استقلال وطنى.. وعدالة اجتماعية
محمود محرم وأحمد زكريا وزينب ميزار
لحظة فارقة تمثلها ثورة 23 يوليو فى التاريخ المصرى، حيث غيّرت ملامح الدولة وأعادت أسس الجمهورية الحديثة وصاغت ملامح الدولة على أسس من الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية، وأكدت أن الاستقلال لا يُمنح بل ينتزع، بل وشددت على أن الدول التى تحترم شعوبها وتتحرر من التبعية قادرة على أن تقود، وتلهم، وتصنع مستقبلها بإرادتها.
إنهاء التبعية وبناء السيادة
جاءت ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة مجموعة من الضباط الأحرار، فى مقدمتهم جمال عبدالناصر، لتعلن انتهاء مرحلة التبعية والخضوع للإرادة الأجنبية التى فرضها الاحتلال البريطانى منذ عام 1882 وكان الاقتصاد مرتهنا للمصالح الأجنبية، والسيادة الوطنية غائبة عن أهم موارد الدولة وموانئها الحيوية، وعلى رأسها قناة السويس.
تأسيس قيادة تحررية عالمية
«كانت أول لحظة فارقة فى التاريخ المصرى الحديث يُعلن فيها الاستقلال الفعلى للقرار السياسى بعيدًا عن الهيمنة البريطانية والأمريكية»، هكذا وصف الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، ثورة 23 يوليو، موضحًا أن تأميم قناة السويس فى 1956 لم يكن مجرد قرار اقتصادى، بل كان إعلانًا صريحًا عن كسر التبعية وإثبات قدرة الدولة المصرية على اتخاذ قراراتها المصيرية دون الرجوع إلى القوى الاستعمارية.
وعن التأثير الأوسع للثورة، لفت شقرة إلى أنه ظهر فى السياسة الخارجية المصرية، حيث تحولت القاهرة إلى مركز دعم لحركات التحرر فى العالم العربى وإفريقيا وآسيا، مستشهدًا بالدعم المصرى للثورة الجزائرية، والحركات الوطنية فى جنوب اليمن، كذلك المقاومة الفلسطينية فى مراحلها المبكرة، منوهًا إلى أن مصر قدمت لهذا الدعم ليس فقط خطابًا سياسيًا، بل موارد حقيقية، شملت التدريب العسكرى والإمداد بالسلاح واستضافة المناضلين على أراضيها.
وتابع: هذا الدور منح مصر ثقة ومكانة دولية، وأهّلها لتكون أحد مؤسسى حركة عدم الانحياز، ما رسّخ مبدأ الحياد الإيجابى والقرار المستقل فى العلاقات الدولية، مشددًا على أن الإرث السياسى لثورة يوليو لا يزال قائمًا حتى اليوم، حيث يشكل مرجعية لأى توجه نحو الاستقلال الوطنى، ورفض أى محاولات للإعادة فرض التبعية أو التأثير الأجنبى على القرار الداخلى، فضلًا عن أن أهمية الثورة لا تتوقف عند إنجازاتها فى الداخل، بل تمتد إلى الإلهام الذى قدمته لشعوب كانت تقاوم الاستعمار فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
مواجهة شاملة للاستعمار
وكشف المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث، عن أن ثورة 23 يوليو لم تكن فقط تحركًا ضد الملكية أو الاحتلال العسكرى البريطانى، بل كانت مواجهة شاملة مع التبعية السياسية والاقتصادية التى فرضها الاستعمار الغربى على مصر منذ عقود طويلة، موضحًا أن الملك فاروق كان فى كثير من الأحيان مجرد أداة بيد السفارة البريطانية، وأن القرار السياسى قبل الثورة لم يكن يُتخذ داخل مصر بشكل مستقل، بل كانت القوى الأجنبية تُملى الشروط، وتحدد اتجاهات الدولة فى ملفات حساسة.
الدسوقى أشار إلى أن أحد أبرز مظاهر التحرر السياسى بعد الثورة كان التخلص من النفوذ البريطانى فى مؤسسات الدولة، خاصة الجيش والاقتصاد، حيث كانت لندن تسيطر فعليًا على بنك مصر، وشركات القطن، وهيئة قناة السويس، لافتًا إلى أن قرارات مثل: إلغاء الامتيازات الأجنبية، وتأميم المشروعات الكبرى، وعلى رأسها قناة السويس، جسدت استقلال الإرادة الوطنية فى مواجهة الهيمنة الغربية.
وعن دعم مصر لحركات التحرر، قال: إن هذا الدعم لم يكن مجرد نشاط سياسى خارجى بل امتداد طبيعى للثورة نفسها التى كانت تعتبر التحرر من الاستعمار قضية أممية، تتطلب من الشعوب الحرة أن تتضامن مع غيرها، مشيرًا إلى أن مصر استقبلت على أراضيها عشرات الزعماء والمقاتلين من حركات التحرر، وقدمت لهم التدريب والدعم السياسى ما جعلها فى مقدمة الدول التى لعبت دورًا فى تغيير خارطة الاستعمار العالمى.
كما شدد الدسوقى على أن أهمية ثورة يوليو لا تكمن فقط فى ما حققته لمصر داخليًا، بل فى الإلهام والدعم العملى الذى قدمته لشعوب كثيرة انتزعت حريتها، بدءًا من الجزائر، ومرورًا بكينيا وتنزانيا، وصولًا إلى أنجولا وموزمبيق، منوهًا إلى أن هذا الدور ما زال حاضرًا فى ضمير الشعوب التى عرفت أن القاهرة كانت أول من فتحت لها أبواب الحرية.
تغييرات جذرية فى البنية الاجتماعية
«تغيرات جذرية فى البينة السياسية والاقتصادية والاجتماعية».. هكذا وصف الدكتور محمد أبوالعلا، رئيس الحزب العربى الديمقراطى الناصرى، ثورة 23 يوليو، منوهًا إلى أنها كانت نقطة تحول رئيسة وجوهرية فى التاريخ المصرى، حيث أفضت إلى إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية عام 1953، وتأميم قناة السويس عام 1956، وهو حدث تاريخى ضخم تحدى النفوذ البريطانى والفرنسى، إلى جانب بناء المصانع الكبرى، مثل مجمع الحديد والصلب، والتعليم المجانى على جميع المستويات، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، والمد القومى العربى ومحاولات توحيد الدول العربية «مثل الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958».
«أبوالعلا» أكد أن الثورة كانت ناجحة أيضًا من نواحٍ عديدة، أبرزها: تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال قوانين الإصلاح الزراعى ورفع مستوى المعيشة، وبناء دولة الاستقلال والسيادة الوطنية، عبر رفض التبعية الغربية، وتعزيز دور مصر فى العالم العربى، وقيادتها لحركات التحرر فى إفريقيا وآسيا، والتنمية الاقتصادية المستقلة، من خلال خطط التنمية الخمسية والمشاريع الكبرى مثل السد العالى.
أيضًا، عدد الدكتور عمرو رضوان، النائب الأول لرئيس حزب العربى الديمقراطى الناصرى، النجاحات التى حققتها ثورة يوليو، التى كان أبرزها إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية وفتحت باب بناء نظام جمهورى يعكس تطلعات الشعب ويغلق صفحة الحكم الوراثى، إلى جانب العدالة الاجتماعية، حيث قامت الثورة بإصلاح زراعى تاريخى أنهى احتكار الإقطاعيين للأراضى، وأعادت توزيعها للفلاحين.






