الإمام عبدالحليم محمود

فى عام 2003 ذهبت إلى كلية أصول الدين بالقاهرة لمقابلة العميد فى هذا التوقيت وكنت محررًا صحفيًا فى جريدة صوت الأزهر، طلب منى الكاتب الصحفى الراحل محمود حبيب رئيس التحرير، تحقيقًا صفحة كاملة عن معلومة متداولة عن فضيلة الإمام الأكبر عبدالحليم محمود شيخ الأزهر، بأنه بشر الرئيس الراحل أنور السادات بنصر أكتوبر عام 1973.

ذهبت لمقابلة عميد أصول الدين، وكانت هذه المقابلة بمثابة فاتحة خير فى أمور كثيرة لا وقت للحديث عنها الآن، التقيت العالم الجليل الدكتور منيع عبدالحليم محمود، عميد كلية أصول الدين وقتها، وهو ابن الإمام الأكبر شيخ الأزهر، جلست معه ما يقرب من ثلاث ساعات متواصلة أستمع بشغف عن قصص ومواقف فى حياة الإمام الأكبر، منذ مولده فى الثانى عشر من مايو فى قرية السلام - مركز بلبيس - محافظة الشرقية فى الثانى من جمادى الأولى لعام: 1328هـ، الموافق للثانى عشر من مايو لعام: 1910م، لأسرةٍ محبةٍ للقرآن والعلم والذكر.

حكى لى الدكتور منيع رحمة الله عليه، كيف حَفِظَ والده القرآن الكريم والتحق بالأزهر الشريف، وحصل على الشهادة الثانوية ثم العالمية سنة 1351هـ/1932م.

بعدها سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال رحلته العلمية حتى حصل على درجة الدكتوراه فى الفلسفة الإسلامية سنة 1940م من جامعة السوربون.

ما سمعته من ابن الإمام الأكبر عن حياة والده، يؤكد أننا أمام رجل من أعلم أهل الأرض فى زمانه، لا يخشى فى الله لومة لائم، ولا يرضخ لأمور الدنيا ومن عليها.

هناك أشياء عرفتها عن الإمام الأكبر منها ما هو قابل للنشر، وآخر لم يأذن لى ابنه الدكتور منيع فى نشره، وبعد مرور ما يقرب من خمسة وعشرين عاما على هذه المقابلة، أحمل فى قلبى محبة للراحل العظيم الدكتور منيع ووالده أستاذنا جميعا فضيلة الإمام الأكبر عبدالحليم محمود.

مر ربع قرن على مقابلة صحفية، عن شخصية شيخ الأزهر، لكى أشاهد بنفسى أن علماء الأمة وشيوخ وأساتذة الأزهر الشريف الآن وفى معظم الجامعات العربية والأوروبية، جميعهم تلامذة فى محراب علم” إمام التعبئة الروحية “ خلال حرب الاستنزاف، وعالم دين بدرجة مقاتل على الجبهة قبل حرب أكتوبر المجيدة.

مكتبة شيخ الأزهر الأسبق، زاهرة بمؤلفات تصل إلى 100 كتاب، أغلبها فى الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامى، وترجم رواية فرنسية من تأليف الأديب الفرنسى أندريه موروا عام 1946، وقطع الإمام عبدالحليم محمود، المتصوف الزاهد والإمام الثائر مشوارًا طويلًا لتنقية علم التصوف من الشوائب التى علقت به، وجاء كتابه فى هذا المجال “ المنقذ من الضلال” عن نشأة التصوف، وعلاقته بالمعرفة والشريعة، أهم المراجع على الإطلاق فى هذا العلم.

تحية إلى إمام التعبئة الروحية، والعالم الزاهد وأستاذ الأجيال الحالية من علماء المسلمين فى بقاع الأرض، الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق خريج جامعة السوربون يوم مولده ويوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى، على خدمته لدينه ووطنه وعروبته.

تحيا مصر