الثورة عززت قدرات الجيش والدولة
ثورة 30 يونيو لم تكن فقط حدثًا سياسيًا بل نقطة تحول استراتيجية فى تاريخ الدولة المصرية المعاصرة، وبها استردت مصر من قبضة من لا يستحقها واستعادت الوعى الوطنى بعد محاولة تفكيك الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها الجيش المصرى.
30 يونيو لم تكن لحظة غضب شعبى فقط بل كانت نتاجًا لوعى عميق تشكّل عبر عقود، تجسّد فى إرادة المصريين التى عبّرت عنها الملايين فى الشوارع والميادين، رافضين مشروعًا كان يسعى لتحويل الجيش المصرى إلى ميليشيا تابعة وليس مؤسسة وطنية مستقلة.
كانت الجماعة التى حكمت مصر قبل 30 يونيو تُدرك أن الجيش هو العقبة الكبرى أمام مشروعهم ولذلك سعت لاختراقه أو تحييده أو تفكيكه، وهو ما رفضته القوات المسلحة بكل وضوح، واختارت الانحياز للشعب وللدولة.
الجيش المصرى بعد 30 يونيو لم يكتفِ بدوره فى تأمين البلاد واستعادة الاستقرار بل دخل فى مرحلة إعادة بناء شاملة لقدراته، انطلاقًا من قناعة بأن ما واجهته مصر ليس سوى جولة أولى فى صراع ممتد تتداخل فيه التهديدات الإقليمية والدولية والأيديولوجية. وقد أدركت القيادة السياسية والعسكرية أن بناء جيش قوى حديث مرن ومتكامل هو خط الدفاع الأول عن الدولة فى مواجهة هذا الواقع الجديد (وهذا يتحقق الآن كما نرى).
ومن هنا انطلقت خطة طموحة لتطوير القوات المسلحة على كل المستويات من إعادة تنظيم الهيكل القيادى إلى التوسع فى إنشاء القواعد العسكرية الحديثة، مثل قاعدة محمد نجيب وبرنيس، إلى تحديث نظم التسليح بأحدث ما وصل إليه العلم العسكرى. كما تم إدخال الطائرات الرافال، والغواصات الألمانية، وحاملات المروحيات ميسترال والمدرعات المتطورة، ونُفذت عمليات إعادة هيكلة شاملة لأنظمة القيادة والسيطرة.
هذا التطوير لم يكن فقط فى العتاد، بل شمل العقل العسكرى المصرى ذاته، عبر برامج تدريب متقدمة، وميادين إلكترونية، وتوسيع الشراكات العسكرية مع دول كبرى، وإيفاد بعثات علمية لضباط مصريين للتعلم من المدارس المختلفة فى العالم، مع الاهتمام الخاص بإعادة صياغة المفاهيم العسكرية لمواجهة الحروب الحديثة، وعلى رأسها: حروب الجيلين الرابع والخامس، الحرب النفسية، والمعلوماتية، والسيبرانية.
ولا يجب أن ننسى دور الجيش بعد 30 يونيو فى معركة التنمية والبناء، حيث لم تعد القوات المسلحة تعمل فقط كقوة دفاع، بل كمحرك ورافعة للدولة المصرية فى ملفات البنية التحتية، والصناعات الوطنية، والأمن الغذائى.
هذا الدور لا ينتقص من طبيعة الجيش بل يُعزّز قدرته الاستراتيجية على تحقيق الأمن القومى بمعناه الشامل، ويُعيد الثقة المتبادلة بين المواطن والجيش المصرى التى ظلت طوال تاريخها رمزًا للانضباط والالتزام والكفاءة.
ما بعد 30 يونيو شهد عودة مصر لدورها الطبيعى، دولة مركزية فى محيطها، قوية بجيشها، مستقلة بقرارها، تسعى لبناء توازن استراتيجى جديد فى إقليم مضطرب، وتحجز لنفسها موقعًا مؤثرًا فى خارطة التحالفات السياسية والعسكرية.
ما تحقق بعد ثورة 30 يونيو هو نتيجة إرادة سياسية واضحة، وشعب صامد، والجيش المصرى يعرف جيدًا معنى الوطن ومعنى الشرف العسكرى. فالجيش الذى حمَى الثورة وأعاد بناء نفسه أصبح اليوم أحد أبرز عناصر القوة للدولة المصرية الحديثة.