الخميس 17 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مصر فى إفريقيا.. تحديات القارة وحتمية التكامل

مصر فى إفريقيا.. تحديات القارة وحتمية التكامل

ما أشبه الليلة بالبارحة، ففى ظل تحديات جيوسياسية عالمية تتعاظم، فى صراع إعادة رسم خريطة النفوذ والتموضع، وإقليميًا.. ما يواجه المشرق العربى من مخطط إعادة رسم خريطته تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد، وقاريًا.. ما يواجه إفريقيا من تحديات، وداخليًا.. ما تواجهه الدولة الوطنية العربية والإفريقية من أزمات، تواصل مصر دورها التاريخى، فى الدفاع عن الحق وإرساء العدل، والأمن السلم والتنمية والتكامل. 



 

 

 

بالأمس واجهت إمبراطورية الاستعمار القديم، وأشرقت بها شمس التحرر فى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، لتلهم وتدعم حق الدول العربية والإفريقية فى الاستقلال وتقرير المصير، لتنطلق إلى تأسيس منظمات إقليمية إفريقية تدعم التكامل والتنمية.

 

واليوم أوقفت مصر بثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، مخطط هدم الدول الوطنية ومؤسساتها من الداخل، وتواصل دورها التاريخى، فى عرقلة مخططات الاستعمار الجديد، وما أحيك من مخططات للمنطقة، تدافع عن الحق الفلسطينى، وتجتهد لاستعادة قوة الدولة الوطنية التى تعرضت مؤسساتها لشروخ وتدعم التكامل الإفريقى أمنيًا وتنمويًا.

 

وما بين الجمهورية الأولى التى أسستها ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، والجمهورية الجديدة التى تؤسّسها ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، مشتركات بالغة الأهمية فى التعاطى مع دوائر الأمن القومى العربية والإفريقية والإسلامية، وما تحقق من إنجازات وما أعاقت التحديات تنفيذه، دون إغفال متغيرات السياق التاريخى والعوامل المؤثرة دوليًا وإقليميًا سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

 

وانطلاقًا من المشاركة الفاعلة للرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أعمال الدورة السابعة لاجتماع القمة التنسيقى لمنتصف العام للاتحاد للإفريقى، التى عقدت بمدينة مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، مطلع الأسبوع الجارى، نغوص فى البعد الإفريقى.

لم تكن مشاركة الرئيس بصفته رئيسًا لمصر الدولة العضو الفاعل والمؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية ٢٥ مايو ١٩٦٣، والاتحاد الإفريقى الذى بدأ دخول مرحلة النفاذ ٢٦ أبريل ٢٠٠١، بتوقيع ٣٦ دولة تمثل ثلثى دول القارة على قانونه التأسيسى، بل بصفة مصر رئيسًا فى الدورة الحالية للقوة الإفريقية الجاهزة فى شمال إفريقيا، ورئيسًا للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الإفريقى «النيباد».

 

فمصر التى دعمت دول القارة الإفريقية لتحقيق الاستقلال، وشاركت بفاعلية فى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، وتفعيل دورها ثم العمل على تحويلها إلى الاتحاد الإفريقى، تعود بقوة لدورها الإفريقى فى دعم عبور القارة عثراتها ومواجهة تحدياتها، وتحقيق السلم والأمن والتكامل التنموى لصالح شعوبها.

 

تواجه إفريقيا الراهنة تحديات جيوسياسية وصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى بـ«المعقدة والمتشابكة»، «بدءًا من النزاعات المسلحة، مرورًا بتفشى آفة الإرهاب، وصولًا إلى الجريمة المنظمة العابرة للحدود، فضلًا عن تداعيات تغير المناخ، وهى التحديات التى تهدد الأمن والاستقرار والتنمية فى إفريقيا، وتستلزم تضافر جهودنا من أجل مواجهتها».

 

حديث الرئيس السيسى يأتى انطلاقًا من رئاسة مصر للدورة الحالية للقوة الإفريقية الجاهزة بإقليم شمال إفريقيا، التى تمثل جزءا من خمسة أقاليم بالقارة، تستهدف فى مجملها تحقيق أهداف تحقيق السلم والأمن فى القارة.

 

ومنذ تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية ثم تحويلها إلى الاتحاد الإفريقى، وهناك مستهدفات رئيسية يستهدف الاتحاد الإقليمى تحقيقها، فى مقدمتها السياسية والاقتصادية، فالمنظمة سعت إلى دعم حركات التحرر والاستقلال، انطلاقًا من مبادئ المساواة، والتحرر الكامل لكل الدول الإفريقية، والتسوية السلمية للنزاعات، وتجنب التدخل فى شئون الدول الأخرى.

