقتصاد والأعمال لـ«روزاليوسف» أن هذه الخطوة تُعد انطلاقة مهمة للمساهمة فى رفع معدلات نمو الاقتصاد المحلى وزيادة الصادرات المصرية، حيث تُساهم صناعة المنسوجات والملابس فى أكثر من 6.2% من إجمالى الصادرات المصرية خلال الفترة (يوليو - مارس) من العام المالى 2023/2024، وذلك ضمن خطة الدولة للوصول إلى 11.5 مليار دولار كحجم مستهدف لصادرات المنسوجات والملابس خلال 5 سنوات، مقارنة بـ2.8 مليار دولار حاليًا.
أضاف الخبراء أن المدينتين الجديدتين ستُسهمان فى زيادة مساحة الأراضى المزروعة بالقطن، إذ تُعد مصر أكبر منتج للقطن طويل التيلة فى إفريقيا.
كما تساهم هذه الصناعات فى تحقيق الزيادة المستهدفة لنسبة مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الإجمالي، من 14% إلى 20% سنويًا بحلول عام 2030.
وأشاروا إلى أن إطلاق المدينتين يأتى ضمن المرحلة الثانية من المشروع القومى لتطوير صناعة الغزل والنسيج، والمقرر تنفيذه خلال العام الجارى 2025.
ورقة التسويق
فى البداية، قال د.إبراهيم درويش، أستاذ المحاصيل ووكيل كلية الزراعة بجامعة المنوفية، إن إنشاء مدينتين للصناعات النسيجية فى الصعيد للمرة الأولى يساهم فى إقامة عدد كبير من المصانع، وبالتالى زيادة الطلب المتوقع على القطن المصري. وأشار إلى أن هذا الطلب سيساهم مباشرة فى التوسع بزراعة «الذهب الأبيض» - القطن - مشيرًا إلى أن مصر كانت تزرع أكثر من مليون فدان فى فترات سابقة، إلا أن المساحات بدأت فى التناقص لاحقًا.
وأضاف: «منذ عام 2014، وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكومة بالنهوض بمحصول القطن كمحصول استراتيجي، والتوسع فى زراعته»، موضحًا أنه فى عام 2024 تم زراعة نحو 311.7 ألف فدان، بينما بلغت المساحة المزروعة حاليًا حوالى 340 ألف فدان، بزيادة تقارب 29 ألف فدان عن العام السابق.
وأكد أن المشكلة الرئيسية كانت فى تسويق القطن، كونه محصولًا تصنيعيًا غير قابل للتخزين إلا فى ظروف معينة. لكن الدولة بدأت فى حل المشكلة بتحديد سعر ضمان استرشادى لتوريد القطن، يبلغ حوالى 12 ألف جنيه للقنطار فى وجه بحري، و10 آلاف جنيه فى وجه قبلي، موضحًا أن فرق السعر يرجع لاختلاف نوعية الأقطان، حيث تُزرع الأصناف الممتازة المحبة للرطوبة العالية فى وجه بحري، بينما تُزرع أصناف القطن الطويل مثل «جيزة 95 و98» فى الصعيد.
ونوّه بأن الدولة تولى اهتمامًا كبيرًا حاليًا بتطوير مصانع الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى، لتحويل القطن من مادة خام إلى منتج ذى قيمة مضافة قابلة للتسويق، إلى جانب إقامة المدينتين الجديدتين بالصعيد لتوافر المادة الخام اللازمة لتلك المصانع.
وأشار إلى وجود دراسة لزراعة بعض أصناف القطن قصير التيلة فى مدينة توشكى، يمكن استغلال إنتاجها فى الصناعات النسيجية.
وتوقع د. درويش إقبال المزارعين على زراعة القطن، نتيجة ضمان التسويق وسعر الشراء العادل، خاصة أن الدولة نفسها باتت تستخدم هذا القطن فى التصنيع، بما يحقق عائدًا من النقد الأجنبى من خلال زيادة قيمة الصادرات، ويوفر فرص عمل ويُسهم فى دعم الصناعة التكنولوجية.
ريادة مصرية
من جانبه، أكد المهندس رامى غالي، رئيس لجنة رجال الأعمال باتحاد المستثمرات العرب ورئيس لجنة التدريب بالاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، أن الدولة، بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، نجحت فى اتخاذ عدة مبادرات لدعم المستثمرين فى القطاع الصناعي، بهدف رفع مساهمة القطاع فى الناتج المحلى من 14% إلى 20% بحلول 2027.
وأشار إلى أن إنشاء مدينتين للصناعات النسيجية فى الصعيد يأتى ضمن توجه الدولة لإحياء المشروعات الصناعية الضخمة، ومن بينها تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع القومى لتطوير صناعة الغزل والنسيج، والتى تشمل مصانع فى المحلة الكبرى، وكفر الدوار، ودمياط، والمنصورة، والمنيا، وحلوان، والفيوم، والمقرر الانتهاء منها خلال العام الجارى 2025، على أن تبدأ المرحلة الأخيرة مطلع عام 2026 .
وأكد «غالى» أن مصر تُعد أكبر منتج للقطن طويل التيلة فى إفريقيا، وأن المدينتين الجديدتين ستُساهمان فى رفع نسبة صادرات المنسوجات والملابس، التى تمثل حاليًا أكثر من 6.2% من إجمالى الصادرات المصرية (خلال الفترة من يوليو حتى مارس من العام المالى 2023/2024)، دعمًا لخطة الدولة لمضاعفة حجم صادرات هذا القطاع، والوصول بها إلى 11.5 مليار دولار خلال 5 سنوات، مقارنة بـ2.8 مليار دولار حاليًا.
