من قلب الظلام إلى ضوء التعافى .. رحلة ١٦٠ ألف مدمن سنويًا

حوار - د.عمر علم الدين
فى ظل تصاعد معدلات الإدمان وتغير خريطة المواد المخدرة بشكل متسارع، يبقى ملف علاج الإدمان أحد الملفات الصحية والاجتماعية الأكثر حساسية وتعقيدًا..خاصة فى ظل التأثيرات النفسية والاقتصادية العنيفة التي تخلّفها هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع.
ومن بين النماذج الوطنية الرائدة فى هذا المضمار يبرز المركز الوطني لعلاج الإدمان التابع للقوات المسلحة بالإسماعيلية كصرح طبي متخصص يجمع بين الانضباط العسكرى والخبرة العلاجية فى تأهيل المدمنين ومساعدتهم على استعادة حياتهم، والتعاون البناء مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والذي أنتج أكثر من 160 ألف متعاف سنويا وتحويل بعضهم إلى مرشدى تعافى يعملون فى الجهات الحكومية لعلاج الإدمان.
مدير المركز الوطني لعلاج الإدمان بالقوات المسلحة:
المخدرات المصنعة مثل الشابو تدمر الجهاز العصبى والمخ
خلال حوارنا مع العميد دكتور إيهاب صلاح مدير المركز الوطني لعلاج الإدمان بمستشفى القوات المسلحة بالإسماعيلية تحدثنا عن دور المركز وآلية عمله وتجربته الممتدة على مدار تسع سنوات ونستعرض رؤى القائمين عليه حول فلسفة العلاج والتحديات المتغيرة، والعوامل التي تؤثر فى نسب الشفاء وتكلفة العلاج ونسبة التعافى والى نص الحوار:
■ حدثنا عن المركز الوطني لعلاج الإدمان ومن يستقبل وآخر التطورات به؟
- المركز الوطني لعلاج الإدمان أو كما يُعرف بمستشفى القوات المسلحة لعلاج الإدمان بالإسماعيلية، تم افتتاحه فى مايو 2016 ويعمل بالتعاون مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان ويستقبل كل من يرغب طواعية فى العلاج من تعاطى المخدرات.
فى مايو 2025، تم توقيع بروتوكول رسمي بين صندوق مكافحة الإدمان والمركز، تتويجًا لما يقرب من 9 سنوات من التعاون الفعلى والمثمر بين الطرفين وهو ما رسّخ من دور المركز كأحد أهم مراكز علاج الإدمان داخل نطاق الجمهورية.
■ هل هناك إقبال كبير من طالبى العلاج بأنفسهم؟
- بالطبع كل المرضى لدينا يأتون برغبتهم الحرة بل على العكس المريض يجب أن يحضر بنفسه، ويوقّع على إقرار يؤكد فيه أنه جاء بإرادته الحرة للعلاج، بل يُمنح كامل الحرية فى مغادرة المركز إذا أراد، دورنا أن ننصحه ونوضح له وإذا أصرّ على الخروج فهو من حقه كمريض مكتمل الأهلية القانونية والعقلية.
■ كم عدد الحالات التي استقبلها المركز خلال السنوات الماضية؟
- تعاملنا مع نحو 6000 حالة فى القسم الداخلي، بالإضافة إلى ما يقرب من 35 ألف حالة عن طريق العيادات الخارجية.
■ ما الميزة النسبية التي أضافتها القوات المسلحة إلى هذا المجال؟
- الميزة الكبرى تكمن فى النظام والانضباط لدينا سيستم عمل واضح يُطبّق بمعايير موحدة على كل المرضى دون تمييز مع الالتزام الصارم بالمعايير الطبية، كما أن مريض الإدمان بطبيعته يُعانى من صعوبة فى الالتزام بالقواعد وهو ما يجعل القوات المسلحة هى الجهة الأقدر على توفير بيئة منضبطة تعزز من فرص التعافى الحقيقي.
■ إذا قرر أحد المرضى طلب العلاج فما هى الخطوات؟
- لديه طريقتان: إما من خلال الاتصال بالخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان حيث يُوجّه إلى أقرب مركز جغرافيًا أو التوجه مباشرة إلى المركز هنا فى الإسماعيلية، نحن نستقبل المرضى من جميع أنحاء الجمهورية، بدون قيود جغرافية.
■ هل المركز مجاني وما مدة الإقامة؟
- مدة الإقامة 30 يومًا، مقسّمة إلى أسبوع لسحب السموم (الديتوكس) ثم مرحلة التأهيل. خلال هذه الفترة، لا يتحمّل المريض سوى تكلفة الدخول المبدئية (نحو 2000 جنيه)، وتشمل جميع الفحوصات والتحاليل والإقامة. الخدمة العلاجية نفسها مجانية بتمويل من الصندوق.
■ ماذا بعد الثلاثين يومًا هل هناك متابعة؟
- نعم المريض يخرج مع جدول للمتابعة الأسبوعية فى العيادة النهارية، تتضمن تحليلًا للمخدرات وجلسات دعم نفسى مع الأخصائيين. وتستمر المتابعة طالما رغب، ويمكن أن تمتد لسنة أو أكثر، بتكلفة رمزية – حوالى 50 جنيهًا للجلسة شاملة التحليل.