 

ونجحت المنظمة فى تصفية الاستعمار فى إفريقيا ليرتفع عدد الدول المستقلة الأعضاء من ٩ دول إلى ٢٣ دولة، لكنها واجهت ظاهرة تقديس الحدود التى رسمها الاستعمار بدقة، على أسس عرقية وقبلية تزيد من احتمالات نشوب الصراعات المسلحة فور خروجه، وهنا تواصل الدور المصرى الذى ساند الشعوب للتحرر، فى العمل على تعزيز دور المنظمة لأداء دورها فى ترسيخ السلم والأمن.

 

فكانت القمة الأولى بعد تأسيس منظمة الوحدة فى ضيافة القاهرة ١٩٦٤، برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر رحمه الله، لتناقش القضية الرئيسية وهى العمل على الحيلولة دون نشوب صراعات حدودية بين الدول الوليدة وحديثة الاستقلال.

 

واجتهدت لوضع آلية لمنع وإدارة الصراعات هدفها منع وقوع الصراعات فى مرحلة ما قبل الحدوث، خرجت للنور ١٩٩٣ ومقرها القاهرة بيد أن الصراعات والتحديات المتصاعدة حالت دون نجاحها فى أداء دورها، وفى القلب اعتبار أطراف النزاعات تلك الآلية تدخلًا فى شئونها الداخلية. 

 

لينتقل العمل الإفريقى المشترك إلى الاتحاد الإفريقى 2002، واضعًا على قمة أهدافه السياسية: توسيع وتيرة التكامل السياسى بين دول الاتحاد الإفريقى، وتحقيق الوحدة والتضامن، وتعزيز الحكم الرشيد والديمقراطية، والتكامل فى الدفاع عن القضايا ذات الاهتمام المشترك.

فيما تأتى حزمة الأهداف الاقتصادية بالغة الأهمية: تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية، وتمكين إفريقيا من ممارسة دور فعال فى الاقتصاد العالمى، وتعزيز واقع إفريقيا فى التنمية المستدامة وفق أجندة ٢٠٦٣، والتكامل والتعاون الاقتصادى بين دول القارة وفى مجالات تعزيز البحث العلمى فى كل مجالات التنمية.

 

 

 

المدقق فى إمكانيات القارة العذراء، يكتشف أنها تملك ثروات وقدرات تؤهلها لأن تكون رقمًا فاعلًا لديه أضعاف القدرات التأثيرية فى المعادلة الدولية والاقتصاد العالمى، إذا ما عبرت تحدياتها واستثمرت بتكامل بين دولها ثرواتها.

 

وهنا ينبغى أن يكون البحث العلمى فى مقدمة الأولويات، فالاحتلال الصهيونى يحتل المرتبة الأولى عالميًا فى الإنفاق على البحث العلمى ٤.٨٪ من إجمالى الناتج المحلى، تليه كوريا الجنوبية ٤.٥٪، ثم اليابان ٣٪، بينما معظم الدول العربية والإفريقية إنفاقها على البحث العلمى أقل من الواحد الصحيح، وقد بلغ الإنفاق فى مصر على البحث العلمى ١.٤٪ فى ميزانية ٢٠٢٤، ومستهدف ارتفاع النسبة إلى ١.٨٪ فى ميزانية ٢٠٣٠.

 

وبالعودة إلى هيكل الاتحاد الذى يعقد مؤتمر القمة بحضور رؤساء الدول، نوفمبر من كل عام، ثم الاجتماع التنسيقى نصف السنوى الذى حضره الرئيس عبدالفتاح السيسى هذا الأسبوع، لمتابعة أعمال أجهزة الاتحاد وفى مقدمتها آليات مجلس السلم والأمن الإفريقى الذى بدأ عمله ٢٠٠٤، بعضوية ١٥ دولة عشر منها يعاد انتخاب أعضائها كل عامين، وخمس يعاد انتخابها كل خمسة أعوام.

 

ولمجلس الأمن والسلم الإفريقى آليات تنفيذ مستهدفاته، من مجلس حكماء هدفه ممارسة الدبلوماسية الوقائية للحيلولة دون وقوع الصراعات، مرورًا بنظام الإنذار المبكر لجمع وتحليل البيانات بشأن التوترات التى يمكن أن ينتج عنها صراعات مستقبلًا، بهدف التوقع والتنبؤ لاحتواء الصراعات قبل نشوبها وصولًا إلى القوى الإفريقية الجاهزة، التى ترأسها مصر فى إقليم شمال إفريقيا فى الدورة الحالية.

