الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الاقتصاد المصرى

بيئة استثمارية جاذبة.. ومنظومة ضريبية عادلة

رغم التقلبات العالمية والتحديات الإقليمية، لا يزال الاقتصاد المصرى قادرًا على الصمود والحفاظ على نسبة النمو، بينما خفض صندوق النقد الدولى توقعاته لنمو الاقتصاد العالمى.



وخلال كلمة مسجّلة تمّت إذاعتها فى المؤتمر العلمى السنوى لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، إن النظام الاقتصادى العالمى، الذى عملت فى إطاره دولُ العالم على مدار الثمانين عامًا الماضية، والقائم على أسس التعاون الاقتصادى والتعددية الدولية، يُعاد تشكيله الآن؛ إيذانًا بدخول الاقتصاد العالمى حقبة جديدة لا تزال ملامحها الاقتصادية غير واضحة حتى الآن.

أضاف رئيس الوزراء خلال المؤتمر الذى يُعقد بالتعاون مع كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تحت عنوان: «الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية فى مصر: الطريق إلى نمو مستدام»، أن فعاليات المؤتمر العلمى السنوى لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار تنعقد فى ظرف عالمى دقيق، فى ظل ما يشهده الاقتصاد العالمى من تباطؤ ملحوظ فى معدلات النمو الاقتصادى، نتيجةً لتزايد التوترات التجارية، والارتفاعِ غير المسبوقِ فى مستويات عـدم اليقين بشأن السياسات، وهو ما ينعكس بشكل كبير على قدرة حكومات دول العالم على التعامل مع تلك التحديات المركبة.

وأضاف: لعلكم تابعتم ما انتهت إليه مؤخرًا اجتماعات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، التى عُقدت فى واشنطن نهايةَ شهر أبريل الماضى، وسلسلة نقاشات الخبراء الاقتصاديين خلالها، وما أشارت إليه من عدد من التوقعات والمؤشرات المهمة بشأن ملامح أداء الاقتصاد العالمى خلال الفترة المقبلة، والتى يتعين الوقوف عندها.

وسرد رئيس الوزراء عددًا من تلك المؤشرات، منها: قيام صندوقِ النقد الدولى بإجراء خفض تراكمى لتوقعاته للنمو الاقتصادى العالمى بنحو 0.8 نقطة مئوية، مقارنةً بتوقعاته السابقة الصادرة فى شهر يناير 2025، ليصل إلى 2.8% خلال العام الجارى، و3.0% فى العام المقبل، وذلك نتيجةً لعدد من الأسباب، على رأسها التأثيرات المحتملة للحرب التجارية العالمية.

كما أشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى مؤشر آخر يتعلق بالتباطؤ المتوقع لنمو الأسواقِ الناشئة والاقتصادات النامية، حيث خُفّضت معدلات نمو هذه المجموعة لتصل إلى 3.7% فى عام 2025، و3.9% فى عام 2026، مع تخفيضات كبيرة فى التصنيفات الائتمانية للدول الأكثر تضررًا من التدابير التجارية الأخيرة.

وكذلك، تزايدت توقعات المستثمرين بتوجّه البنوك المركزية نحو تيسير السياسات النقدية فى الأسواق الناشئة، الأمر الذى سيؤدى إلى تزايد موجات تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج، فى وقتٍ تحتاج فيه اقتصادات هذه الدول، التى تواجه بالفعل أعلى تكاليف تمويل حقيقية منذ عقد كامل، إلى إعادة تمويل ديونها وموازناتها العامة بكُلفة أعلى.

ونوَّه رئيس الوزراء، خلال حديثه عن التوقعات والمؤشرات المهمة بشأن ملامح أداء الاقتصاد العالمى، إلى أن السياسة المالية تواجه الآن مفاضلة أكثر حدة بين خفض الديون، وبناء الحيز المالى لمواجهة حالات عدم اليقين، واستيعاب ضغوط الإنفاق.

وأوضح أن كل ذلك يأتى فى ظل ضعف آفاق النمو، وارتفاع تكاليف التمويل، وتزايد المخاطر.

