الجمعة 27 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حين رفضت مصر الوقوع فى قبضة المشروع الإخوانى

حين رفضت مصر الوقوع فى قبضة المشروع الإخوانى

فى النصف الأول من عام 2013، كانت مصر على صفيح ساخن. بعد عام واحد فقط من وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم، بدأت ملامح مشروعها تظهر بوضوح، لا كسلطة وطنية جاءت بإرادة الثورة، بل كتنظيم دولى يعمل ضمن شبكة إقليمية ذات أجندة تتقاطع مع مصالح قوى أجنبية، على رأسها الولايات المتحدة وتركيا وقطر. وسط هذا المشهد المضطرب، بزغت حركة شعبية شابة تحمل اسم “تمرد”، لتجمع الغضب الكامن فى صدور المصريين وتحوله إلى طاقة فعل غيرت مجرى التاريخ.



تمرد.. صوت من الشارع لا من النخبة

لم تكن حركة تمرد مجرد مبادرة سياسية تقليدية، بل كانت فى جوهرها صرخة من قلب الشارع ، هدف الحركة كان بسيطًا ومباشرًا: جمع توقيعات شعبية لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسى والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. لكن ما بدا كحملة توقيعات، تحول بسرعة إلى كرة ثلج تدحرجت فى كل أرجاء البلاد.

انتشرت استمارات تمرد فى القرى، والمصانع، والجامعات، وأكشاك الشاي، وعربات المترو. لم يعتمد القائمون على الحملة على تمويل خارجى أو دعم حزبى، بل على ثقة الناس، الذين شعروا أن ما وعدت به الثورة قد سُرق منهم لصالح جماعة لا ترى الوطن إلا من خلال مرآة التنظيم.

غضب شعبى مكتوم… انفجر فى وجه مرسى والإخوان

خلال عام واحد فقط من حكم الإخوان، كان واضحًا أن الغالبية الساحقة من المصريين بدأت تفقد الثقة فى أن الجماعة قادرة أو راغبة فى تمثيل الوطن كله. فالرئيس مرسى، الذى جاء بصناديق الانتخابات، حكم بمنطق الجماعة لا الدولة، وبقرارات فوقية أظهرت عداءً واضحًا لأى صوت معارض.

أحداث مثل الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012، الذى حصّن قرارات الرئيس من الطعن القضائى، أكدت لكثيرين أن الإخوان يسيرون فى طريق استبدادى مغلف بخطاب دينى. وجاءت محاولة “أخونة” مؤسسات الدولة، من الإعلام إلى القضاء، لتغلق الباب أمام أى أمل فى شراكة وطنية.

صراع مع مفاصل الدولة.. الكنيسة والقضاء والإعلام

لم تكن علاقة الإخوان بمؤسسات الدولة قائمة على التفاهم أو الاحترام المتبادل. فمع الكنيسة القبطية، اتُهم النظام بالصمت بل التواطؤ أمام التحريض الطائفى، مثل الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية فى العباسية، الذى اعتبره البابا تواضروس “إهانة للدولة كلها”.

أما القضاء، فشهد حملة منظمة من التشكيك والتخوين، ومحاولات الإطاحة بكبار رموزه، بداية من النائب العام وحتى قضاة المحكمة الدستورية. ولعل مشهد حصار المحكمة الدستورية من قبل أنصار الجماعة يظل شاهدًا على نهج إخوانى أراد كسر ميزان العدالة لصالح سلطة التنظيم.

وفى ملف الإعلام، انكشف العداء بوضوح. اتُّهمت القنوات والصحف المستقلة بالعمالة، وتم تحريض أنصار الجماعة ضد الإعلاميين، بل شهدت بعض المقار الإعلامية محاولات اقتحام، فى مناخ عام من التحريض على الحريات والتضييق على الرأى الآخر.

فشل فى إدارة الدولة وتدهور معيشى واقتصادى

على الأرض، لم يشعر المواطن بتحسن فى حياته اليومية، بل العكس. أزمات الوقود والكهرباء والخبز عادت من جديد، والطوابير أصبحت جزءًا من المشهد اليومى. وبدلًا من التركيز على الملفات المعيشية، انشغلت السلطة الإخوانية بـ”أخونة” المناصب، وإرضاء قواعدها، والدخول فى معارك سياسية لا تنتهى.

الاقتصاد دخل نفقًا مظلمًا، السياحة تراجعت، والاستثمارات هربت، والجنيه فقد جزءًا كبيرًا من قيمته. ولم تكن هناك أى رؤية واضحة لإدارة الدولة، فقط ارتجال وشعارات دينية.

التبعية لمشاريع أجنبية: واشنطن وأنقرة والدوحة

فى قلب المشهد، كان كثير من المصريين يرون أن الحكم الإخوانى لا ينتمى حقًا للمشروع الوطنى المصرى، بل يمثل جزءًا من تحالف إقليمى دولى يسعى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.

بدأت الشكوك تتزايد حول علاقة مرسى بجهاز الأمن القومى الأمريكى، خاصة بعد زياراته المتكررة لواشنطن وتصريحاته المتناغمة مع السياسات الأمريكية فى المنطقة. تركيا، بقيادة أردوغان، قدمت دعمًا صريحًا ومفتوحًا للحكم الإخوانى، سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا. أما قطر، فكانت الممول الأول للسلطة الجديدة، وهو ما تجلى فى حزم مساعدات سخية، وتدخلات إعلامية عبر شبكة “الجزيرة” التى لعبت دورًا دعائيًا مباشرًا للجماعة.

كل هذا عزز قناعة الملايين أن مصر تُدار من الخارج، وأن القرار الوطنى أصبح مرهونًا بتحالف إخوانى خارجى لا يعرف إلا مصلحة التنظيم.

30 يونيو: اللحظة التى قال فيها الشعب كلمته

أمام هذا كله، لم يعد أمام المصريين سوى النزول إلى الشارع. وفعلاً، خرجت الحشود فى 30 يونيو 2013 فى كل محافظات الجمهورية. كان المشهد مهيبًا، بل غير مسبوق، حتى بالمقارنة بثورة يناير. لم تكن مظاهرات فقط، بل إعلان رفض شعبى شامل لتنظيم حاول اختطاف الدولة.

وبعد أيام، استجابت القوات المسلحة لصوت الشعب، لتبدأ خريطة طريق جديدة، قادها الرئيس المؤقت عدلى منصور، وانتهت بوضع دستور جديد، ثم انتخابات رئاسية، ثم برلمان منتخب.