السبت 28 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التعددية.. عقد اجتماعى جديد

التعددية.. عقد اجتماعى جديد

اثنا عشر عامًا مرت على ثورة 30 يونيو 2013، وعادة يتطلع البعض بدافع من البحث أو الشغف الصحفى إلى رؤية التحولات التى طرأت على جماعات بعينها خلال هذه الفترة، وربما يمتد هذا الشغف إلى مقارنتها بما كانت عليه فى فترات سابقة. 



وقبل أن نغوص فى أعماق المشهد الداخلى بكل تعقيداته، فإنه من الضرورى أن نقف أمام المغزى الأساسى لثورة 30 يونيو وهو الحفاظ على الدولة فى ظل بيئة إقليمية تشهد مساحات من التفسخ السياسى والاجتماعى، وما يرافقها من عنف وإرهاب، من سوريا إلى ليبيا، من السودان إلى اليمن، ولا تزال هناك دول أخرى تبحث عن الاستقرار مثل العراق ولبنان، وإذا أخذنا فى الاعتبار ما يحدث الآن من حرب أمريكية إسرائيلية على إيران، ندرك سريعًا كيف أن تلك الثورة حفظت مصر من الوقوع فى براثن تفسخ، وتطرف، وعنف لم يكن من الممكن أن تخرج منه سالمة مرة أخرى. 

ولم يحم نظام ثورة 30 يونيو الدولة فقط، ولكن أيضًا دشن عقدًا اجتماعيًا جديدًا فى العلاقة بين المواطنين والدولة، من أهم ملامحه العمل على صون التعددية، وتعزيز التسامح فى المجتمع، فى سياق التنوع الدينى الذى يتسم به المجتمع المصرى، وهو تنوع ذات طبيعة خاصة، يختلط فيه الناس فى كل مظاهر الحياة دون أن يستقل أحدهم عن الآخر جغرافيًا أو مهنيًا أو اجتماعيًا. من هنا، فالأقباط ليسوا أقلية بالمعنى العرقى أو الثقافى، لكنهم «قلة عددية» فى وسط «أغلبية سكانية»، يعيشون معًا فى مساحة ممتدة من التعايش عبر قرون. تمر مسيرتهم المشتركة بتعرجات، لكنها فى النهاية مستقرة ومستمرة. 

وإذا عدنا إلى الوراء قبل أكثر من عشر سنوات، بعد أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم، كان من الطبيعى أن يتساءل الأقباط فيما بينهم عن اتجاهات الرئيس الجديد الذى انحاز للشعب فى ثورته لإنهاء حكم الإخوان المسلمين، وفى أذهانهم المقارنة بينه وبين من سبقوه فى الموقع الرئاسى. هل هو عبد الناصر أم السادات أم مبارك؟ أى نموذج سوف ينتهج فى تعامله مع الأقباط؟ هل هو أقرب إلى «نموذج عبد الناصر» الذى سعى إلى بناء الدولة القومية. تضررت فى عهده الرأسمالية القبطية أسوة بالمسلمة، لكنه وسع من نطاق الطبقة الوسطى، وأشاع أجواء من الثقافة المدنية، وفى عهده بنيت الكاتدرائية المرقسية، ولمعت أسماء عدد من التكنوقراط الأقباط بعد أن توارى الساسة الأقباط الذين نشطوا قبل عام 1952 عن المشهد. هل هو أقرب إلى «نموذج السادات» الذى دشن دولة العلم والإيمان، وأطلق مساحة واسعة للتيارات الإسلامية، فى سياق تصوره لتحقيق نظام يقوم على مشاركة الجميع، وقد عانى المجتمع من هذه التيارات، ومن ضمنهم الأقباط، وعرف مصطلح الفتنة الطائفية طريقه للخطابين السياسى والإعلامى، وانتهى عصره بالتحفظ على البابا شنودة رهن الإقامة الجبرية فى أحد أديرة وادى النطرون، والزج بعدد من الساسة الأقباط المعارضين ضمن رفاقهم المسلمين فى السجن، جنبًا إلى جنب مع عدد من رجال الدين الإسلامى والمسيحى. هل هو أقرب إلى «نموذج مبارك»، الذى غاب الحسم عن سياساته تجاه الملف الدينى. وإن كانت فترة حكمه اتسمت ببعض التحولات الإيجابية المحسوبة، منها فتح ملف المواطنة ذاته، لكن استمر العنف فى مواجهة الأقباط، وتجددت باستمرار المشكلات المتعلقة ببناء وترميم الكنائس، فضلًا عن المشكلات المتعلقة بضعف التمثيل السياسى، وشيوع مشكلات وتوترات دينية حول قضايا اجتماعية. 

تساءل الأقباط: أى نموذج سوف ينتهج الرئيس عبد الفتاح السيسى؟ وكانت إجابة السنوات الماضية تشير إلى أنه نموذج مختلف يحمل بصمة جديدة مغايرة. 

يذهب إلى الكاتدرائية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد، ويبدى فى رسائل متلاحقة حرصه على بناء كنائس أسوة بالمساجد فى المدن الجديدة التى يوليها عنايته. ثأر للدم المصرى فى ليبيا بضربات جوية مركزة، وتقدم بنفسه جنازة شهداء الكنيسة البطرسية فى 11 ديسمبر 2016م، وفى عهده سن قانونًا جديدًا لبناء وترميم الكنائس، رغم كل ما يرد عليه من تحفظات، واتسع التمثيل البرلمانى للأقباط على نحو غير مسبوق. وفى كل ما سبق فإن خطاب الدولة غلب عليه الدعوة إلى التسامح، والمواطنة، والمساواة بين كل المصريين. 

بالتأكيد يحتاج نظام 30 يونيو إلى تكاتف المواطنين للحفاظ عليه، والعمل على تطويره تنمويًا وديمقراطيًا، اقتصاديًا واجتماعيًا، وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحقوق المدنية والسياسية، حيث لا تزال تحديات كثيرة تحيط به، داخليًا وخارجيًا، وسوف تزداد فى الفترة المقبلة، وهو ما يتطلب اليقظة، واتساع نطاق الوعى والمشاركة للمصريين عامة، والشباب خاصة.