■ إذا تعرّض المريض لانتكاسة هل تستقبله مرة أخرى؟
- نستقبله مرة أخرى كمريض جديد بعد مرور 6 أشهر على الأقل من تاريخ خروجه السابق، لإتاحة الفرصة لمرضى آخرين لم يحصلوا على الخدمة من قبل.
■ ما مدى سرية العلاج؟
- نلتزم بسرية كاملة. لا يُمنح أى تقرير أو معلومة إلا للمريض نفسه أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى فقط (الأب أو الأم). لا يمكن لأى جهة، مهما كانت، الحصول على بيانات تخص المريض بدون موافقته.
■ هل تُقبل كل الحالات؟
- جميع حالات الإدمان تُقبل ما لم تكن هناك مشكلة صحية جسيمة تستلزم رعاية طبية غير متاحة لدينا، مثل مرضى الإيدز أو من يحتاجون لغسيل كلوي، حيث يُحوّلون إلى جهات مجهزة لذلك مثل مستشفى العباسية. لكن بالنسبة لأمراض مثل فيروس C، لا توجد أى مشكلة.
■ ما هى المراحل العلاجية داخل المركز بالتفصيل؟
- بعد الفحص والتحاليل، يدخل المريض مرحلة سحب السموم من 5–7 أيام، ثم التأهيل النفسي. فى هذه المرحلة، يشارك فى جلسات نفسية فردية وجماعية، يقودها مشرفون متعافون من الإدمان تم تدريبهم جيدًا، بالإضافة إلى أخصائيين نفسيين. وفى مرحلة التأهيل المتقدم، يُطبّق العلاج المعرفى السلوكى CBT ضمن مجموعات علاجية.
وبالتالى نكون طبقنا برنامج الخطوات الـ١٢ للمرضى المحجوزين و بعد خروجهم و أثناء فترات المتابعة حيث يحددلكل مريض احد المشرفين و الاخصائيين النفسيين للمتابعة والإشراف على تنفيذ هذه الخطوات.
■ ما حجم الطاقة الاستيعابية للمركز؟ وهل توجد مراكز مماثلة؟
- المركز يحتوى على 100 سرير داخلي، ويقدم الخدمة الخارجية للذكور والإناث، بينما القسم الداخلى مخصص للذكور فقط. توجد مراكز مشابهة فى مستشفى الطب النفسى بالهايكستب ومستشفى المعادى العسكرى لكنها ليست مخصصة بالكامل لعلاج الإدمان، بل ضمن أقسام نفسية.
■ ما أكثر أنواع الإدمان المنتشرة؟ وأصعبها فى العلاج؟
- نعالج حالات إدمان لحشيش، هيروين، شابو، آيس، فيرجينيا وغيرها.. الأصعب على الإطلاق هى المواد المُصنعة الحديثة، مثل الشابو بسبب تأثيرها الشديد والمدمر على الجهاز العصبى والمراكز النفسية فى الدماغ.
مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان
500% زيادة فى العلاج بعد حملاتنا الإعلامية
أكد د. عمرو عثمان مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان أن المخدرات تمثل خطرًا قوميًّا مشيرًا إلى أن حملات التوعية - مثل حملة محمد صلاح - رفعت الإقبال على العلاج بنسبة 500%.
وأوضح فى حوار خاص لـ«روزاليوسف» أن نسبة التعاطى بين موظفى الدولة انخفضت من 8% إلى أقل من 1%، وإلى نص الحوار
■ ما أبرز أدوار صندوق مكافحة وعلاج الإدمان؟
- الصندوق جهة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وتلك التبعية تعكس بوضوح حجم اهتمام الدولة بمواجهة هذه القضية المصيرية، نحن ننسق مع 13 وزارة، ونتحرك فى مسار خفض الطلب على المخدرات، من خلال الوقاية، الكشف المبكر، العلاج، التأهيل والدمج المجتمعي. فى المقابل، تتولى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية خفض العرض.
■ ما أبرز خططكم الاستراتيجية فى هذا الإطار؟
- أعددنا خطة مصر 2024–2028 لمكافحة المخدرات، برعاية كريمة من رئيس الجمهورية، لدينا أكثر من 34 ألف متطوع من الشباب، نعمل فى الجامعات والمدارس ومراكز الشباب، ونطلق حملات إعلامية ضخمة، مثل حملة محمد صلاح، التي شاهدها ما يقرب من 85 مليون شخص واعتُبرت من قبل الأمم المتحدة ووزارة الأمن الصينية نموذجًا عالميًا.
■ هل للحملات الإعلامية أثر عملي؟
- نعم، الطلب على العلاج زاد بنسبة 500% بعد تلك الحملات، هذا إنجاز نوعى يعكس تحولًا فى وعى المواطنين.