كما تتضمن المؤشرات التى ساقها الدكتور مصطفى مدبولى الارتفاع المتوقع لمستويات الدين العام العالمى بمقدار 2.8 نقطة مئوية إضافية من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2025، واقترابه من مستوى 100% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول نهاية العقد الجارى، متجاوزًا ذروة الجائحة.

هذا فضلًا عن التوقع بأن يشهد أكثر من ثلث بلدان العالم زيادة فى الديون فى عام 2025 مقارنة بعام 2024، وتمثل هذه الاقتصادات مجتمعة نحو 75% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وتشمل دولًا رئيسة فاعلة مثل: الصين، والولايات المتحدة، وأستراليا، والبرازيل، وفرنسا، وألمانيا، وإندونيسيا، وإيطاليا، والمكسيك، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب إفريقيا، والمملكة المتحدة.

وقارن رئيس الوزراء، خلال كلمته، هذه التوجهات الاقتصادية المستقبلية المتوقعة بوضع الاقتصاد المصرى فى ظل هذا المنعطف الاقتصادى العالمى الحاسم، موضحًا أنه فى حين تم تخفيض توقعات النمو الاقتصادى للعديد من البلدان النامية واقتصادات السوق الناشئة، قام صندوق النقد الدولى برفع توقعاته لنمو الاقتصاد المصرى للعام الجارى إلى 3.8%، وإلى 4.2% فى العام المقبل، مع توقعه ارتفاع وتيرة نمو الاقتصاد المصرى إلى 5.5% فى عام 2030.

واستطرد: «وفى حين تأثرت العديد من الأسواق الناشئة بالتقلبات التى طالت الأسواق المالية العالمية وأسعار الأصول عقب يوم التحرير وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن رفعٍ مرتقبٍ لمعدلات التعريفة الجمركية لتسجل أعلى مستوياتها فى غضون قرن كامل، وتأثر عدد من الاقتصادات الناشئة بتلك التقلبات وخروج رؤوس الأموال الأجنبية، التزمت مصر بسياستها المرنة لسعر الصرف فى مواجهة تلك التقلبات، وهو ما انعكس إيجابًا على سوق الصرف الأجنبي».

وأضاف رئيس الوزراء: «وبينما تشير التوقعات الدولية إلى زيادة معدلات المديونية فى ثلث بلدان العالم، تسعى مصر إلى خفض نسبة دين أجهزة الموازنة العامة والوصول بها إلى معدلات أكثر استدامة، لتبلغ نحو 80% من الناتج المحلى الإجمالى بنهاية العام المالى 2026/2027، من خلال تبنى إصلاحات مالية جادة على جانبى الموازنة، من أهمها إصلاحات ضريبية تستهدف توسيع القاعدة الضريبية وتيسير الإجراءات الضريبية على الممولين».

وأوضح أن تلك الإصلاحات أسهمت فى نمو الإيرادات الضريبية، لتحقق أعلى مستوياتها منذ سنوات، بارتفاع بلغت نسبته 38% خلال الأشهر التسعة الماضية، كما تم تحقيق فائض أولى بنسبة 2.5% من الناتج المحلى، رغم تراجع إيرادات قناة السويس.

وخلال كلمته، قال الدكتور مصطفى مدبولي: «تُدرك الحكومة المصرية جيدًا أن تحسين نوعية النمو الاقتصادى لا يقل أهمية عن رفع وتيرة النمو الاقتصادي. فبلوغ مستويات شاملة، ومتوازنة، ومستدامة، وأكثر عدالةً وإنصافًا من النمو الاقتصادى، يعد الهدف الأسمى للحكومة المصرية، من خلال برنامج عملها للفترة (2024/2025 - 2026/2027) بعنوان «معًا نبنى مستقبلًا مستدامًا»، الأمر الذى لن يتحقق دون مواصلة مسيرة الإصلاح الاقتصادى التى بدأتها مصر فى عام 2016، ولا سيما فيما يتعلق بمواصلة البرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، وما يتضمنه من إصلاحات هيكلية ومؤسسية مهمة لدفع قدرات الاقتصاد الوطنى وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة».