وقال إن قطاع الغزل والنسيج يتمتع بالعديد من المزايا التنافسية التى تجعل مصر وجهة جاذبة للاستثمارات فى هذا المجال، حيث تمتلك الدولة سلاسل إمداد متكاملة فى صناعة المنسوجات، مدعومة ببنية تحتية متطورة، وأنظمة استثمارية متنوعة، ومناطق صناعية متخصصة، بالإضافة إلى الاتفاقيات التجارية التفضيلية التى وقعتها مصر مع عدد كبير من دول العالم. كما تُعد كفاءة العمالة المصرية فى هذا القطاع ميزة إضافية، مما يوفر بيئة مثالية للشركات الراغبة فى الاستثمار والتوسع داخل السوق المصرية.
مركز للصناعات النسيجية
وفى هذا السياق، أوضح المهندس فاضل مرزوق، رئيس المجلس التصديرى للملابس الجاهزة وعضو لجنة تنمية الصادرات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، أن إنشاء مدينتين للصناعات النسيجية يأتى فى إطار خطة طموحة لرفع صادرات القطاع إلى 12 مليار دولار بحلول عام 2030.
وأشار إلى أن مشروع المدينة النسيجية فى المنيا سيوفّر ما بين 800 ألف إلى مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال السنوات المقبلة، مع تركيز خاص على تشغيل السيدات فى المنيا والمحافظات المجاورة.
وأكد «مرزوق» أن الدعم الحكومى كان حاسمًا فى تسريع إجراءات تخصيص الأراضى، كما وعد رئيس مجلس الوزراء بسرعة توصيل المرافق الأساسية، مما يعكس التزام الدولة بتحويل مصر إلى مركز إقليمى للصناعات النسيجية، وضمان تنفيذ الخطة الموضوعة لتحقيق مستهدفات نمو الصادرات.
وأوضح أن الأراضى المخصصة فى المنيا ستُستخدم لإنشاء 600 مصنع جديد، لافتًا إلى أن هذه الخطوة ستجذب استثمارات محلية وعالمية، خاصة مع وجود طلبات مبدئية من شركات صينية وتركية للتوسع فى مصر.
وأشار إلى أن استراتيجية المجلس التصديرى للملابس الجاهزة تستهدف زيادة الصادرات بنسبة تتراوح بين 20% و 25%سنويًا، بعد أن حقق القطاع نموًا بنسبة 18% خلال عام 2024، بإيرادات بلغت 2.84 مليار دولار.
وأضاف «مرزوق» أن الخطة تستهدف تعزيز التواجد فى الأسواق الأوروبية والأمريكية، التى سجلت صادرات القطاع إليها نموًا بنسبة 34% و17%على التوالى خلال العام الماضى، وفقًا للخطة المعلنة من المجلس التصديرى للملابس الجاهزة.
كما أشار تقرير المجلس إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر الدول المستقبلة لمنتجات الملابس الجاهزة المصرية، بقيمة بلغت 193 مليون دولار خلال أول شهرين من عام 2025، مقابل 183 مليون دولار فى نفس الفترة من العام الماضى.
وأوضح أن صادرات الملابس إلى أوروبا قفزت بنسبة 49% لتسجل 147 مليون دولار، مقابل 98 مليون دولار، فى إطار النمو الملحوظ لصادرات القطاع إلى دول الاتحاد الأوروبي، كأحد أهم الأسواق المستقبلة للملابس.
كما ارتفعت الصادرات إلى تركيا بنسبة 89%، لتسجل 66 مليون دولار مقابل 35 مليون دولار.
تطوير زراعة القطن
من جانبه، أكد ممدوح حنا، عضو غرفة الصناعات النسيجية وعضو اتحاد الأقطان، أن القطن المصرى يُعد من أجود أنواع القطن عالميًا، لما يتميز به من ألياف طويلة وناعمة.
وأضاف أن الدولة اتخذت خطوات جادة نحو تطوير زراعة القطن، من خلال توفير 9 أصناف جديدة عالية الإنتاجية، أبرزها: «سوبر جيزة86»، و«سوبر جيزة94»، و«جيزة 98»، وذلك فى إطار خطة لتوفير خامات القطن بأعلى جودة، بما يدعم الصناعة المحلية ويزيد من قدرتها التنافسية عالميًا.
وأشار إلى أن إجمالى المبيعات المحلية من القطن خلال الموسم الحالى بلغ نحو 1.1 مليون قنطار، وهو ما يعكس استمرار الطلب القوى على القطن المصرى فى الأسواق المحلية والدولية.
وفيما يخص التصدير، أوضح حنا أن الشركات تسعى إلى تصدير ما بين 65% و70% من إنتاجها للأسواق العالمية، مع التركيز على الأسواق الهندية والباكستانية، بالإضافة إلى الأسواق الأوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال.
وأكد أن تصدير الغزول النهائية يُعد مصدرًا مهمًا لتوفير النقد الأجنبى ودعم خطط تطوير الصناعة.
وأضاف أن الاستثمارات الجديدة فى مصانع الحليج لعبت دورًا مهمًا فى تحسين جودة الأقطان المصرية، حيث تم تطوير منظومة الحليج باستخدام أحدث التقنيات، ما ساهم فى تقليل الفاقد وتحسين مواصفات الألياف لتكون أكثر ملاءمة لاحتياجات السوق العالمية، وهو ما يدعم تنافسية الغزول المصرية فى الأسواق الخارجية.
وشدد على أن التكامل بين الزراعة والتصنيع هو الحل الأمثل لتعظيم الاستفادة من القطن المصرى.