■ كيف أسهمت حملات الكشف على الموظفين في خفض نسبة الإدمان؟
- بدأنا فى 2019 بنسبة تعاطٍ بلغت 8% داخل الجهاز الإداري للدولة الآن النسبة انخفضت إلى أقل من 1%، بفضل أكثر من 1.3 مليون تحليل مفاجئ وترقيات ضمن قانون منظم وصارم.
■ ماذا عن موقف القانون من الموظف المتعاطي؟
- لو ثبت تعاطيه أثناء العمل، يُفصل فورًا. لكن إذا بادر طوعًا للعلاج قبل اكتشافه، فلا عقوبة عليه. القانون يعطى فرصة حقيقية للإصلاح.
■ ماذا عن سائقى المركبات والحافلات المدرسية؟
- نسبة تعاطى سائقى أتوبيسات المدارس كانت 12% فى 2017، وانخفضت الآن إلى أقل من نصف فى المائة بفضل الردع والكشف الدوري.
■ حدثنا عن البنية التحتية العلاجية ؟
- فى 2014 كنا نغطى 7 محافظات بـ12 مركزًا علاجيًا. الآن لدينا 34 مركزًا فى 20 محافظة. ورغم التحديات الاقتصادية، تقدم الدولة العلاج مجانًا ووفقًا للمعايير الدولية بالشراكة مع القوات المسلحة التي وفّرت نقلة نوعية فى الخدمة.
■ ما أبرز مراكز القوات المسلحة المشاركة؟
- مستشفيات أحمد جلال، المعادي، والإسماعيلية، التي تُعد من الأفضل إقليميًا. قدمت وحدها خدمات علاج لما يقرب من 15 ألف مريض خلال عام واحد، تشمل العلاج الطبي، النفسي، الاجتماعي، التأهيل، الإرشاد الأسري، والرعاية النهارية.
■ هل لديكم إحصاءات عن نسبة المدمنين؟
- نسبة التعاطى عالميًا نحو 5.6%، وفى مصر النسبة قريبة (5.9%). أما نسبة الإدمان فهى 2.4% بين الفئة من 15 إلى 60 سنة.
■ كيف يمكن للمواطن التواصل لطلب العلاج؟
- من خلال الخط الساخن 16023، 24 ساعة يوميًا، لتقديم المشورة أو الإحالة للمراكز أو الإبلاغ عن بؤر الاتجار بالمخدرات.
■ هناك حديث عن تغير نمط المخدرات، ما أبرز التحديات الجديدة؟
- أخطر ما نواجهه الآن هو المخدرات التخليقية، مثل “الفنتانيل”، التي سببت 130 ألف وفاة فى دولة متقدمة خلال عام واحد فقط. هذه المواد تؤدى إلى سلوك عنيف وهلاوس خطرة، وتمثل تهديدًا مجتمعيًا.
■ كم يبلغ عدد طالبى العلاج سنويًا؟
- نستقبل نحو 160 ألف مريض إدمان سنويًا. فى المقابل، تشير الإحصائيات العالمية إلى أن واحدًا فقط من كل 11 مدمنًا ذكرًا، وواحدة من كل 18 أنثى، يحصل على علاج. أما فى مصر، فنحن نوفّر العلاج مجانًا وعلى نطاق واسع.
■ هل هناك تكلفة للعلاج؟
- التكلفة الفعلية مرتفعة جدًا، ولكن الدولة تتحملها بالكامل. ولو لجأ المواطن لمراكز خاصة مماثلة لكانت التكلفة بعشرات الآلاف دون ضمان تقديم الخدمة بنفس الجودة.
■ كيف تبدأ رحلة العلاج؟
- بالاتصال بالخط الساخن، يتم تقييم الحالة وتحويلها لأقرب مركز قد يتم العلاج خارجيًا أو داخليًا حسب شدة الإدمان. نبدأ بسحب السموم (7–10 أيام)، ثم التأهيل النفسى والاجتماعى (من شهرين إلى ثلاثة). بعد ذلك نتابع المريض فى عيادة الرعاية النهارية وندربه على حِرف يحتاجها سوق العمل.
■ هل هناك دعم اقتصادى للمتعافين؟
- نعم. نوفّر قروضًا للمتعافين تصل إلى 100 ألف جنيه، بالتعاون مع بنك ناصر. كما ندربهم على أعمال مثل السباكة والنجارة وإصلاح الموبايلات.
■ ما رأيك فى دور القوات المسلحة فى دعم ملف الإدمان؟
- دور شامل وتاريخي. القوات المسلحة تقدم خدمات طبية تضاهى أفضل المراكز العالمية، وتسهم فى التدريب، الانضباط، وتوفير بيئة صحية وآمنة للتعافى. حتى الأهالى يطلبون تحويل أبنائهم لمستشفياتها.
■ ما أهم المعايير الدولية فى علاج الإدمان؟
التركيز على التأهيل النفسى والاجتماعي، دمج المتعافي، رفع الوصمة، تقديم برامج متخصصة للإناث والمراهقين، والتأهيل المهني. العلاج الطبي وحده لا يكفي، والدمج المجتمعى هو بيت القصيد.