وأكد أنه من المهم فى هذا السياق الإشارة إلى سمات نهج الإصلاح الاقتصادى الذى تحرص مصر على تبنيه حاليًا ومستقبلًا، بما يشمل: التركيز على دعم وتمكين القطاع الخاص وتيسير بيئة الأعمال؛ فقد تبنَّت الحكومة المصرية، وعلى مدار الفترة (2022 - 2024)، نحو 500 إصلاح داعم للقطاع الخاص فى ستة محاور رئيسية، يتركز نحو 64% منها فى مجالى دعم الاستثمار وتشجيع القطاع الصناعى. 

وتابع: قد أسهمت مختلف هذه الإصلاحات فى رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص فى الاستثمارات الكلية المنفذة إلى 43% فى عام 2023/2024، ومن المخطط أن تواصل الارتفاع إلى نحو 50% فى العام المالى الحالى 2024/2025.

هذا فضلًا عن تنفيذ ما التزمت به مصر فى إطار «وثيقة سياسة ملكية الدولة للأصول»، التى تُعد، بشهادة البنك الدولى، الأولى من نوعها فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من حيث التركيز على دعم القطاع الخاص وحوكمة الأصول المملوكة للدولة، حيث تم اتخاذ قرارات فعلية تسهم فى حوكمة الشركات الحكومية وتعزيز التنافسية. 

علاوة على ذلك، تسعى الحكومة المصرية إلى مواصلة تنفيذ برنامج الطروحات، مع التركيز على عدد من القطاعات الاستراتيجية الجاذبة للمستثمرين، بدعم فنى من مؤسسة التمويل الدولية.

ولفت رئيس الوزراء أيضًا إلى مساندة عدد من التكتلات والمؤسسات الدولية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى فى مصر، سواء فيما يتعلق بتنفيذ الإصلاحات المتضمنة فى اتفاق «التسهيل الممدد» مع صندوق النقد الدولى بقيمة 8 مليارات دولار على مدار 46 شهرًا، أو ما يتصل بمجموعة الإصلاحات المنفذة فى سياق الشراكة الاستراتيجية بين مصر والمفوضية الأوروبية، فى إطار حزمة دعم أوروبية بقيمة 7.4 مليار يورو حتى عام 2027، لتعزيز الاستقرار الاقتصادى، وضمان بيئة اقتصادية مستقرة وجاذبة للاستثمار، وتشجيع الاستثمار والتجارة.

وتابع حديثه قائلًا: «هذا بالإضافة إلى حرص الدولة المصرية على تعزيز أُطر الحماية الاجتماعية لدعم الفئات الهشّة، وتقليل تبعات الإصلاح الاقتصادى عليها، من خلال تبنّى العديد من السياسات والبرامج التى تستهدف بدقة الفئات المستحقة. 

وتابع: وليس أدلّ على ذلك من ارتفاع الإنفاق المخصص للحماية الاجتماعية فى موازنة العام المالى 2025/2026 بنسبة 16.8% ليصل إلى 742.5 مليار جنيه، وارتفاع مخصصات برنامج «تكافل وكرامة» بنسبة 35% فى العام نفسه لتصل إلى 54 مليار جنيه».

وأخيرًا، يشمل نهج الإصلاح الاقتصادى، حسبما قال الدكتور مصطفى مدبولى، صياغة برامج الإصلاح وفق أطر تشاركية تجمع كل أصحاب المصلحة، وتُشركهم فى فلسفة تبنى تلك الإصلاحات، بما يُسهم فى رفع مستويات كفاءة الإصلاحات المنفذة.

 ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك، تحرك وزارة المالية المصرية، التى تبنّت مؤخرًا العديد من الإصلاحات المالية لزيادة مستويات الكفاءة والعدالة الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية، ونجحت فى الوصول بها إلى مستوى المواطن العادى وكسب تأييده لها.

إضافةً إلى ذلك، تُولى الحكومة المصرية اهتمامًا خاصًا ببناء الإنسان المصرى، الذى يُعد الغاية الأسمى لكل الإصلاحات التى تتبناها الدولة.

وفى هذا الإطار، تتبنى الحكومة برامج وسياسات داعمة لقطاعى التعليم والصحة، وتحسين مستويات المعيشة، وذلك من خلال محورٍ كامل فى برنامج عمل الحكومة يتضمن 16 برنامجًا رئيسيًا ونحو 33 برنامجًا فرعيًا.