مشروع مصر القومى لترسيخ العقيدة الوطنية

«موسوعة الشهداء»، مشروع مصرى قومى، أعتقد أننا فى أمس الحاجة إليه، لإنعاش ذاكرة أجيال الوطن المعاصرة والمتعاقبة، ببطولات عظماء من نبتوا فى هذه الأرض الطيبة، وقدموا أرواحهم فداء لها وشعبها وأمنها وبقائها وازدهارها.

 

المشروع الذى أقترحه، لا يعنى أن هناك تقصيرا فى الاهتمام بالشهداء وأسرهم، فما توليه الدولة المصرية، وفى المقدمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، من تكريم لأسماء الشهداء، فى كل المناسبات الوطنية والأعياد، ورعاية أبنائهم وأسرهم وذويهم خير مثال على الأفعال التى تسهم فى بناء وعى عام بتضحياتهم وحقوق أسرهم.

 

لكن ما أقترحه «موسوعة الشهداء» أو «ذاكرة الشهداء»، مشروع قومى، يوثق قصص بطولات شهداء مصر فى مختلف المجالات، وعلى مر العصور، لإضاءة ذاكرة الأجيال المتعاقبة، ورى بذور الانتماء فى النفوس، وقيم الوفاء والعطاء لهذا الوطن العظيم.

 

أولًا: الإطار المفاهيمى:

 

وينطلق المشروع هنا من ضبط المصطلحات، لتكون جامعة مانعة، تحدد وفق صحيح الدين والثوابت الوطنية، مفهوم الشهادة والفئات التى تشملها، ولله الأمر من قبل ومن بعد، لكن هنا المقصود الفصل بين الشهداء الذين يبذلون حياتهم دفاعًا عن الوطن والأرض والأمن والشعب، وكسب الرزق الحلال، وأداء الواجب فى مختلف المجالات من مستشفيات ورجال إطفاء وفتيات شريفات يكسبن قوتهن بعملهن، وتلك التنظيمات التكفيرية التى يخلط البعض الأوراق بوصفها بالجهادية.

 

ثانيًا: التسلسل الزمنى: 

 

وهنا تأتى النماذج المعبرة عن شهداء الوطن فى تسلسل زمنى، من عهد مصر القديمة حيث الشهيد سقنن رع قائد حرب تحرير مصر من الهكسوس، إلى عصرنا الراهن وما سطره الأحفاد الأبطال فى معارك تحرير سيناء من الصهاينة، وحمايتها وتطهيرها من الإرهاب.

 

ثالثًا: البناء المعرفى: 

 

بمعنى تقديم المشروع والنموذج فى إطار معرفى، له مستهدفات واضحة، وإطار شامل يعكس حجم التحدى الذى واجهته مصر، وقيمة تلك البطولة، فى إطارها الزمنى والتاريخى، وأثرها على الجيل الذى عايشها، وعلى بقاء الوطن واستقراره بمراحله المتعاقبة.

 

رابعًا: شمول قيمة الشهادة وتنوع أبطالها: 

 

بمعنى أن الشهداء ليسوا أبناء فئة بعينها، بل وفق الإطار المفاهيمى، كل من يضحى فى سبيل أداء واجبه تجاه أسرته الصغيرة، والأسرة الكبيرة شعب مصر، والوطن وأمنه فهو شهيد، فالجنود فى الحروب وعلى ثغور الوطن، وحماة الجبهة الداخلية، والأطباء على جبهة كورونا وفى أداء واجبهم اليومى، ومن يكد ويبذل جهدًا فى سبيل الكسب الحلال ورعاية أسرته، ورجال الإطفاء، ومن ارتقوا خلال أداء واجبهم فى سنترال رمسيس، شهداء.

 

خامسًا: عمومية النموذج وخصوصيته:

 

أى تقديم نماذج البطولة للشعب والأجيال بصفة عامة، ثم اهتمام كل فئة بنماذج خاصة، بمعنى احتفاء الشعب بالجميع، واحتفاء كل وزارة بشهدائها، فى الوزارات والجهات التى ينتمى إليها الشهيد بتخليد اسمه، كأن يطلق أسماء شهداء كورونا على أجنحة بالمستشفيات العامة.

 

سادسًا: أساليب تقديم النموذج:

 

وهنا القضية الأكثر أهمية، وهى دراسة علمية لآليات تقديم تلك النماذج بعد اختيارها معبرة عن كل الحقب التاريخية وتنوع الفئات، بأساليب احترافية متنوعة، تقدم بتقنيات سرد قصصى فى سلسلة مؤلفات مطبوعة، وسرد درامى وإذاعى، ووثائقيات، وتضمين المناهج التعليمية وفق مجال التخصص. 

 

فالأحفاد قدموا بطولات عظيمة سيرًا على خطى الأجداد، وفى كل شبر من مصر أبطال كثر، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

 

تحية لأرواح شهداء القوات المسلحة المصرية، ففى هذا الأسبوع أمس الأول ٧ يوليو حلت ذكرى شهداء ملحمة كمين البرث الشهيد أحمد المنسى ورفاقه، وفى التاسع من مارس كل عام نحتفل بعيد الشهيد تخليدًا لتضحية الشهيد الفريق أول عبدالمنعم رياض، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، الذى استشهد ٩ مارس ١٩٦٩ على الخطوط الأولى للمواجهة فى حرب الاستنزاف بنيران الاحتلال الصهيونى.

 

وبالأمس القريب الثلاثاء ودعنا أربعة شهداء من القطاع المدنى، العاملين بسنترال رمسيس، الذى داهمه حريق مفاجئ، الشهداء، وائل محمود والمهندس أحمد رجب، والمهندس محمد طلعت والمهندس أحمد مصطفى.

 

وقبلهم بأسابيع قليلة كان الشهيد خالد محمد شوقى، سائق شاحنة الوقود الذى أنقذ مدينة العاشر من رمضان من كارثة مضحيًا بحياته فى سبيل سلامة العشرات من أبناء الوطن.

 

الشائعات وأوقات الأزمات 

 

فيما كانت نماذج البطولة من رجال الشرطة والتضحيات فى مختلف المجالات من مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن، إلى بطولة رجال الإطفاء بالحماية المدنية، فالعطاء فى كل القطاعات والبطولات يتحقق مع أداء الواجب.

 

يبقى الأمل فى تعزيز الوعى، ففى أوقات الأزمات تنمو الشائعات، ففى حين كانت قوات الدفاع المدنى تكافح لإخماد نيران حريق سنترال رمسيس، وغرف العمليات تسابق الزمن للحد من الأضرار واستعادة كفاءة الخدمة، كان هناك من يعبث على مواقع التواصل الاجتماعى ويبتلع الشائعات ويروجها ويتداول صورا صنعت بالذكاء الاصطناعى لتضخيم مظهر النيران.

 

لكن من المهم استلهام الدروس والعبر من كل أزمة، فهذا الحريق والتعطل الجزئى لبعض الخدمات، يؤكد أهمية ما بدأته الدولة من بناء مراكز مؤمنة لتكون عقلا للدولة، وأهمية الخطط البديلة للمؤسسات الخدمية، للتحوط الرقمى. 

 

حفظ الله مصر وأعان رجالها المخلصين على مواصلة البناء، وعلاج ثغرات خلفتها سنوات التحديات.