سيناء على الشاشة
تاريخ عظيم لأرض الله المباركة

آية مجدى
«هنا كانت المعركة وكانت البطولات»، عبارة تُلخص تاريخ كُتب بالدم والتضحيات على أرض سيناء، ففى هذه البقعة سُطرت بطولات رجال رفضوا الهزيمة، واختاروا المواجهة حتى آخر لحظة، ومن صميم الحقيقة ولِدت العديد من الأعمال الفنية التي لم تكتف بسرد الأحداث، بل منحت البطولات صوتًا وصورة وخلودًا منذ نكسة 67، مرورًا بحرب الاستنزاف وعبور73، وحتى الحرب ضد الإرهاب، إذ استمر الفن فى توثيق القصة، واستحضار أرواح الأبطال ..وفى هذا التقرير، نستعرض أبرز ما قدمه الفن حول بطولات الجيش المصري على أرض الفيروز.
فى البداية، يرى عدد من النقاد أن الأعمال الفنية التي تناولت تاريخ أرض الفيروز قليلة، إذ تقول الناقدة ماجدة خير الله: “الأعمال التي تناولت سيناء وتحريرها قليلة جداً، ولا تتناسب مع عظمة الحدث، ومازلنا بحاجة إلى أعمال ضخمة على المستويين السينمائى والدرامي، تتماشى مع حجم البطولات والتضحيات التي بُذلت من أجل تحرير الأرض”.
وأكدت خير الله، أن هذه القضية ليست مرتبطة فقط بالتوثيق أو الترفيه، بل تعتبر قضية أمن قومي، مضيفة: “هناك روايات إسرائيلية تُعرض للعالم من خلال أفلام لا تقتصر على الإنتاج الإسرائيلى فقط، بل تشارك فيها جهات إنتاج أوروبية كبرى، وهذا يمثل تحدياً يتطلب منا الرد بأعمال فنية قوية ومؤثرة”.
وعن فكرة تتمنى تقديمها كمؤلفة فى عمل فنى عن سيناء، قالت خير الله: “لا أهتم فقط بالتفاصيل العسكرية، بل بالأشخاص أنفسهم، سواء كانوا قادة أو مجندين بسطاء، فكما كان لانتصار أكتوبر أبطال من الفلاحين والمجندين البسطاء، كذلك لتحرير سيناء رجال من عامة الشعب، ولا ينبغى التقليل من دورهم فى صناعة النصر”.
وأشادت بفيلم “أغنية على الممر”، معتبرة أنه قدّم علاقة الجيش بالشعب بشكل واقعى ومؤثر، وكان بمثابة مرجعية لجمهور تلك المرحلة فى فهم أجواء الحرب ومعايشة لحظاتها.
أما عن أفضل من جسدوا دور الجندى المصري، فقالت خير الله إن الفنان محمود ياسين فى فيلم “الرصاصة لا تزال فى جيبي” قدّم شخصية الجندى بتميز وبراعة، مشيدة بدور الفنان محمود مرسى فى فيلم “ثمن الحرية”.
ويرى الناقد محمود قاسم، أن السينما المصرية لم تعكس بشكل كافٍ صورة المواطن السيناوي، وأهملت كثيرًا فى تسليط الضوء على بطولاته ومساهماته فى دعم الجيش المصري خلال معارك التحرير، على عكس الأدب الذي تناول الموضوع بشكل أكثر تعبيرًا واحترافية، متابعا: هناك رواية بعنوان “الرصاصة لاتزال فى جيبي” للكاتب إحسان عبدالقدوس التي تحولت إلى فيلم شهير، وكانت أكثر وضوحًا فى تصوير الدور الوطني لبدو سيناء، خاصة فى المشهد الذي يختبئ فيه الجندى المصري داخل خيام البدو، حيث يقدمون له الحماية ويمنحونه ملابسهم لمساعدته فى العودة إلى الوادي، مما يدل على انتمائهم الصادق ورفضهم الاحتلال”.
وأضاف قاسم، أن أحد أبرز المشاهد التي تجسد المعنى الحقيقى للولاء الوطني جاء فى فيلم “إعدام ميت” للفنان محمود عبدالعزيز والمخرج على عبد الخالق، المستند إلى إحدى القصص الحقيقية من ملفات المخابرات، مستطردا : “فى هذا الفيلم، يظهر مشهد الأب السيناوى الذي يقتل ابنه بعد أن اكتشف خيانته وتعاونه مع العدو”.
ويعتبر “قاسم”، هذا المشهد تجسيدًا صارخًا لموقف أهل سيناء من الخيانة، وإصرارهم على تطهير هذا العار بأى ثمن، حتى لو كان الثمن هو حياة الابن الوحيد.
وتابعت الناقدة حنان شومان:” للأسف الشديد، لم تُقدم السينما أو الدراما أعمالًا فنية تليق بأحداث حرب أكتوبر، مرورًا بحرب الاستنزاف، وصولًا إلى تحرير سيناء ورفع العلم المصري عن طابا، التي كانت آخر نقطة تم تحريرها”.
وأضافت: “كان من المفترض وجود عمل فنى يعكس القيمة الحربية أو حتى الفعالية لهذه العمليات الحربية، بما فى ذلك المفاوضات، حيث عادت طابا من خلال مفاوضات كانت صعبة للغاية وتحمل دراما قوية، لكن لم يتم تقديم ذلك على الشاشة بالمستوى المطلوب”.
وتابعت: “حرب أكتوبر تعتبر واحدة من الحروب المهمة عالميًا، وتُدرس فى كل الأعمال التي تناولت الحرب، لكن حتى الأعمال التي تم تقديمها عنها على الشاشة كانت ضعيفة”.
وأكدت أن هناك أغان قدمت أبرزها “سيناء رجعت تانى لينا” للراحلة شادية، كانت تعكس مستوى وقيمة العمل العسكرى والتفاوضي، لكن السينما والدراما لم تقدما شيئًا فى هذا المجال.
وشددت “شومان”، على أهمية إنتاج مزيد من الأعمال التي تتناول بطولات الجيش المصري، سواء خلال معارك سيناء أو غيرها من المعارك، مؤكدة أن دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة تقدِم أعمالاً كثيرة تجسّد جيشها بوصفه أقوى جيوش العالم، حتى لو استندت إلى وقائع قديمة، من أجل خلق صورة ذهنية راسخة عن القوة الأمريكية، وهو منهج تسير عليه أمريكا باستمرار.
وعن أمنيتها للأعمال الفنية المستقبلية، قالت شومان: “أتمنى أن أرى أعمالًا تتناول حرب أكتوبر ومفاوضات تحرير طابا، وتكون أعمالًا قوية مثل العشرات والمئات من الأعمال الفنية التي تنتجها فرنسا وإنجلترا وأمريكا عن الحرب العالمية الثانية وقوتها، وعلى الرغم من أن أمريكا هُزمت فى فيتنام، إلا أنهم يقدمون أعمالًا درامية وسينمائية عظيمة عن تلك الحرب، مما يجعل اى شخص يتعاطف مع الجندى الأمريكي، رغم أنه فى الحقيقة مجرمًا، وأتمنى أيضاً أن أرى الكثير من الأعمال التي تعبر عن هذه الذكرى وهذه الحقبة الزمنية من التاريخ، لأنها تستحق أن تُصنع فيها العشرات والمئات من الأعمال الفنية، لكن للأسف، لا أرى ذلك فى الواقع”.