خالد محمد شوقى الشهادة اختيار

الشهادة اختيار.. لا فرق بين من يستحقها فى أى مجال، فهذا سائق بسيط الحال جاءته فرصة للاختيار ما بين إنقاذ حياته وإنقاذ حياة الكثير من الناس، دون تردد اختار التضحية بحياته مثله مثل الأطباء فى فترة جائحة كورونا ومثل «المنسى» فى مواجهة الإرهاب على أرض الفيروز، وغيرهما من تضحيات رجال الشرطة والأبطال فى كل موقع أو كل مكان.
نقف أمام أسطورة إنسانية لمواطن استحق أن يكرم شعبيًا ورسميًا من خلال السيدة انتصار السيسى ورئيس الوزراء ووزير الأوقاف ووزير البترول ومحافظ الدقهلية وغيرها من رسائل الدعم المعنوى والمادى لأسرته.
فى لحظة فارقة، قد يختار الإنسان أن ينجو بنفسه، أن يهرب من الخطر، أن يتوارى عن النار، لكن خالد محمد شوقى لم يكن من هؤلاء.. لم يكن مجرد سائق شاحنة وقود يؤدى عمله فى صمت، بل كان إنسانًا يحمل فى قلبه معنى البطولة، ومع كل قطرة وقود، كان يحمل أيضًا حسًّا عميقًا بالمسئولية، لا يعرف التراجع.
فى صباح يوم الحادث، وبينما كانت محطة البنزين بمدينة العاشر من رمضان تعج بالحياة، اشتعلت النيران فجأة فى شاحنته المحملة بالوقود.
كان الهلع يملأ الأرجاء، وصرخات المواطنين تتعالى، ومع كل ثانية كانت كارثة أكبر تقترب.
لكن البطل خالد، بروح مفعمة بالإقدام، اتخذ قراره الصعب: أن يقود الشاحنة المشتعلة بعيدًا عن أرواح الأبرياء، عن خزانات الوقود، عن المدينة. قاد شاحنته نحو الموت، فقط ليمنح الآخرين فرصة للحياة.
كانت ألسنة اللهب تلتهم جسده، لكنه لم يتوقف، لم يفكر فى نفسه، بل فى الأطفال الذين ينتظرون آباءهم، فى الأمهات اللواتى كنَّ على بُعد أمتار من الانفجار، فى المدينة كلها.
رحل خالد، لكنه لم يغادر القلوب، رحل وفى صدره إيمان عميق بأن البطولة ليست فى الكلام، بل فى الفعل، وأن التضحية هى أسمى درجات الإنسانية.
شهداء المعارك كثيرون، لكن خالد كان شهيد معركة من نوع خاص؛ معركة الإنسان ضد الكارثة، معركة البطولة فى وجه الخوف، رجل واجه النار لا بسلاح، بل بشهامة.
تجلّت بطولته فى شهادات من عايشوا اللحظة، الذين رأوه وهو يحترق لكى لا يحترق غيره.
رأوه يختار الموت، ليمنح الحياة، حتى من لم يعرفوه شخصيًا، شعروا بأنهم فقدوا واحدًا من أنبل من أنجبتهم هذه الأرض.
تبرّع رجال أعمال، وبكت الأعين، وتناقلت الشاشات ووسائل التواصل القصة كأنها حكاية من زمن الأساطير، لكنها حكاية حقيقية بطلها رجل من لحم ودم، اسمه خالد شوقى.
سيظل خالد حيًا فى الذاكرة، رمزًا لنوع نادر من الرجال: أولئك الذين لا يغادرون الدنيا قبل أن يتركوا فيها أثرًا خالدًا.