 

القوى الإفريقية الجاهزة 

 

وهى قوة تدخل وانتشار سريع عسكرية وشرطية، تشمل خمس فرق تختص كل فرقة بأحد أقاليم القارة، وتستهدف تقديم الاستشارات العسكرية للاتحاد الإفريقى للتفاوض مع أطراف الصراع، وتنفيذ عمليات المراقبة والمتابعة، والمشاركة فى بعثات قوى حفظ الأمن الإفريقى والتدخل السريع لاحتواء الأوضاع الخطيرة.

 

لكن الواقع يقول إن تلك القوة بالغة الأهمية لحفظ الأمن والسلم وإحلال السلام الذى لا بديل عنه لتحقيق التنمية والتكامل القارى اقتصاديًا، لم تبلغ درجة التشغيل الكامل لعدم الجاهزية الكاملة لقوتى شمال ووسط إفريقيا.

 

ولذا أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن «تفعيل وتعزيز الآليات الإقليمية المعنية بحفظ السلم والأمن فى القارة بات أمرًا ضروريًا»، وشدد الرئيس: «إن تنفيذ مهام مكونات القوة الإفريقية الجاهزة، ومن بينها قدرة إقليم شمال إفريقيا، فى دعم جهود الرقابة من النزاعات والاستجابة السريعة للأزمات، وحفظ وبناء السلام، يتطلب تنسيقًا وثيقًا مع مفوضية الاتحاد الإفريقى ومختلف الأقاليم الجغرافية». 

 

ولعل الأزمة الحقيقية التى لا تزال مستمرة فى إعاقة آليات منع وإدارة الصراعات فى إفريقيا، ليس فقط تجدد الصراعات وتوافر مسبباتها وضعف البنية الديمقراطية فى العديد من بلدان إفريقيا، بل ضعف تمويل آليات منع الصراعات ومحاصرتها.

 

ولذا دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أن القوة الإفريقية الجاهزة «تتطلب توفير تمويل مستدام لأنشطة القدرة لا سيما لبناء القدرات، بما يحقق الجاهزية التامة لها متى اقتضت الضرورة». 

 

فى ظل الرئاسة المصرية للقوة الإفريقية الجاهزة فى شمال إفريقيا، قال الرئيس السيسى: «خطت قدرة شمال إفريقيا خطوات إيجابية على هذا المسار، حيث أقرت اجتماعات رؤساء الأركان ووزراء الدفاع، التى انعقدت فى القاهرة مطلع العام الجارى خطة الأنشطة والبرامج ودشنت مسارًا للإصلاح المالى والإدارى للقدرة، وقامت بمراجعة إجراءات عملها وتحديثها لتتواكب مع نظيراتها بالاتحاد الإفريقى، وبما يحقق استدامة مالية، وكفاءة فى التخطيط والإنفاق». 

 

ومن آليات تحقيق الأمن والسلم، إلى الجهود فى مجالات المستهدفات الاقتصادية، فدول الاتحاد الإفريقى أمامها فرص كبيرة للتعاون والتكامل، عبر مشروعات الربط الإقليمى من خلال شبكات الطرق، وشبكات الربط الكهربى واتفاقيات التجارة، التى تسهم بشكل كبير فى تنمية الاقتصاد البينى وقد بذلت فى هذه الملفات جهود كبيرة يتم البناء عليها لكى تؤتى ثمارها.

 

ومن ملفات الاندماج القارى إلى التحديات التى تواجه القارة وفى القلب منها تداعيات التغيرات المناخية، وفى تلك الدورة تولت مصر رئاسة اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الإفريقى «النيباد»، أكد الرئيس أن إفريقيا التى نحلم بها باتت حلمًا قريب المنال.

 

فقد ضاعفت الوكالة فى ظل الرئاسة المصرية جهودها فى دفع تنفيذ الخطة العشرية الثانية لأجندة ٢٠٦٣، وأسرعت الخُطى فى تحديد وحشد التمويل لمشروعات البنية التحتية المدرجة لتصل قيمتها إلى 500 مليون دولار، كما عملت على الإسراع بوتيرة تنفيذ ممرات البنية التحتية بما يعزز جهود الاندماج الإقليمى.

 

إن فرص التكامل الإفريقى والاندماج الإقليمى هما الأمل الوحيد للنهوض بهذه القارة العذراء كثيرة الثروات عظيمة التحديات، ويظل الأمن والسلم والتنمية الاقتصادية هى الطريق لتحقيق آمال وطموحات شعوب تستحق أن تحيا.