الإثنين 14 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كريم وشريف.. من مدمنين إلى أيقونات فى علاج المرضى وبث الأمل

أصعب الأبواب تفتح عندما تُطرق من الداخل، يومها قد تكون بداية جديدة لاستعادة الذات والانتقال من التهميش إلى التأثير ومن خصم من رصيد المجتمع إلى إضافة يعتز بها الجميع فى أحد أروقة المركز الوطنى لعلاج الإدمان بالإسماعيلية  حيث لا تُروى القصص بالدموع بل بالثقة جلس شريف محمد مبتسمًا على مكتبه  وقد مر عامان على تعافيه.



لم يكن يومًا نجمًا على الشاشات، لكنه اليوم نجم فى عيون من يسيرون خلفه على طريق الألم ذاته أملًا فى التعافى فقد  سبقهم إلى التعافى. شاب ثلاثيني.. بدأت حكايته عند سن الثامنة عشرة  حين جرب  المخدر بدافع الفضول ثم انجرف شيئًا فشيئًا مع الرفقة السيئة. يقول «ماكنتش شايف إن فيه مشكلة… كنت حاسس إنى مرتاح ومبسوط. كنت فاكر نفسى فوق الكوكب، بس فى الحقيقة كنت بنهار من جوّه»  من سيجارة إلى أنواع أقوى، ومن شعور بالسعادة إلى عبودية كاملة للجسد والذهن. تحول المخدر إلى شيء يشبه المسكن لا يمكن الاستغناء عنه فالجسد يطلبه بإلحاح لا يرحم.

سنوات من الضياع  مرّت حتى جاءت ليلة فاصلة وهو يعمل سائقًا  يوصل ركّابًا إلى القاهرة، لكن رحلة العودة استغرقت منه ثمانى ساعات بدلًا من اثنتين لم يعرف الطرق فقد السيطرة ودار فى دوائر لا تنتهي، إلى أن قال لنفسه: كفاية. كانت لحظة سقوط لكنّها أيضًا لحظة وعي. 

من تلك النقطة بدأ التغيير. طلب المساعدة  ووصل إلى المركز الوطنى لعلاج الإدمان. هناك  بدأ رحلة من نوع مختلف ليست مجرد انسحاب جسدى من المخدر، بل انسحاب روحى من التيه، ثم إعادة بناء حقيقية للنفس.. يقول شريف هنا مش بس بتتعالج… هنا بتتعلم تتكلم، تسأل، تفكر وتلاقى إجابة أنا سلمت نفسى للناس اللى سبقوني، واتبعت خطواتهم، والحمد لله التجربة نجحت.

ما بعد العلاج لم يكن نهاية الرحلة، بل بدايتها الحقيقية. يقول : أنا النهاردة جزء من الفريق، ودى مش مجرد حاجة بعملها، دى رسالة أنا مشيت الطريق، فلازم أرجع أساعد غيرى لأن الموضوع قاسٍ فوق التصور .. لم يكن شريف وحده من حمل الراية لكن شاركه الرسالة والنجاح أكثر من ١٣ متعافيًا منهم  كريم ممدوح الذى يروى حكاية موازية ومؤثرة قائلًا: “أنا بقالى 5 سنين و10 شهور و19 يوم متعافي. بشرب مخدرات من 2007، بس بدأت أعيش من يوم ما قررت أتعافى عشان نفسي، مش عشان حد تاني.

كانت البداية بسجارة، لكن النهاية كادت أن تكون العدم.

حاول الإقلاع ثلاث مرات فى كل مرة لأجل هدف خارجي: ليسافر، ليستعيد زوجته، ليسعد والدته. لكنه لم ينجح. 

يقول كل مرة كنت ببطّل عشان حاجة برايا مش عشان كريم نفسه ولما تفشل الظروف كنت أرجع للمخدر أقوى من الأول مع خسارة كل من حولى قررت وبطّلت عشان كريم… اليوم، كريم ليس متعافيًا فقط، بل عنصرًا أساسيًا فى فرق الدعم النفسى داخل المركز ينقل تجربته للمصابين الجدد.

كريم لا يدّعى الحكمة، لكنه يملك الصدق: أنا مش طبيب ولا شيخ… أنا مدمن سابق، وعدّيت الطريق. وبقول لكل واحد: بطّل عشان نفسك، مش عشان ترجع مراتك ولا تفرّح أمك. بطّل عشان كيانك اللى ضاع وعايز يرجع.. فى المركز الوطنى لعلاج الإدمان، لا تُغلق الأبواب خلف أحد، بل تُفتح أمامه، شرط أن يقرر هو الدخول وكل قصة تحمل بذور بداية جديدة.